عشرات الآلاف شاركوا في تشييع المقاوم إبراهيم النابلسي، بعد اغتياله واثنين من رفاقه في البلدة القديمة بمدينة نابلس في الضفة الغربية، في مشهد سلط الضوء مجدداً على التفاف حول المقاومة تشهده الضفة الغربية، وتآكل مشروع السلطة الفلسطينية الذي ارتكز لقرابة عقدين من الزمن على تجريد الضفة من السلاح والاتجاه نحو المقاومة السلمية ومواجهة إسرائيل في أروقة المنظمات الأممية، في مسيرة مريرة لم تأتِ بأي نتيجة ملموسة.
مشهد التدافع على حمل نعش النابلسي ورفاقه لم يكن عادياً بالنسبة للاحتلال وكذلك للشعب الفلسطيني الذي يوماً بعد يوم ترتفع الأصوات داخله تمجيداً لنهج المقاومة المسلحة.
"عشرات الآلاف شاركوا في الجنازة، إنه ليس يحيى عياش لكن الناس في الضفة متعطشون لصناعة رمز خاص بهم"، قال تقرير للقناة الثانية الإسرائيلية عن جنازة النابلسي، مضيفاً حول تنامي ما سماها الظاهرة المقلقة "إن والد النابلسي ومن قبله والد رعد حازم منفذ عملية (دزنغوف) في تل أبيب يمثلان نموذجاً مقلقاً لأنهما كانا جزءاً من منظومة السلطة الفلسطينية الأمنية لكن ولديهما اختارا طريق المقاومة".
التفاف حول المقاومة..
وجاء هذا المشهد ليضاف إلى سلسلة مؤشرات على صعود تيار المقاومة المسلحة، بدءاً من الهتافات التي مجدت قائد كتائب القسام محمد ضيف وشكلت الشعار الأبرز لهبة مايو/أيار والتي اندلعت شرارتها من مدينة القدس المحتلة، عندما رددت الجماهير "حط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد ضيف". وما تبعه من دخول المقاومة في غزة على خط المواجهة وخوض معركة سيف القدس.
وليس انتهاءً بكلمات الشهيد النابلسي والرسالة التي وجهها لكتائب القسام ووصيته بعدم ترك السلاح.
وجنبً إلى جنب يشهد الشارع الفلسطيني صعوداً للمظاهر الوحدوية بين فصائل المقاومة المسلحة وأنصارها، فمعركة سيف القدس التي جمعت الفلسطينيين قاطبة على صوت واحد في الضفة وداخل الخط الأخضر وغزة والشتات شكلت بداية التحول، ورغم مرور عامين على الهبة إلا أنها تركت أثراً لا يمكن محوه، وفق محللين.
ذلك الأثر الذي تجلى في رفع العقيد المتقاعد في السلطة الفلسطينية فتحي حازم والد الشهيد رعد حازم منفذ عملية "دزنغوف" في تل أبيب، لراية حماس خلال عزاء للشهيد داوود الزبيدي في مخيم جنين.
كما أشارت الأحداث الأخيرة في نابلس إلى وجود مقاومة مشتركة وموحدة بين حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح والتي فككتها السلطة الفلسطينية منذ بداية عهد الرئيس محمود عباس.
وقال المحلل المتابع للشأن الإسرائيلي عصمت منصور إن توقيت عملية اغتيال النابلسي جاء مباشرة بعد الحرب على غزة كتأكيد من الاحتلال على الفصل بين الضفة وغزة وأنه لن يسلم بسهولة بمعادلة وحدة الساحات التي طرحتها الجهاد الإسلامي.
وأضاف منصور في حديث لـ"عربي بوست" أن جنازة النابلسي والهالة التي اكتسبها هؤلاء المقاتلون رفعت القلق لدى الاحتلال من عودة الصراع المسلح وأثارت سؤالاً حول ما بعد مرحلة أبو مازن، وكأن ما حدث بمثابة "بروفة" لما بعد أبو مازن.
وعدا عن المتغيرات التي يشهدها الشارع الفلسطيني في شكل المواجهة مع الاحتلال، فإن السلطة الفلسطينية باتت على المحك، بين فقدان دورها الوظيفي- من وجهة نظر إسرائيلية- في منع مظاهر التسلح من جهة، وضعف حضورها في الشارع من جهة أخرى.
وقال منصور إن جنازة النابلسي كانت نوعاً من الاستفتاء على خيار المقاومة المسلحة، وإن حالة الالتفاف الشعبي حولها وخروج عشرات الآلاف في التشييع كلها مؤشرات على بدء تآكل مشروع السلطة وضعف حضورها الوظيفي، وكأنها أصبحت غير قائمة، مضيفاً أن من يملأ الفراغ هم المسلحون على اختلاف تنظيماتهم.
وقالت صحيفة هآرتس العبرية إن قيادة السلطة الفلسطينية تضعف سيطرتها على المنطقة، وإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا تتمكن من العمل ضد المقاومين في مناطق عدة.
جيل جديد
وبينما يتصاعد الحديث عن سيناريوهات ما بعد مرحلة أبو مازن التي اتسمت بالتسليم للاحتلال والتعاون معه في بعض المحطات، تشير تقارير متعددة في الإعلام الإسرائيلي إلى بروز جيل فلسطيني جديد وصغير عمرياً، لا يخشى مواجهة الاحتلال.
صحيفة هآرتس أشارت إلى أن أعضاء الخلايا المسلحة الناشطة في الضفة اليوم يبلغ متوسط أعمارهم 20 عاماً تقريباً، وهم لا يذكرون اجتياح الضفة، عام 2002، مضيفة أن "حاجز الخوف كُسِر".
ولفتت صحيفة يديعوت إلى أن هذا الجيل الجديد من المسلحين الفلسطينيين، يتلقى تمجيداً كبيراً عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فيما تضيف صحيفة هآرتس أن النابلسي ليس له انتماء تنظيمي، لكن شعبيته تشير إلى نوع جديد من الأبطال المحليين الذين ظهروا في الآونة الأخيرة.