تتوجّه الأنظار إلى الأحزاب الشيعية المنتمية للإطار التنسيقي وسط تساؤلات حول مدى قدرتها على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، في أعقاب تخلّى رجل الدين الشيعي والسياسي المثير للجدل، مقتدى الصدر، عن انتصاره الانتخابي الكبير، بقراره الذي أصدره لنواب كتلته البرلمانية (سائرون)، وعددهم 73 نائباً، بتقديم استقالاتهم الجماعية، بعد ثمانية أشهر من الجمود السياسي الذي أنتجته الانتخابات البرلمانية المبكرة.
هذه الأحزاب كانت قد دخلت فيما يشبه الخصومة السياسية مع مقتدى الصدر طوال الأشهر الماضية؛ بسبب إصرار الأخير على تشكيل "حكومة أغلبية وطنية"، على عكس المعتاد في العراق من تشكيل حكومات توافقية منذ عام 2003.
والسؤال: ما هي فرص نجاح محاولات تشكيل حكومة جديدة بدون التيار الصدري؟ وهل تمثل حلاً بالفعل للعراق؟
خلافات بين قادة الإطار التنسيقي
على الرغم من تحقيق أحزاب الإطار التنسيقي فوزاً كبيراً بالحصول على المزيد من المقاعد بعد استقالة النواب الصدريين، وبعد أن أعرب نوري المالكي عن اتخاذ خطوات سريعة لتشكيل الحكومة المقبلة وتسمية رئيس الوزراء، إلا أن بعض الخلافات بين قادة الإطار التنسيقي الشيعي بدأت في الظهور.
يقول مصدر مقرب من المالكي، لـ"عربي بوست"، "المالكي لديه رغبة قوية في اتمام عملية تشكيل الحكومة ليتم طرحها بعد عيد الأضحى، أنه يرى أن الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، في هذا التوقيت بالذات، سيكون انتصاراً للأحزاب الشيعية، ورداً قوياً على الصدر الذي أراد إقصاءهم".
لكن هناك من ذهب إلى حل آخر داخل الإطار التنسيقي الشيعي، بحسب القادة والسياسيين الشيعة الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، وهو الرغبة في حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بعد اتخاذ عدد من الخطوات اللازمة.
بشأن هذه الخطوات اللازمة، يقول قائد سياسي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست": "في الأيام الماضية كان هناك الكثير والكثير من الاجتماعات بين قادة الإطار، ولا يزال الجدل والخلاف مستمراً داخل الإطار. هناك عدد كبير من قادة الإطار بخلاف المالكي، يرغبون في عدم تشكيل حكومة جديدة، والذهاب إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، بعد تحقيق الأهداف البرلمانية التي يرغبون بها".
ويكمل المصدر السابق حديثه لـ"عربي بوست"، قائلاً: "الأهداف البرلمانية هي إجراء تعديلات على قانون الانتخابات الجديد، وتغيير الهيئة الحالية للمفوضية العليا للانتخابات".
تجدر الإشارة هنا إلى أن قانون الانتخابات العراقي الجديد، تم وضعه في العام الماضي رداً على مطالب الحركة الاحتجاجية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقسم محافظات العراق إلى دوائر متعددة بدلاً من الاعتماد على دائرة انتخابية واحدة في كل محافظة.
وكان نواب التيار الصدري في البرلمان السابق، من أهم الساعين إلى إقرار قانون الانتخابات الجديد. بحسب خبراء سياسيين عراقيين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن قانون الانتخابات الجديد هو الذى ساعد التيار الصدري في إحراز الفوز الانتخابي الكبير في الانتخابات الأخيرة.
يقول مسؤول حكومي شيعي، مقرب من رئيس الوزراء الحالي، مصطفى الكاظمي، معلقاً على أهداف الإطار التنسيقي المتمثلة في إعادة قانون الانتخابات إلى وضعه القديم، لـ"عربي بوست": "يعلم قادة الإطار التنسيقي أو بعضهم على الأقل، أن تشكيل حكومة بدون التيار الصدري، أمر شبه مستحيل، وسيتم إجهاض هذه الحكومة قبل ولادتها، لذلك فكروا في الاستفادة من حصولهم على الكتلة البرلمانية الأكبر الآن بعد انسحاب النواب الصدريين، في إعادة قانون الانتخابات إلى حاله القديم، والتدخل في تشكيل هيئة المفوضية العليا التى اتهموها بالتزوير في الانتخابات الأخيرة".
