أثار رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ووزراء حكومته في خطابات متكررة مؤخراً قضية اللاجئين السوريين، عبر تلويحهم بإخراجهم من لبنان "بالطرق القانونية"، للمرة الأولى، وهذا الخطاب أثار استغراب وانزعاج السفراء العرب والأجانب، وتحديداً في مؤتمر إطلاق خطة لبنان للاستجابة للأزمة للعام 2022-2023.
بالمقابل فإن جهوداً لبنانية لإقناع المبعوثين الغربيين بخطة أعدتها الحكومة، بهدف إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم باءت بالفشل، إذ استضاف وزير المهجرين عصام شرف الدين، المحسوب على النظام السوري وحزب الله، مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، حيث خرج المشاركون بموقف موحد، واعتبرت خطة بلا مفاعيل إجرائية، وساقطة سلفاً، لمجرد صدورها عن وزير في حكومة تصريف أعمال، غير قادرة على الالتئام لأخذ قرار موحد بهذا الموضوع، بالإضافة إلى أن لا إجماع داخلياً ولا خارجياً يحظى به هذا الموضوع في الوقت الحالي.
فيما يستعد وزير المهجرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين للقيام بزيارة لدمشق ولقاء مسؤولين في النظام السوري، لبحث المسألة وخطة الدولة اللبنانية. كما يسعى للتواصل الجدي والتعاون مع الدول المعنية المضيفة، ومنها تركيا والأردن، بالمقابل تعبر منظمات حقوقية عن قلقها المستمر من انتهاكات قد يتعرض لها اللاجئ السوري لدى عودته إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام السوري، لكن لماذا قرر لبنان إعادة السوريين الآن؟!
إعادة اللاجئين السوريين.. خلفيات القرار اللبناني
رغم الكلام العلمي الذي يسعى بعض المسؤولين اللبنانيين لإضفائه على خلفيات القرار، فإن موقفاً مضاداً يحول دون حدوث إجماع سياسي على قرار الترحيل، لذا يشير مصدر حكومي مطلع لـ"عربي بوست"، إلى أن موقف لبنان الرسمي مؤخراً تجاه ملف النزوح السوري يبدو قراراً لا إجماع عليه وحتى ضمن الحكومة.
ويشير المصدر أن جزءاً أساسياً من الحكومة غير موافق على هذه الإجراءات والمواقف التي تعزز قوة نظام سياسي قتل شعبه وهجّر ملايين منه، وبحسب المصدر فإن هذا الموقف مرتبط بمسارين، الأول محاولة أطراف مسيحية شد العصب المسيحي قبل أشهر على انتخابات رئاسة الجمهورية، وهذا الملف كملف اللاجئين الفلسطينيين، يحظى باهتمام شعبي مسيحي خوفاً من التوطين.
بالمقابل فإن المصدر يشدد على أن حرص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبعض وزرائه على ملف إعادة اللاجئين مرتبط أكثر بالضغط على الدول المانحة لزيادة المساعدات المالية، وتمريره عبر الحكومة والوزارات المعنية، بدلاً من منظمات المجتمع المدني والجمعيات غير الحكومية، بالإضافة إلى أن السبب الرئيسي متعلق بمحاولة الحصول على تسهيلات في برامج صندوق النقد الدولي، وعدم تشديد الشروط على لبنان.
ابتزاز مالي ومخالفة للقوانين
في إطار متصل يعتبر نشطاء حقوقيون أن الحكومة اللبنانية تعيد طرح ملف عودة اللاجئين السوريين وترحيلهم كورقة ضغط في وجه المجتمع الدولي، للحصول على دعم مالي للأزمة اللبنانية الخانقة، من دون أي تفكير بتداعيات عودتهم، والخطورة التي قد يواجهونها مع النظام السوري.
