قالت صحيفة The New York Times الأمريكية، الإثنين 27 يونيو/حزيران 2022، إن الرئيس بايدن لا ينوي الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة فحسب، بل يضع الأساس لولاية ثانية من خلال خطوات متعددة، منزعجاً في الوقت ذاته من الديمقراطيين المعارضين لهذه الفكرة.
ولفتت الصحيفة إلى أن بايدن يبحث بحماس عن دلائل الولاء، التي كانت قليلة ومتباعدة. وفي مواجهة الشكوك المتصاعدة بشأن قدرته على الترشح لولاية أخرى حينما سيكون 82 عاماً تقريباً.
"بطة عرجاء"
وأصيب الرئيس وكبار مساعديه بالصدمة من الأسئلة حول خططه، والغضب مما يرون أنه عدم احترام من حزبهم والصحافة، وعزموا على تقويض الاقتراحات التي اتهمته بأنه عملياً "بطة عرجاء" بعد عام ونصف من إدارته.
في وقت سابق من هذا الشهر، عندما قال السيناتور بيرني ساندرز إنه لن ينافس الرئيس بايدن في عام 2024، شعر بايدن بالارتياح لدرجة أنه دعا منافسه السابق لتناول العشاء في البيت الأبيض في الليلة التالية.
ويجادل مساعدو بايدن بأنه لا ينوي الترشح فحسب، بل يضع الأساس لولاية ثانية، من خلال تأسيس موارد له في اللجنة الوطنية الديمقراطية، وإعادة بناء عملياته في الولايات التي تمثل ساحة منافسة في الانتخابات، والتطلع إلى استخدام نفوذه لتشكيل عملية الترشيح لصالحه.
ويستند هذا الوصف لتحضير بايدن لإعادة انتخابه وإحباطه المتزايد من شك حزبه على مقابلات مع العديد من الأشخاص الذين يتحدثون بانتظام إلى الرئيس، حسب الصحيفة.
وتحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المحادثات الخاصة، لكن العديد قالوا إنَّ الرئيس ودائرته المقربة كانوا مرتبكين بسبب مناقشات الديمقراطيين حول "الخطة ب" عندما أوضح الشخص الذي هزم دونالد ترامب أنه يعتزم الترشح مرة أخرى.
ارتفاع أصوات المعارضين الديمقراطيين لبايدن
وأخبر بايدن المستشارين أنه يرى الأيام المبكرة من محاولته الأولية للترشح في عام 2020 تتكرر، عندما رفضه بعض الديمقراطيين باعتباره كبيراً جداً أو معتدلاً للغاية بحيث لن يستطيع الفوز.
وعلا صوت هؤلاء المشككين خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعد أن أبطلت المحكمة العليا دعوى "رو ضد وايد"، عندما أعاد بايدن تأكيد معارضته لتوسيع صفوف المحكمة العليا، وهو الحل المفضل لتيار اليسار لميل المحكمة الحالي للتوجه المحافظ.
وأثارت هذه التصريحات غضب النقاد الذين يجادلون بأنَّ الرئيس، الذي لم يكن مرتاحاً أبداً لرفع حقوق الإجهاض ويصنف نفسه على أنه مهندس توافق الآراء، وليس لديه مزاج للمعارك الحزبية.
بدوره، اتهم النائب السابق سيدريك ريتشموند، الذي أرسله بايدن من البيت الأبيض لدعم اللجنة الوطنية الديمقراطية، الديمقراطيين الآخرين بـ"إيلاء الكثير من الأهمية لأرقام الاقتراع"، في إشارة إلى أنَّ بايدن حصد أقل من 40% في بعض استطلاعات الرأي.
وقال ريتشموند إنَّ هناك "جناحاً في حزبنا يريد مرشحاً مختلفاً وأنا متأكد من أنهم سيحبون عودة مرشحهم إلى المزيج مرة أخرى".
"شكوك خطيرة"
ومع ذلك، ليس فقط منتقدو الرئيس التقدميون هم من يشعرون بالتوتر بشأن ارتفاع التضخم، وعدم الراحة بشأن ترشح بايدن مرة أخرى، وغير مقتنعين حتى بضرورة ذلك.
ورفض السيناتور جو مانشين الثالث، من ولاية ويست فرجينيا، الذي يأمل بعض المانحين الأثرياء أن يفكر في محاولة الترشح مستقلاً للرئاسة، أن يفصح عمّا إذا كان سيفكر في مثل هذا الترشح أو ما إذا كان يخطط لدعم بايدن. وقال مانشين: "نحن نحاول فعل ما يجب علينا لصالح البلد".