ويرى المصدر ذاته، أنه إذا حقق الإطار التنسيقي الشيعي هذين الهدفين، فسيكون قادراً على الفوز في الانتخابات المقبلة، ويقول لـ"عربي بوست": "لو استطاع الإطار التنسيقي تحقيق رغبته المشار إليها، سيحل البرلمان ويخوض الانتخابات المبكرة، وهو ضامن الفوز ليكون شريكاً للتيار الصدري إذا وافق على خوض الانتخابات، وتنتهي فكرة حكومة الأغلبية تماماً".
المالكي مُصمم على المُضي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة
في نفس الوقت، يبدو أن نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، أكبر كتلة برلمانية داخل الإطار التنسيقي الشيعي، يرفض بشكل قاطع الاقتراحات المشار إليها أعلاه من قبل حلفائه داخل الإطار التنسيقي.
يقول مصدر مقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست": "المالكي يرفض كل هذه الاقتراحات ويراها بدون جدوى، وهو مصمم على تشكيل حكومة جديدة، يتم الإعلان عنها بعد عيد الأضحى".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "المالكي يرى أنه لا ينبغي الخوف من تشكيل حكومة بدون التيار الصدري. الحكومة المقبلة سيشارك بها المكون الكردي والسني والشيعي، والشيعة ليسوا التيار الصدري فقط".
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، أشار سياسي ثالث من الإطار التنسيقي الشيعي، إلى معارضة قادة الإطار رغبة نوري المالكي بأن يصبح رئيس الوزراء المقبل، فيقول: "نعلم أن المالكي لديه رغبة كبيرة في أن يتولى رئاسة الحكومة الجديدة، لذلك هو مصمم على المُضي في تشكيل الحكومة دون النظر إلى المسائل الأخرى، نحن لا نعارض المالكي، لكن في نفس الوقت، الوضع الراهن يتطلب التفكير بشكل مختلف".
وفي نفس السياق، يقول المصدر المقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست"، إن "الأزمة ليست تولى المالكي لرئاسة الحكومة المقبلة، الأزمة في قلق البعض في الإطار من غضب الصدر، وهذا ما يعارضه المالكي، ويرى أن الشيعة قادرون على التوحد في مواجهة محاولات تفكيكهم"، في إشارة إلى رغبة مقتدى الصدر السابقة في إقصاء نوري المالكي والأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران من الحكومة المقبلة.
اقتراح تشكيل حكومة أزمة
في محاولة لحل الخلافات الحالية بين قادة الإطار التنسيقي الشيعي، وبحسب سياسيين عراقيين شيعة تحدثوا لـ"عربي بوست"، حاولت بعض الأطراف الشيعية التدخل لإيجاد حل وسط مثل حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي السابق (2014-2018)، وزعيم تيار الحكمة، رجل الدين الشيعي والسياسي عمار الحكيم.
يقول مصدر مقرب من حيدر العبادي لـ"عربي بوست": "كان لدى العبادي والحكيم مقترح بأن تكون الحكومة المقبلة حكومة أزمة مؤقتة، تعمل لمدة ستة أو ثمانية أشهر، لحين الانتهاء من بعض الأمور داخل البرلمان، ومن ثم حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة".
لكن وبحسب المصدر ذاته، فإن نوري المالكي حتى الآن، رفض هذا المقترح، وفي نفس السياق، يقول مصدر مقرب من قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وهي فصيل شيعي مسلح قوي ومقرب من إيران، وعضو في الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست": "الخزعلي يرفض تشكيل حكومة بدون التيار الصدري، فهو يرى أنها ستكون مخاطرة وتهديداً لشرعية العملية السياسية في العراق، كما أنها لن تستمر طويلاً؛ لذلك من الأفضل اختصار الطريق، وتعديل قانون الانتخابات وإجراء انتخابات مبكرة".