لذا يؤكد المحامي محمد صبلوح، المتابع لقضايا حقوقية متعلقة باللاجئين، أن هذه الإجراءات في حال حصلت تعني انتهاكاً صارخاً لاتفاقية مناهضة العنف الدولية، فترحيل أي شخص إلى مكان يمكن أن يتعرض فيه للخطر أو التعذيب مخالفة قانونية وإنسانية.
لبنان ملتزم باتفاقات تمنع إعادة اللاجئين
ويعتبر صبلوح أن هذا القرار صدم السفراء والمبعوثين الدوليين، لأن الحكومة اللبنانية ملتزمة باتفاقيات دولية مع المجتمع، وتهرب صارخ من أي اتفاق، وخاصة ملفات الترحيل المدرجة مع اتفاقية مناهضة العنف، والتي تؤكد عدم تسليم أي شخص يمكن أن يتعرض للتعذيب إلى نظام بلاده.
ويرى الحقوقي اللبناني أن الموضوع أكبر من أن يكون مجرد ترحيل سياسي بين النظام السوري ولبنان، ويعتبر نوعاً من الابتزاز بحجة الترحيل إلى أماكن آمنة غير موجودة حتى اللحظة، وذلك بهدف الحصول على أموال وتخفيف شروط صندوق النقد الدولي، الذي ينتظر لبنان الدخول إلى برامجه.
بالتوازي يعتقد الأستاذ الجامعي والخبير في ملف اللاجئين، زياد الصائغ، أن ما هو مطروح اليوم موقفٌ غير دبلوماسي، وغير مرتبط بأيّة خطوات متلاحقة ومتماسكة ومتكاملة لتأمين عودة اللاجئين، ويعتبر الصائغ أن توقيت إثارة الموضوع من قبل الحكومة مستغرب، إذ لم نر أية خطوة من قبلها في ملف اللاجئين منذ بداية عهدها، ولم تعقد جلسة خاصة لمجلس الوزراء لمناقشة السياسات العامة حيال اللاجئين، إلا أنها اختارت توقيتاً فيه الكثير من الاستحقاقات، أبرزها انتخاب رئيس للجمهورية، في ظل محاولة لرمي أسباب الأزمة اللبنانية على عاتق اللاجئين السوريين، وكأنها جزء من "بروباغندا" لعدم تحمّل الدولة مسؤولياتها.
ويرى صبلوح أن رفض المجتمع الدولي لكل اقتراحات وخطط لبنان بشأن عودة السوريين إلى لبنان لن يوقف الحملات والمطالب التي أصبحت أقرب لعملية ضغط وابتزاز، رغم كل ما تضمره من أهداف سياسية، تعكس رغبة لبنان الرسمية بالانفتاح على النظام السوري، وتكريس شرعيته، عبر الزعم بأن سوريا مع بقاء بشار الأسد على رأسها عادت بلداً آمناً لأهلها الذين هجروا قسراً منها.
فيما يعود المحامي صبلوح للقول إن مجلس الدفاع الأعلى أصدر قراراً بأن أي نازح سوري دخل لبنان، بعد أبريل/نيسان 2019، سيتم ترحيله، لأنه يعتبر غير لاجئ. لكن هذا القرار هو مخالفة للقوانين اللبنانية والاتفاقات الدولية. ويشير صبلوح إلى أن جهاز الأمن العام سارع إلى تنفيذ القرار. وهناك خشية حقيقية في موضوع الترحيل بعد قرار رئيس الحكومة، وفي حال جرى الترحيل يشير صبلوح إلى أن الحكومة الحالية تتحمل مسؤولية حياة المرحلين، بحجة الأزمة الاقتصادية ومحاولات للضغط من أجل الحصول على مال. وبالتالي المنظمات الحقوقية لن تقف مكتوفة الأيدي، وفي حال تطبيق الترحيل الجماعي سيصار إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة لمعاقبة أي مسؤول متورط بهذا الإجراء.