وأسفرت المقابلات الأخرى مع المُشرّعين الديمقراطيين عن شكوك خطيرة حول ما إذا كان يتعين على بايدن قيادة الحزب مرة أخرى، مع استنتاج البعض أنه يجب عليه ذلك لأنه لا يتضح وجود بديل صالح.
وقال النائب آدم سميث من واشنطن، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، في حديثه عن مأدبة عشاء للديمقراطيين في العاصمة حيث تكهن العديد حول من يمكن أن يخلف الرئيس: "اندهشت من عدد الأشخاص الذين أعربوا صراحةً عن مخاوفهم بشأن 2024، وما إذا كان يجب على بايدن الترشح مرة أخرى".
والأكثر إثارة للقلق بالنسبة لبايدن، وجد بعض الديمقراطيين الطموحين أنَّ دعوة الرئيس للتقاعد هي طريقة أكيدة لجذب الانتباه.
أكثر من نصف الديمقراطيين يرفضون ترشح بايدن
وقال النائب السابق جو كننغهام من ساوث كارولينا، الذي يأمل في إزاحة الحاكم هنري ماكماستر (75 عاماً)، إنَّ الرئيس يجب أن يتنازل عن الترشيح لصالح "جيل جديد من القيادة"، كما قال على شبكة CNN الأسبوع الماضي.
ومن بعض النواحي، بايدن هو من جلب على نفسه هذه اللحظة. ففي الانتخابات التمهيدية لعام 2020، قدّم الرئيس نفسه على أنه "جسر، وليس أي شيء آخر"؛ في سعيه إلى حشد الديمقراطيين المتشككين لترشيحه.
ولأنَّ ناخبي الحزب كانوا منخرطين تماماً في فكرة طرد ترامب من منصبه، استجابوا لهذا النداء، دون التفكير كثيراً في الآثار المترتبة على وجود رجل ثمانيني في المكتب البيضاوي لمدة أربع سنوات.
والآن، يقول أكثر من نصف الديمقراطيين إنهم لا يريدون أن يترشح بايدن مرة أخرى أو ليسوا متأكدين من أنه يجب عليه ذلك، وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة.
ويرفض كبار مستشاري بايدن فكرة أنَّ الانتخابات التمهيدية المفتوحة ستوفر للديمقراطيين شخصية أقوى لحمل راية الحزب. وهم يخشون أن يؤدي تقاعده إلى انطلاق سباق سريع نحو اليسار.
علاوة على ذلك، برغم أنَّ نائبة الرئيس كامالا هاريس ستحصل على الأرجح على دعم كبير، فمن المستبعد أنها ستفسح المجال لمرشح آخر نحو الفوز؛ مما سيؤدي إلى سباق فوضوي يمكن أن يوسع انقسامات الحزب حول قضايا العرق والجنس والأيديولوجية.
بايدن مصمم على الترشح مرة أخرى
في المقابل، أخبر بايدن مساعديه أنه مصمم على الترشح مرة أخرى، على الرغم من أنه أشار أيضاً إلى أنه سيأخذ نصيحة دائرته في الاعتبار.
وتحرك الرئيس لتعزيز قبضته على اللجنة الوطنية الديمقراطية، وليس فقط عن طريق إرسال ريتشموند إلى اللجنة. فقد حوّل بايدن أيضاً كل أصوله على الشبكات الاجتماعية وقائمته المربحة لجمع الأموال إلى الحزب؛ مما جعل اللجنة تعتمد إلى حد كبير على تلك القنوات في مساهماتها.
ويقول مساعدو بايدن إنَّ ما لن يفعله الرئيس هو إسكات النقاد من خلال تقديم أوراقه للترشح في عام 2024 قبل انتخابات التجديد النصفي لهذا العام، وهي خطوة ينظر فيها ترامب.
ويشعر مستشارو بايدن أنَّ هذه الخطوة توحي بالذعر وتخلق عبئاً كبيراً لجمع الأموال قبل عامين من الحملة. ومع ذلك، إذا اتخذت الانتخابات النصفية منحى سيئاً، فقد يشعر الرئيس بالضغط لإضفاء الطابع الرسمي على نواياه في وقت أقرب مما يعتبرونه المعيار الحديث- إعلان الرئيس السابق باراك أوباما نيته للترشح في أبريل/نيسان 2011.
وفي الوقت الحالي، يعتمد الرئيس على الدبلوماسية الشخصية، كما فعل مع بيرني ساندرز، النائب المستقل من فيرمونت، وسلطة الرئاسة، لدرء المنافسين المحتملين.