ماذا عن حلفاء مقتدى الصدر السنة والأكراد؟
بعد فترة وجيزة من إعلان مقتدى الصدر، تقديم نواب التيار الصدري استقالاتهم الجماعية من البرلمان، وتفكك التحالف الثلاثي باسم "إنقاذ وطن"، والذي يضم التيار الصدري، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني، ذهب قادة الإطار التنسيقي لمناقشة المسألة مع حلفاء مقتدى الصدر السنة والأكراد وإشراكهم في عملية تشكيل الحكومة المقبلة.
يقول قائد سياسي في الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست": "في البداية أعلن الأكراد والسنة أنهم على استعداد بالعمل مع الشيعة لتشكيل حكومة جديدة، ثم تعقدت الأمور قليلاً".
وبحسب المصدر ذاته، فإن مطالب الأكراد كان مبالغاً فيها، فيقول لـ"عربي بوست": "الحزب الديمقراطي الكردستاني مصمم على أن يتولى منصب رئاسة الجمهورية، كما أنهم وضعوا شروطاً للمشاركة في الحكومة المقبلة، مثل تخصيص ميزانية أكبر لهم في الموازنة الفيدرالية، وإلغاء قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن مسألة بيع الإقليم للنفط".
هنا تجدر الإشارة لأمرين، أولاً: الحزب الديمقراطي الكردستاني أكبر الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي شبه المستقل، حصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان العراقي، مقابل عدد أقل للاتحاد الوطني الكردستاني وهو الحزب الثاني الذي يتقاسم السلطة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في حكومة أربيل بإقليم كردستان العراق.
كما جرى العرف، منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، يتولى الاتحاد الوطني الكردستاني وهو من ضمن حلفاء الإطار التنسيقي الشيعي، منصب رئاسة الجمهورية، مقابل أن يتولى الحزب الديمقراطي الكردستاني منصبي وزارتي الخارجية والمالية وغيرهما.
لكن في الأشهر القليلة الماضية، وبعد دخول الحزب الديمقراطي الكردستاني في تحالف مع مقتدى الصدر، قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يتولى منصب رئاسة الجمهورية؛ مما أثار ردود فعل غاضبة من كل من منافسه الاتحاد الوطني الكردستاني والإطار التنسيقي الشيعي.
حينها رشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، وزير المالية السابق، لمنصب رئاسة الجمهورية، لكن بعد تدخل نوري المالكي، والاتهامات الموجهة لزيباري بالفساد أثناء توليه منصب وزير المالية، والتي بسببها تم سحب الثقة منه من قبل البرلمان عام 2016، أعلنت المحكمة الاتحادية العليا، عدم الإمكانية القانونية للترشح زيباري الى منصب رئاسة الجمهورية.
الأمر الثاني، في محاولات ضغط الإطار التنسيقي الشيعي، على حلفاء مقتدى الصدر في الفترة الماضية، لتفكيك التحالف بينهما، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، التى بحسب مسؤولين عراقيين تحدثوا لـ"عربي بوست"، لديها علاقات قوية بقادة الإطار التنسيقي، قانوناً بإلغاء دستورية القانون الذي صدر عام 2014 والذي يمنح إقليم كردستان العراق الحق في بيع النفط والغاز والموارد الطبيعية المستخرجة من أراضيه والحصول على العائدات المالية لصالح حكومة الإقليم.
الآن، وبعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، عاد الحزب الديمقراطي الكردستاني لوضع شروطه للتعاون مع الإطار التنسيقي الشيعي لتشكيل الحكومة المقبلة.
يقول المسؤول في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"عربي بوست": "لم يساعدنا الصدر في مسألة إلغاء قانون بيع النفط، ولم يضغط من أجل ترشيح هوشيار زيباري؛ لذلك لا نريد الخسارة مرتين، إذا أراد الإطار التعاون معنا، فعليه تنفيذ شروطنا".