الخطة وإمكانية تحقيقها.. الخوف من التغير الديمغرافي؟
بالتوازي، يؤكد وزير المهجرين عصام شرف الدين لـ"عربي بوست"، أن لبنان لم يعد بإمكانه تحمّل أعباء مليون ونصف المليون نازح سوري منذ العام 2011، والخطة وفقاً لشرف الدين تسعى لإعادة 15 ألف لاجئ سوري شهرياً، وهو عددٌ قابل للتعديل، بحسب القدرة الاستيعابية لدى النظام السوري، وهو ما سيجري بحثه خلال الزيارة مع ضمان تأمين الظروف الملائمة لعودتهم ومستلزمات العيش والصحة والطبابة والدراسة والسكن والأمن.
وحول القلق الدولي المتزايد من تعرضهم للسجن أو التعذيب أو الاعتقال، يؤكد الوزير اللبناني أن الخطة ستحمي العائدين من الملاحقات الأمنية، وبالتالي يشملها قانون العفو العام، الذي كانت سوريا قد أقرّته منذ سنوات، وكان يعدّ من الأسباب التي تعرقل تنفيذ الخطة سابقاً، فضلاً عن أنها تضمن بتفاصيلها العودة الآمنة والكريمة، وهذا الملف سيجري التنسيق به مع الدول الأساسية المشاركة في وضع السياسات المتعلقة باللاجئين.
وحول وجود معارضين سوريين في لبنان يشير شرف الدين إلى أن أمام المعارضين السوريين المتواجدين في لبنان خيارين: الأول أن يتقدموا بتعهد إلى الدولة السورية بألّا يمارسوا أي عمل سلبي في سوريا، أو أن تتحمّل مفوضية اللاجئين مسؤوليتها في ترحيل هؤلاء إلى دولة ثالثة، وبحسب شرف الدين فإن لبنان استطاع في العام الحالي والمنصرم الحصول على تأشيرات هجرة لتسعة آلاف نازح، خمسة آلاف غادروا لبنان والأربعة آلاف الآخرون سيهاجرون خلال الأشهر القادمة إلى دول عديدة منها أوروبية، بالمقابل يعتبر شرف الدين أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رفضت طرحنا، بأن يتلقى النازحون المساعدات المادية والعينية.
وزير الخارجية: حل سريع وآمن
بالمقابل يعتبر وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عبد الله بو حبيب، أن خوف لبنان يتزايد بعدما تبين له أنه ليس للمجتمع الدولي، أو الدول المانحة، خارطة طريق أو خطة متكاملة لعودة النازحين إلى ديارهم والاستمرار في ربط العودة بالحل السياسي، في ظل عدم التركيز على سبل توفير حل سريع وعادل للأزمة السورية.
ويشير بو حبيب إلى أنه وبالإضافة إلى انسداد الأفق السياسي والدستوري، أدت الحرب الأوكرانية التي اندلعت شرارتها في نهاية شهر فبراير/شباط إلى تغيير أولويات المجتمع الدولي واهتماماته، بعيداً عن كل ما يحصل في منطقتنا. وكل ذلك يعني أن النازحين باقون في لبنان بمساعدة مادية من المجتمع الدولي، ومن دون وجود بصيص نور لعودتهم، فيما يشهد لبنان بالمقابل ارتفاع أعداد المهاجرين اللبنانيين، وبينهم شريحة وازنة من فئة الشباب، الأمر الذي يُهدّد بتغيير الواقع الديموغرافي في لبنان في السنوات المقبلة.
ويشير بو حبيب إلى أنه لم تعد الوسائل الكلاسيكية المتبعة منذ العام 2011 كافية لا لإعادة السوريين إلى ديارهم، ولا إلى حماية اللبنانيين في أرضهم. لا بد من صياغة مقاربة مختلفة في المدى القريب، قوامها إعادة النظر في كل المقاربات السياسية والقانونية والاقتصادية والمالية، حتى ينال كل صاحب حق حقه، وأول الحقوق عودة السوريين السريعة إلى ديارهم، في ظروف آمنة وكريمة.