يتخلَّف الاتحاد الأوروبي عن الوفاء بوعوده البارزة بتقديم حزمة مساعدات كبيرة لأوكرانيا في نفس الوقت الذي يواجه فيه التكتُّل الأوروبي احتمال تكبُّد ألم اقتصادي شديد في الداخل، بحسب ما ذكرته وكالة Bloomberg الأمريكية.
اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قبل شهرين تقريباً إرسال قروض طارئة بقيمة 9 مليارات يورو لأوكرانيا. ولم يتمكَّن التكتُّل حتى الآن إلا من الاتفاق على شريحة أولية تغطي تُسع هذا الهدف.
تحديات جديدة طرأت على الاتحاد
ومع اقتراب فترة الصيف الخاملة تقليدياً في بروكسل، سيواجه الاتحاد الأوروبي تحديات جديدة فيما يُخيِّم شبح حدوث قطع تام للغاز الروسي وتشديد السياسة النقدية التي تهدد بدفع المنطقة نحو الركود الثاني خلال عامين.
في المقابل، فإن أوكرانيا بحاجة مُلحَّة لهذا الدعم، فالبلد الذي مزَّقته الحرب يواجه فجوة في الموازنة تبلغ 5 مليارات دولار شهرياً من أجل تغطية النفقات والتكاليف الطارئة الأخرى، فيما يحاول التصدي للهجمات الروسية. ويظل البنك المركزي الأوكراني أكبر مصدر تمويل لموازنة الحكومة، وهو يدق ناقوس الخطر بصورة متنامية بشأن حدود قدرته على تقديم النقد من خلال الديون السيادية.
قال وزير المالية الأوكراني سيرهي مارتشينكو في بيان: "نأمل أن نقنع كل شركائنا بأنَّ أوكرانيا حقاً بحاجة إلى تلك التمويلات، وسنحصل على مساعدة مالية كبيرة بحلول نهاية العام".
التزمت المفوضية الأوروبية أيضاً في مايو/أيار الماضي بتمويل الجزء الأكبر من عملية إعادة إعمار البلاد، التي قد تصل بحسب تقديرات حكومية أوكرانية إلى 750 مليار دولار. وقد يصبح ذلك نقاشاً أكثر صعوبة بالنسبة للاتحاد الأوروبي في ظل عدم الاتفاق حول كيفية جمع الأموال. ووفقاً لأشخاص مطلعين على النقاشات، أثار عرض المفوضية مخاوف بعض الدول الأعضاء، القلقة من الجهد الهائل المطلوب لإعادة إعمار البلاد ومشكلات الفساد المحتملة.
الجبهة الداخلية
وكان وزراء مالية الاتحاد الأوروبي قد ناقشوا المساعدات الأوكرانية في اجتماع عُقِدَ الثلاثاء الماضي، 12 يوليو/تموز، حذَّرت نحو ثلث الدول الأعضاء البالغ عددها 27 من أنَّه ستكون هناك حاجة لاتخاذ إجراءات جديدة لدعم الفئات الأكثر ضعفاً داخل الاتحاد والمتضررة من الأزمة المستمرة لمنع الشعور بالسخط تجاه كييف، وذلك وفقاً لأشخاص مطلعين على النقاشات.
بحسب مسؤول أوروبي، قال مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية، باولو غينتيلوني، للوزراء خلال الاجتماع المغلق إنَّ الحكومات الوطنية بحاجة لضمان أن تكون الاستجابة الاقتصادية لتبعات الحرب قوية بما يكفي لتجنُّب خطر إنهاك الأوربيين.
ونجح الوزراء يوم الثلاثاء في الاتفاق فقط على قرض بقيمة مليار يورو لأوكرانيا كشريحة أولى من حزمة المساعدات الكبرى. وجرت عرقلة الجزء الأكبر من الحزمة المالية، التي وافق عليها قادة الاتحاد مبدئياً في مايو/أيار، لأسابيع بسبب الخلافات بين المفوضية وألمانيا بشأن كيفية هيكلة التمويل.
ووفقاً لأشخاص مطلعين على وضعية النقاشات، من المستبعد حل الجمود قبل أن يدخل الاتحاد فترة العطلة الصيفية. ويلزم أن تمنح البلدان الـ27 مباركتها لشروط حزمة المساعدات.
شروط برلين
حاولت ألمانيا في البداية إقناع المفوضية بتقديم منح بدلاً من القروض لتخفيف عبء الديون الأوكرانية. ثُمَّ تفاوضت برلين مع الذراع التنفيذية للاتحاد حول شروط القروض.
طلبت المفوضية من الدول الأعضاء تقديم ضمانات للقروض. لكنَّ مسؤولاً ألمانياً قال إنَّ ألمانيا تريد تقليص حجم مسؤولياتها، وتجادل بأنَّها قدَّمت مليار يورو في شكل منح غير قابلة للاسترداد لأوكرانيا عبر صندوق النقد الدولي. وطلبت ألمانيا من الدول الأعضاء الآخرين تقديم ضمانات إضافية.
على صعيد منفصل، يظل قرض بقيمة 1.5 مليار يورو مُقدَّم من بنك الاستثمار الأوروبي لكييف معطلاً أيضاً داخل ماكينة الاتحاد، لأنَّ المفوضية تطالب بحجم ضمانات أعلى مقارنةً بالعمليات القياسية للبنك.
وقد تجعل الغيوم الاقتصادية الأوروبية النقاش أكثر صعوبة في قادم الأشهر؛ إذ حذَّر دبلوماسي أوروبي من أنَّ تكاليف عملية التحول الطاقوي، وإجراءات تخفيف صدمة ارتفاع الأسعار، واحتياجات الإنفاق العسكري، والدعم لأوكرانيا، كلها تتنافس على الموارد من الخزائن المالية الوطنية المُستنزَفة.
وقد يصبح الوضع أكثر خطورة إذا ما أغلقت روسيا صنابير تدفقات الغاز إلى أوروبا. قال غينتيلوني: "أصبح الخطر أكثر من مجرد سيناريو افتراضي نحتاج للاستعداد له".