الزواج هو الأساس والمثلية مرفوضة ولا مساواة في الإرث.. هذه القوانين التي لن يُعدلها قانون الأسرة الجديد في المغرب

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/02 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/02 الساعة 18:02 بتوقيت غرينتش
ملك لمغرب محمد السادس (Getty images)

يعود المغرب من جديد ليفتح النقاش المؤسساتي الفعلي بشأن بعض مضامين مدونة الأسرة (قانون الأسرة)، بعدما دعا إلى ذلك العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة الذكرى الـ23 لجلوسه على العرش يوم 30 يوليو/تموز الماضي، بغرض "تجاوز السلبيات التي أبانت عنها التجربة ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها". 

وشدد العاهل المغربي، بصفته أميراً للمؤمنين، على أنه في سياق التعديلات المرتقبة على قانون الأسرة، "لن يحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله، لا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية".

وكان وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أشار خلال جلسة مساءلة بمجلس النواب شهر يونيو/حزيران الماضي، إلى أن قانون الأسرة لا يمكن تعديله إلا في إطار المسار الذي عرفه صدوره؛ أي التوافق بين الجهات الدينية والتشريعية والمدنية والسياسية تحت إشراف الملك. 

ومضى أكثر من 18 سنة على إقرار مدونة الأسرة في المملكة، إذ رافقت خروجها إلى الوجود خلافات حادة بين التيار الإسلامي والقوى الحداثية؛ فالأخيرة ساندت خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، فيما عارضها الإسلاميون بشدة، إلى أن عيّن الملك محمد السادس اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأسرة سنة 2001، وألقى خطاباً في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2003 أمام البرلمان عرض فيه الخطوط الكبرى لمشروع المدونة. https://cutt.us/qRjA7

الثغرات في قانون الأسرة

الكثير من الثغرات التي تضمنتها مدونة الأسرة الحالية، أثارت جدلاً واسعاً في الآونة الأخيرة، إذ تواصل الشد والجذب بين المحافظين والحداثيين حول كثير من المسائل التي يرتقب الحسم فيها في المستقبل.

ترى الباحثة الأصولية المقاصدية المتخصصة في الشأن الأسري، جميلة تلوت، أن "النهج الذي يقوم عليه الإصلاح الملكي لمدونة الأسرة يقوم على الجمع بين الأصيل والمعاصر، إذ إن الخطاب الملكي بتأكيده لهذه القاعدة؛ فإنه يوجه الباحثين  للنظر والبحث والنقد في الاتجاه الصحيح دون بذل الجهد فيما قد ورد النص القطعي بخصوصه، وهو محدود".

وتُحصَر هذه الأمور القطعية، "في اعتبار الزواج هو المدخل الشرعي للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، وفي هذا تجريم للعلاقات خارج إطار الزواج، إضافة إلى اعتبار العلاقة الزوجية قائمة على اختلاف الجنس، وفي هذا عدم اعتراف بالزواج المثلي، إضافة إلى قضايا أخرى متعلقة بالإرث الذي لم يطبق فيها قانون المساواة وغيرها"، تردف تلوت في تصريحها لـ"عربي بوست".

وشددت الباحثة الأصولية المقاصدية، على أنه "يبقى مجال القطعي محدوداً ومحصوراً إذا نظرنا لحجم مؤسسة الأسرة وقضاياها وإشكالاتها في العصر الحديث، ومن ثم، فالتوجيه الملكي مهم جداً في هذا الصدد كي يوجه أنظارنا وأنظار الباحثين في الشأن الأسري نحو الإشكالات الحقيقية التي تحول دون النهوض الحقيقي للأسرة".

مدونة الأسرة ليست للمرأة فقط

يتضح في هذا الإطار، أن "الخطاب الملكي ارتأى تغليب صوت الحكمة والعقل والمنطق؛ صوت غلب من جهة الاجتهاد في دائرة الفقه كي لا يقع الجمود على مقررات تاريخية باسم الدين، وليحفز الفقهاء لينظروا لمقاصد الدين عموماً ومقاصد الأسرة خصوصاً ويعملوا على تحكيمها وتقديم اجتهادات مناسبة لها"، تسجل صاحبة كتاب "الأسرة في التصور القرآني".

وتابعت جميلة تلوت، أنه من جهة ثانية غلب العاهل المغربي في ذات الخطاب، "منهج الجمع بدل التجزيء في المنظور الحقوقي بالتركيز أن مدونة الأسرة لا تقتصر على المرأة فقط وإنما هي مدونة جامعة تتطلب نظراً جامعاً مناسباً لمركزية الأسرة في الاجتماع الإنساني؛ بشكل يراعي حقوق وواجبات كل طرف دون تغليب طرف على الآخر، فالمرأة مكون مركزي طبعاً، لا ينبغي ظلمه أو غمط حقه، ونفس الشيء بالنسبة للزوج والأطفال، فينبغي مراعاة حقوق الجميع وواجباتهم".

