من جزيرة عريقة عمرها آلاف السنين تطل على كورنيش النيل لساحة مواجهات دامية بين الشرطة والمواطنين، الذين رفضوا مغادرة منازلهم وأراضيهم وتسليمها للحكومة، لاستغلالها في مجمع عمراني جديد.
كانت جزيرة الوراق أكبر جزر مصر -البالغ عددها 255 جزيرة- محمية طبيعية من قبل أن تكون مأهولة بالسكان، تصل مساحتها 1600 فدان تقريباً، ويسكنها حوالي 90 ألف مواطن.
بداية الأزمة مع الحكومة
بدأت أزمة جزيرة الوراق سنة 2000 بين السكان والحكومة، هذه الأخيرة التي أعلنت أنها تسعى لإنشاء مجتمع عمراني جديد على أرض الجزيرة تابع لـ"هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة"، حسب الإعلان الرسمي.
سنة 2010 كلف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وزارة الإسكان، بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية، على أن تكون البداية بجزيرة الوراق، بهدف تحويلها إلى مركز للمال والأعمال.
بعدها صدر تقرير رسمي لمجلس الوزراء المصري، يقول فيه إن "جزيرة الوراق أرض زراعية جرى التعدي عليها من 15 سنة من طرف المواطنين، وحوّلوها إلى منطقة سكنية عشوائية، تتستر على مشاكل عدة".
حينها، قالت الحكومة إنه سيتم تعويض سكان الجزيرة إما مادياً، يعني مقابل الأراضي والمنازل التي ستؤخذ منهم، أو يحصلوا على قطع أرضية ومنازل بديلة بما نُزع منهم من الجزيرة.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، أصدر رئيس الوزراء المصري قراراً لنزع ملكية الأراضي الكائنة في نطاق 100 متر على جانبي محور روض الفرج بمنطقة جزيرة الوراق، والأراضي الكائنة في نطاق 30 متراً بمحيط الجزيرة، لاستغلالها في أعمال المنفعة العامة.
بعدها بعام تقريباً، وبالضبط في 8 أغسطس/آب 2021، أعلنت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية ضم حوالي 71% من أراضي الجزيرة في ملكية هيئة المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان، وذلك باسترجاعها أراضي تابعة للأوقاف.
واستعرض عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية خلال اجتماع ترأسه رئيس الوزراء تفاصيل الأراضي التي تم استرجاعها، وقال إن مساحتها تبلغ 888.65 فدان من إجمالي المساحة العامة لجزيرة الوراق.
وأضاف الوزير أنه تم استرجاع 2458 منزلاً، وكل الأراضي التابعة لهيئة الأوقاف بالكامل، ما عدا مساحة 23.5 قيراط، و32.5 فدان من الأراضي المحسوبة أملاك الدولة، والبالغة مساحتها 68 فداناً، من أصل 103.5 فدان في الجزيرة.
بداية التنفيذ
بدأت الحكومة المصرية إخلاء الجزيرة، وأجّلت العملية أكثر من مرة، بعد تكرار المواجهات بين قوات الشرطة والمدنيين، ففي 2018 سقط قتيل وعشرات الجرحى، وانتهت القضية بإصدار أحكام سجنية ثقيلة ضد السكان المعرقلين لعملية الإزالة.
لكن في نهاية يوليو/تموز الماضي، قامت السلطات الأمنية بهدم كل من مستشفى جزيرة الوراق، ومركز الشباب الوحيد الموجود في المنطقة، إيذاناً ببدء عملية إخلاء جديدة لاستغلال الأرض في المشروع الجديد.
مقابل عمليات الإخلاء هذه يواجه سكان جزيرة الوراق السلطات في كل مرة تبدأ فيها تنفيذ الهدم، آخرها اعتقال 14 شخصاً، أمس الثلاثاء 16 أغسطس/آب، من أهالي الوراق المعترضين على نزع ملكية منازلهم، والذين قاوموا عمليات رفع مقاسات المنازل.
واليوم 17 أغسطس/آب 2022 استعملت السلطات الغاز المسيل للدموع في منطقة "سكة أولاد عبناسة" في الجزيرة لتفريق الاشتباكات التي منعت وصول مستلزمات مشروع الأبراج نُقلت للجزيرة بمعديات تابعة للحكومة.