في المقابل، يرى قادة الإطار التنسيقي الشيعي أن الأكراد يستغلون الموقف لتحقيق أكبر قدر من المكاسب. يقول قائد في الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست": "كيف تتراجع المحكمة الاتحادية العليا عن قراره، أمر مستحيل، كما أنه لا يمكن للإطار التخلي عن حليفه الكردي وهو الاتحاد الوطني الكردستاني، فمنصب الرئاسة من حقه منذ سنوات وهذا اتفاق بين الحزبين الكرديين، لماذا التغيير الآن؟، من الصعب تحقيق مطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني".
أما بالنسبة الى حلفاء الصدر من السنة، وهم تحالف السيادة، بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الحالي، فلديهم أيضاً العديد من المطالب، أبرزها كان بحسب سياسي من تحالف السيادة، تحدث لـ"عربي بوست"، هي ميزانية خاصة بالمحافظات المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فيقول لـ"عربي بوست" إن "الحكومات العراقية السابقة تهاونت في مسألة إعادة إعمار المحافظات السنية المحررة من داعش، الآن لدينا مطالبنا الخاصة بهذا الأمر، نريد تخصيص ميزانية لإعادة إعمار هذه المحافظات والمدن بجانب الكثير من الأمور الأمنية المتعلقة بهذه المحافظات". لم يُرد المصدر الإفصاح عما أسماه "الأمور الأمنية الأخرى".
ورفضت المصادر الشيعية من داخل الإطار التنسيقي الشيعة، التى تحدثت لـ"عربي بوست"، التعليق على مسألة المطالب الخاصة بالمكون السني المطروحة حالياً.
هل خسر مقتدى الصدر كل شيء؟
كان إعلان رجل الدين الشيعي والسياسي، مقتدى الصدر، انسحابه من الحياة السياسية في العراق، بمثابة صدمة هائلة لجميع الأطراف السياسية، بالإضافة إلى أنصاره الذين يقدر عددهم بالملايين.
يقول الباحث السياسي المقيم بالعاصمة العراقية بغداد، والمقرب من التيار الصدري، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "فى اعتقادي خسر مقتدى كل شيء، قرار الانسحاب كان خطأً استراتيجياً كبيراً".
وبحسب المصدر ذاته، فإن بعض نواب التيار الصدري، كانوا رافضين لمسألة تقديم الاستقالة من البرلمان، فيقول: "ناقش بعض النواب الصدريين، مقتدى في الأمر وأعربوا عن قلقهم بأنها مناورة محفوفة بالمخاطر، لكنه صمم على موقفه".
على ما يبدو أن مقتدى الصدر قد شعر بالإحباط من فشله في تحقيق مشروعه بتشكيل حكومة أغلبية، وأن يكون الصوت الشيعي المهيمن في الساحة السياسية العراقية. يقول سياسي شيعي مستقل ومُقرب من التيار الصدري، لـ"عربي بوست": "شعر مقتدى باليأس، وأن الإطار التنسيقي نجح في الضغط على حلفائه خاصة الأكراد، بعد الضربات والهجمات الإيرانية التي استهدفت أربيل".
ويضيف المصدر السابق قائلاً لـ"عربي بوست": "بصراحة لم يتوقع مقتدى الصدر أن تنتهي الأمور بهذه الطريقة ويذهب الإطار التنسيقي إلى اختيار النواب البدلاء بهذه السرعة، في اعتقادي كان ينتظر أن يتم التفاوض معهم للعودة مرة أخرى، لكن هذا لم يحدث، وأصبح هو الخاسر الأكبر حالياً".
إلى الآن لا توجد رؤية واضحة لاستراتيجية مقتدى الصدر المقبلة، كما أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة بواسطة الإطار التنسيقي الشيعي، أو لا، تبدو ضبابية إلى الآن مع الخلافات القائمة بين قادة الإطار، ومن الممكن أن تتضح الأمور رويداً رويداً، بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى، وعودة البرلمان العراقي إلى العمل أيضاً بعد انقضاء عطلته الصيفية في منتصف الشهر الجاري.