من جهته، يعتقد عضو نادي قضاة المغرب، أنس سعدون، أن "الاجتهاد المستنير الذي كان وراء إصدار مدونة الأسرة سنة 2004 قادر على تحقيق مكتسبات أخرى وفق نفس المنهجية القائمة على التشاور والإنصات والتنوع والتوفيق بين مقاصد الإسلام السمحة ومبادئ الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا".

لهذا يملك المغرب "تجربة رائدة في مجال إقرار قانون الأسرة، ولا أدل على ذلك التشكيلة التي تكونت منها اللجنة العلمية التي كُلفت بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، وهي لجنة لم تقتصر تركيبتها على العلماء فقط، وإنما ضمت قضاة وأطباء وعلماء اجتماع وخبراء، إيماناً بأن قانون الأسرة يمس المجتمع بكل أطيافه، لذا عليه أن يراعي عنصر التنوع"، يضيف سعدون.

قوانين تحتاج لتعديل

قبل مباشرة هذه التعديلات، عبرت الجمعيات المشتغلة في المجال، عن استعدادها للمساهمة الفاعلة في النقاش والاستشارات المنتظرة مستقبلاً في الموضوع، على غرار جمعية التحدي للمساواة والمواطنة (غير حكومية).

في اتصالها بـ"موقع عربي بوست"، تأمل رئيسة الجمعية بشرى عبدو، أن "تغتنم التيارات المحافظة هذه الفرصة من أجل تعديل حقيقي لقانون الأسرة، باعتبار الكل يدق ناقوس الخطر اليوم بشأن عدة مشاكل عالقة تؤرق النساء المغربيات".

وتطالب عبدو، بـ"تكثيف الجهود في ملفات آنية وذات أولوية؛ خاصة زواج القاصرات، وإثبات النسب، وتقسيم الممتلكات، إضافة إلى النيابة الشرعية على الأطفال، ومستحقات النفقة، ثم مشكل الطلاق".

في الحديث عن زواج القاصرات، دعت الفاعلة الحقوقية، إلى "حذف نهائي للمواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة، وإقرار الزواج في سن 18 سنة كاملة حسب اتفاقيات حقوق الطفل".

وترى رئيسة جمعية التحدي، أن "تكون الخبرة الطبية هي المعيار الوحيد لإثبات النسب، وإعطاء اسم الأب للطفل أو الطفلة".

أما "على مستوى تقسيم الممتلكات؛ فتتضمن مدونة الأسرة الحالية مادة حول ذلك، لكن ليس هناك قانون موازٍ له يجبر الزوج والزوجة على عقد موازٍ من أجل تسجيل ممتلكاتهما المتراكمة بعد الزواج"، يضيف المصدر نفسه.

ونبهت عبدو إلى "مشكل حقيقي داخل مجتمعنا يتعلق بالنيابة الشرعية على الأبناء"، مطالبة "بأن تكون النيابة الشرعية مشتركة حسب الأولويات، بإعطاء المرأة نفس الحق الموجود لدى الرجل، إلى جانب السلطة التقديرية للقاضي لكي يرجح لمن ستؤول الأمور فيما يخص الأطفال بمراعاة المصلحة الأولى والأخيرة لهؤلاء".

وخلصت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، إلى أن "الإرث اليوم ليس من الأولويات، بحيث لا يمثل مشكلاً حقيقياً وآنياً، اللهم إذا استثنينا مشكل التعصيب في بعض الحالات".

مشاورات قبل التعديل

اليوم، يتطلب أمر تجاوز الاختلالات التي عرفتها مدونة الأسرة، "تشخيص الوضع من خلال توسيع نطاق المشاورات التي ستهم نطاق تعديل مواد مدونة الأسرة بالاستماع إلى الفاعلين في المجال؛ سواء تعلق الأمر بالقضاة أو المحامين والعدول، أو المساعدين الاجتماعيين وباقي مكونات العدالة"، يقول الدكتور في قانون الأسرة المغربي والمقارن، عضو نادي قضاة المغرب (غير حكومي)، أنس سعدون.

في حديثه لـ"عربي بوست"، دعا سعدون أيضاً إلى "الإنصات لمكونات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات النسائية التي كانت شريكة في ورش إصلاح مدونة الأسرة منذ عهد مدونة الأحوال الشخصية، وكانت شريكة أيضاً في تنزيل المدونة من خلال حملات التحسيس، ومراكز الاستماع والمرافقة والتقارير التي ترصد التطبيق، دون إغفال دور المؤسسات الدستورية وكل الفاعلين والمهتمين بكافة أطيافهم".

وأبرز عضو نادي قضاة المغرب أن "مدونة الأسرة شكلت بدون شك حين صدورها سنة 2004 ثورة هادئة، نظراً لما تضمنته من مكتسبات غير مسبوقة لصالح كل أفراد الاسرة، وبالأخص النساء والأطفال، لكن مع مرور الوقت ظهرت على مستوى الممارسة عدة ثغرات في المدونة، سواء تعلق الأمر بتفسير بعض المواد، أو التحايل على مواد أخرى، وسواء تعلق الأمر بمقتضيات قانونية موضوعية أو مقتضيات تتعلق بالإجراءات".

تحميل المزيد