وقبل 5 سنوات، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكماً بالسجن المؤبد لمتهم، والسجن المشدد لـ34 آخرين من سكان الجزيرة، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"أحداث شغب جزيرة الوراق".
واتهمت محكمة جنايات القاهرة سكان جزيرة الوراق المحكومين في القضية نفسها بـ"منع موظفين عموميين من ممارسة أعمالهم التي يفرضها عليهم الواجب، والبلطجة، واستعراض القوة، وقطع الطرقات".
أما بخصوص الشق المادي، فقد كشفت الحكومة المصرية أنها رصدت 7 مليارات جنيه (365 مليون دولار تقريباً)، لتعويض نحو 200 ألف مواطن يعيشون على أراضي جزيرة الوراق، بواقع 6.5 مليار جنيه لتعويض ملاك الأراضي الزراعية المملوكة والمستأجرة.
ورصدت حوالي 141 مليون جنيه لتعويض ملاك الوحدات السكنية القائمة، و353 مليون جنيه لتعويض ملاك المباني السكنية عن قيمة الأرض من دون البناء.
كشف رئيس جهاز تنمية جزيرة الوراق الجديدة خلال اجتماع مع رئيس الوزراء المصري عن تفاصيل التعويضات المخصصة لأهالي جزيرة الوراق مقابل المنازل والأراضي.
وقال إن هناك تعويضات عينية ستشمل تسليم 56 وحدة سكنية بمدينتي العبور وحدائق أكتوبر، ضمن المرحلة الأولى من التعويضات، والتي تتضمن 75 وحدة سيستفيد منها أهالي الجزيرة.
وفيما يتعلق بتعويضات المرحلة الثانية، البالغة 112 وحدة، قال إنها ستكون في مدينة حدائق أكتوبر، وجارٍ تسليم 25 وحدة منها، وسداد جانب من الالتزامات المالية المتعلقة بباقي الوحدات.
أما في المرحلة الثالثة والأخيرة، فسيتم تسليم 80 وحدة سكنية لأهالي جزيرة الوراق، فإنه جارٍ اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسليم الوحدات المخصصة للمستحقين.
وسبق أن أعلن سكان الجزيرة في تصريحات لوسائل إعلام مصرية، أن هذه التعويضات حينما تُقسم بينهم ستُصبح هزيلة جداً، مقارنة مع القيمة الحقيقية لكل قطعة أرض في الجزيرة، بالإضافة إلى مداخيل المشاريع المنتظر إقامتها.
تفاصيل المشروع الجديد
من المنتظر أن يُقام مشروع جديد أطلقت عليه الحكومة المصرية "مشروع تطوير جزيرة الوراق"، وسيتضمن 22 منطقة، بينها 6 مناطق استثمارية، ومنطقتان بهما أبراج ومراكز تجارية (مولات).
يضم المشروع الجديد منطقة سكنية ممتازة، وحديقة مركزية فاخرة، ومناطق خضراء، وساحل وقوف يخوت (مارينا)، والكورنيش، بالإضافة إلى مرافق عمومية كالطريق والمسارات.
مشروع تطوير جزيرة الوراق، حسب وسائل إعلام مصرية يضمن إنشاء 94 برجاً سكنياً بإجمالي 4012 وحدة سكنية، أشرف على إنجاز مخططه مكتب (آر إس بيه) للهندسة العقارية في الإمارات.
وبدأت الحكومة المصرية في تنفيذ جزء من مشروع تطوير جزيرة الوراق، وذلك بتشييد حوال 40 برجاً تتوفر على 1744 وحدة سكنية، بالإضافة إلى خدمات ومرافق أخرى، كالتطبيب والمدارس ومراكز الشباب.
ومن المتوقع أن ينتهي مشروع تطوير جزيرة الوراق بعد عامين، وسيتم تسليمه مباشرة بعد انتهاء هذه المدة.
ومازال سكان جزيرة الوراق في مصر يتمسكون بملكيتهم للأراضي والمنازل المبنية على أرض الجزيرة، وقالوا إنهم يتوفرون على شهادات ملكية خاصة بهم، على عكس ما تقوله الحكومة بأنها أرض أوقاف.