رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي سعر الفائدة القياسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية، الأربعاء 27 يوليو/تموز 2022؛ في مسعى لتهدئة أعلى معدل للتضخم منذ عقد الثمانينيات، وظهور أدلة على تباطؤ الاقتصاد، في خطوة تترك أثراً مباشراً على الاقتصاد العالمي والعربي خصوصاً.
حيث قالت لجنة السوق المفتوحة الاتحادية صانعة السياسة النقدية بالبنك المركزي الأمريكي، في بيان: "التضخم لايزال مرتفعاً، بما يعكس اختلالات العرض والطلب المرتبطة بالجائحة وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضغوط الأسعار الأوسع".
بعد القرار الأمريكي بساعات قليلة، قال البنك المركزي السعودي إنه زاد نسبة الفائدة الرئيسية بمقدار 75 نقطة أساس، كما أعلن بنك الكويت المركزي أنه قرر رفع سعر الخصم بواقع ربع نقطة مئوية إلى 2.50% ابتداءً من الخميس.
المصارف المركزية أيضاً في قطر والبحرين والإمارات رفعت سعر الأساس بواقع 75 نقطة أساس.
هذه هي المرة الرابعة التي يرفع فيها "المركزي الأمريكي" سعر الفائدة، بعد مارس/آذار ومايو/أيار ويونيو/حزيران 2022، وهو ما يعني أن البنك المركزي الأمريكي رفع سعر الفائدة إلى أعلى معدل منذ عام 1981.
ما تأثير سعر الفائدة على اقتصاد الدول؟
سعر الفائدة هو إحدى الأدوات الرئيسة التي تستخدمها البنوك المركزية في ضبط الأداء الاقتصادي بالبلاد، من خلال التدخل عند الحاجة. ففي حالة ازدياد النشاط الاقتصادي وحدوث تضخم، يقوم البنك المركزي برفع سعر الفائدة؛ لامتصاص السيولة النقدية من الأسواق، ومن ثم كبح سرعة النشاط الاقتصادي حتى تتباطأ، أي محاربة التضخم.
تُعرف هذه السياسة بالتشديد الكمِّي، وهي عكس سياسة التيسير الكمي الذي لجأت إليه البنوك المركزية خلال فترة تفشي وباء كورونا والركود الكبير، أي تخفيض سعر الفائدة للتشجيع على الاقتراض وزيادة السيولة المالية في الأسواق، لترتفع وتيرة الإنتاج ومعها القدرة الشرائية للأفراد، فتتسارع وتيرة النشاط الاقتصادي.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الاقتصاد الأكبر، والدولار هو أكثر العملات تداولاً حول العالم، لا يقتصر تأثير رفع سعر الفائدة الأمريكي على الاقتصاد المحلي والمواطنين الأمريكيين فحسب، بل يمتد تأثيره إلى جميع دول العالم، وبالتالي على حركة الاقتصاد العالمي ككل.
من المتوقع أن يؤثر رفع سعر الفائدة الأمريكي بصورة سلبية للغاية على أغلب اقتصادات الدول العربية، باستثناء الدول الخليجية التي سارعت هي الأخرى برفع أسعار الفائدة، لكن أسعار النفط والغاز المرتفعة تمثل عامل دعم أساسياً لاقتصاداتها.
أما مصر، على سبيل المثال، فيعتمد اقتصادها خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير جداً على الديون، وبالتالي فإن أسعار الفائدة لابد أن تظل مرتفعة؛ لجذب الاستثمارات والمقرضين من الخارج، وللحفاظ على قيمة العملة وتوفير تمويل لعجز الميزان التجاري (الصادرات-الواردات)، وعجز الميزانية الحكومية أيضاً.
لكن رفع "الفيدرالي الأمريكي" سعر الفائدة يمثل أزمة كبيرة للاقتصاد المصري، لماذا؟ لأن جاذبية أسعار الفائدة تأتي من مقارنتها بسعر الفائدة في مكان آخر، وتحديداً بمقارنة أسعار الفائدة في الاقتصادات الرئيسة؛ لكون الاستثمار فيها أقل خطراً من الاستثمار في بلد مثل مصر.
وذلك يعني أنَّ رفع سعر فائدة "الفيدرالي الأمريكي" سيعني ضرورة رفع سعر الفائدة في مصر؛ للإبقاء على جاذبية اقتصادها للخارج، خصوصاً أن مصر تمر منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا بحالة من انسحاب رؤوس الأموال من السوق؛ خوفاً من تبعات الحرب على مصر، والتي أجبرت البلاد على تخفيض قيمة العملة، ورفع سعر الفائدة لـ4 أضعاف الزيادة في سعر فائدة "الفيدرالي الأمريكي"، وطلب قرض من صندوق النقد.
ولكون مصر تستدين من الداخل والخارج؛ فرفع سعر فائدة البنك المركزي المصري يعني أن تكلفة الديون المصرية الداخلية سترتفع؛ لأن المقرضين المحليين سيرفعون فائدتهم على الحكومة أيضاً، كما أن مصر إذا مرت بحالة من الركود فلن تستطيع تحفيز الاقتصاد عن طريق تسهيل تمويل الشركات؛ لأنها ستضطر إلى المحافظة على سعر فائدة مرتفع، لا تتمكن غالبية الشركات المصرية من تحمُّل تكلفة الاقتراض عليه.
ويشبه التأثير السلبي على مصر الأثر على دول أخرى في العالم، فبينما تحتاج الدول التي تثبت عملتها أن ترفع سعر الفائدة بالنسبة نفسها، على دول أخرى أن تدرس حالتها الاقتصادية، ومتابعة أسعار الفائدة في الأسواق العالمية، خصوصاً إذا كانت محتاجة للاقتراض من الخارج في المستقبل، وما دامت أسعار الفائدة في ارتفاع.
الخلاصة هنا هي أنَّ رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة ساهم في تعزيز الطلب على الدولار؛ ما أدى إلى ارتفاع قيمة العملة بنسبة 10% منذ بداية العام، ووضع ذلك دولاً أخرى، خصوصاً الأسواق الناشئة التي لديها ديون كبيرة بالدولار، تحت ضغط هائل.