تستعد الحكومة البلجيكية لإعادة "السن الذهبية" التي تبقت من جثمان المناضل الكونغولي باتريس لومومبا إلى عائلته هذا الأسبوع؛ على أمل إسدال الستار على واحد من أكثر الأحداث وحشية في تاريخ الاحتلال البلجيكي للكونغو ومن أشدِّها خزياً بتاريخ الاستغلال الدموي للبلد الواقع في وسط إفريقيا، وفق ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية السبت 18 يونيو/حزيران 2022.
يعتبر باتريس لومومبا أول رئيس وزراء لجمهورية الكونغو الديمقراطية، تحت اسمها السابق "جمهورية الكونغو"، ورمزاً من رموز النضال ضد الاستعمار في إفريقيا، قتله انفصاليون ومرتزقة بلجيكيون في عام 1961، ثم قام القتلة بتقطيع جثمانه وإذابته في حمض الكبريتيك، واحتفظوا ببعض أسنانه تذكاراً.
إنهاء الحداد على باتريس لومومبا
قال رولاند نجل لومومبا، إن عودة السن إلى العائلة تُتيح لهم "إنهاء الحداد" عليه أخيراً، "وإن كنت لا أستطيع القول إن الأمر يستدعي الفرح، لكنه أمر حسن لدينا أن نتمكن من دفن أحبابنا. وأن يتيسر لروح والدنا أن ترقد بسلام. إنه أمر مهم لنا".
انتُخب لومومبا رئيساً لوزراء بلاده 1960، ليصبح بذلك أول زعيم منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد، لكن القوى الغربية خشيت انضمامه إلى المعسكر السوفييتي وحرمانهم من موارد البلاد المهمة، مثل اليورانيوم، فتآمروا عليه، وتعاونوا مع خصومه في انقلاب عسكري عليه.
فيما أطاح الانقلاب العسكري بلومومبا، ثم اعتقله أعداؤه وسجنوه وعذَّبوه، حتى قتلته فرقة إعدام تضم خليطاً من الممثلين عن أعدائه المحليين والدوليين رمياً بالرصاص. وبعد أربعين عاماً، اعترفت بلجيكا بأنها تتحمل "المسؤولية الأخلاقية" عن اغتيال باتريس لومومبا.
حيث كشفت وثائق أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شاركت في التدبير لقتل لومومبا. لكن الأمر استغرق عقوداً حتى تبينت الحقائق في ملابسات الاغتيال.
اعتراف بتقطيع الجثة وإذابتها
في عام 2000، أجرى مفوض بالشرطة البلجيكية يُدعى جيرارد سويت، لقاء في فيلم وثائقي عُرض على التلفزيون الألماني، واعترف فيه بأنه قطّع جثة باتريس لومومبا، وأذاب البقايا في حمض الكبريتيك، ثم أظهر سنَّين وقال إنهما من بقايا لومومبا وإنه احتفظ بهما تذكاراً.
لكن الأكاديمي البلجيكي، لويد دي ويت، تقدم في عام 2016 بشكوى ضد ابنة سويت بعد أن أظهرت سناً ذهبية، وقالت إنها تخص باتريس لومومبا، خلال لقاء مع إحدى الصحف. وقررت السلطات البلجيكية بعدها مصادرة السن.
من المقرر أن يُقام حفل رسمي يحضره رئيس وزراء بلجيكا ورئيس وزراء جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويجري فيه تسليم السن إلى العائلة في صندوق مصنوع خصوصاً لها. ومن المنتظر أيضاً أن يستقبل ملك بلجيكا، فيليب، عائلة لومومبا.
أسف بلجيكي على "جِراح الماضي"
سافر رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية لأول مرةٍ هذا الشهر، وأعرب في زيارته عن "أسفه العميق على جِراح الماضي".
كما قال إن النظام الذي أقامته بلاده في الكونغو قام "على أسس من الظلم والتعسف، واتسم بالوصاية والتمييز والعنصرية". لكن ملك بلجيكا، فيليب، أبى الاعتذار عن جرائم أجداده، وقد أثار ذلك غضباً في الكونغو.
بينما كتبت النائبة الكونغولية المعارضة، فرانسين مويمبا نكَنغا، تغريدة على موقع تويتر، استحسنت فيها خطاب الملك البلجيكي بشأن الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها بلجيكا في بلادها، وقالت: "نتوقع منه اعتذاراً، ووعداً بالتعويضات، حتى نقلب هذه الصفحة ونفرغ منها بلا رجعة".
لم يأخذ رولاند لومومبا على الملك عدم تقديمه اعتذاراً كاملاً عن معاناة الكونغوليين في الماضي، وقال: "لن نضمر الحقد ما دام الطرف الآخر يمد يده إلينا"، وأعرب عن أمله في "حقبة جديدة" من العلاقات بين البلدين "يتشاركان فيها بناء المستقبل".