بعد 8 أشهر من المأزق السياسي الذي نتج عن الانتخابات البرلمانية العراقية، التي أُجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وما تبعه من انسحاب مقتدى الصدر من العملية السياسية في العراق، لم تستطع النخب السياسية العراقية تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، وبينما تواجه الأحزاب الشيعية العراقية حالة من عدم الاستقرار والتقاتل من أجل فرض رغبة كل منهما في تشكيل الحكومة المقبلة، قام رجل الدين الشيعي والسياسي المثير للجدل، مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (74 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان)، بخطوة زادت من خطورة الوضع الراهن.
في يوم 12 يونيو/حزيران 2022، قدم 74 نائباً من الكتلة الصدرية في مجلس النواب استقالاتهم الجماعية إلى رئيس البرلمان، بناء على أوامر من مقتدى الصدر، اعتراضاً من الأخير على الانسداد السياسي الحالي.
ما الهدف من انسحاب مقتدى الصدر
عندما استطاع التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، الحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان العراقي، ما يؤهله ببساطة لتكوين "الكتلة البرلمانية الأكبر"، والتي بحسب الدستور العراقي لعام 2005، وتفسير المحكمة الاتحادية العراقية العليا لهذا البند الدستوري، تعتبر الكتلة البرلمانية الأكبر هي الأحق بتشكيل الحكومة.
أعلن مقتدى الصدر مشروعه السياسي الجديد، والذي كما يزعم هو مشروع إصلاح سياسي، بتشكيل "حكومة أغلبية وطنية"، وبعد رفض خصومه الشيعة في الإطار التنسيقي الشيعي لهذا الإعلان لجأ مقتدى الصدر إلى العديد من المناورات السياسية لتحقيق رغبته، وكان من أهمها دخوله في تحالف ثلاثي، مع تحالف السيادة الذي يجمع الحزبين السُّنين الأبرز في الانتخابات الأخيرة ("عزم" بزعامة رجل الأعمال السني خميس الخنجر، و"تقدّم" بزعامة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي)، بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي فاز بأغلبية الأصوات الكردية في البرلمان العراقي (32 مقعداً).
قائد سياسي في الإطار التنسيقي الشيعي يرى أن مقتدى الصدر قد قرع طبول الحرب بقراره الأخير، فيقول لـ"عربي بوست": "صدمة.. استقالة الصدريين من البرلمان صدمة كبيرة، وإلى الآن لا نعلم كيف نتعامل مع الأمر الجديد، لم يكن أحد يتوقع أن يتخذ الصدر هذه الخطوة".
يقول مسؤول حكومي عراقي لـ"عربي بوست": "قانون الأمن الغذائي الطارئ والتنمية حظي بتأييد نواب الكتلة الصدرية، وانسحابهم بعد إقراره يزيد من التساؤلات حول الهدف من هذه الخطوة التي اتخذتها مقتدى الصدر".
ويرى المسؤول الحكومي العراقي أن مقتدى الصدر كان يخطط لإقرار استقالة نواب الكتلة الصدرية، منذ فترة طويلة، فيقول لـ"عربي بوست": "الانسحاب بعد إقرار قانون الأمن الغذائي مباشرة يعني أن الصدر أراد أن يضمن توفير ميزانية مالية كبيرة للحكومة الحالية، بالإضافة إلى الحصول على تأييد شعبي؛ لأن التيار الصدري كان من أشد المؤيدين لهذا القانون".
من خلال متابعة التاريخ السياسي لمقتدى الصدر، يمكن المجادلة بأن الصدر شخصية متقلبة المزاج، دائماً ما يتخذ قرارات غير متوقعة، معتمداً على قاعدته الجماهيرية الكبيرة، بالإضافة إلى الدور الذي رسمه لنفسه، وهو دور السياسي المحتج الراغب في الإصلاح، فمنذ عام 2006، دائماً ما كان مقتدى الصدر يتخذ موقفاً معارضاً في السياسة العراقية، بالرغم من وجود التيار الصدري في الحكومات المتعاقبة باستمرار.
لذلك فليس من السهل القول إن القرارات السياسية المفاجئة والصادمة التي يتخذها مقتدى الصدر تستند إلى أهداف معينة أو حسابات عقلانية واضحة يمكن تفسيرها بشكل مباشر.
وعلى ضوء هذه الخلفية، يقول سياسي شيعي عراقي، مقرب من الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست": "لا يمكن لأحد أن يتوقع الهدف الحقيقي من وراء استقالة النواب الصدريين، هل يريد الصدر الانسحاب حقاً من العملية السياسية بعد كل هذه السنوات من الاستثمار السياسي، أم يريد اللجوء إلى الشارع وسلاح الاحتجاجات، هل سيتراجع عن قراره، أم سيظل مصمماً عليه، في الحقيقة لا أحد يعلم، وأعتقد أن النواب الصدريين أنفسهم لا يعلمون الهدف الحقيقي من وراء أمرهم بالاستقالة".
عند الحديث عن المناورات السياسية التي يتبعها مقتدى الصدر منذ سنوات طويلة، يجب الأخذ في الاعتبار أن الصدر يمتلك الكثير من الأدوات الأخرى غير السياسية، التي تجعل من غير السهل حذفه من المعادلة السياسية العراقية، على سبيل المثال يمتلك الصدر أتباعاً بالملايين، وفصيلاً عسكرياً قوياً هو "سرايا السلام"، كما يمتلك أيضاً ميزانية مالية هائلة، وبحسب مسؤول أمني عراقي تحدث لـ"عربي بوست" قائلاً "ميزانية التيار الصدري أو الأموال التي يمتلكها الصدريون تعادل ميزانية دولة صغيرة، دون مبالغة".
ماذا سيفعل خصوم مقتدى الصدر؟
لا يمكن إنكار حقيقة أن قرار مقتدى الصدر، بأمر نواب الكتلة الصدرية في مجلس النواب بتقديم استقالاتهم الجماعية أربك خصومه الشيعية، لكن وبحسب مصادر من الإطار التنسيقي الشيعي، تحدثت لـ"عربي بوست"، فإنهم الآن يدرسون العديد من السيناريوهات المحتملة التي من الممكن اتخاذها في الخطوة التالية.
من المفترض بعد استقالة 74 نائباً من التيار الصدري من البرلمان، أن يحل محلهم المرشح الانتخابي الحاصل على أعلى عدد من الأصوات، والذي جاء في المرتبة الثانية بعد مرشح التيار الصدري. في هذا الصدد يقول مسؤول حكومي عراقي لـ"عربي بوست": "بالنظر إلى قوائم المرشحين فإن الإطار التنسيقي بعد استقالة النواب الصدريين من الممكن أن يحصل على ما بين 70 إلى 78 مقعداً إضافياً، ما يؤهله لأن يصبح الكتلة البرلمانية الأكبر بعد استقالة الكتلة الصدرية".
هذه الخطوة متوقفة الآن، لأن مجلس النواب العراقي يقضي عطلته الصيفية السنوية، ولا يمكن للنواب الجدد الذين سيحلون محل نواب الكتلة الصدرية المستقيلين أداء اليمين في البرلمان.
عقد قادة الإطار التنسيقي الشيعي، خلال الأيام القليلة الماضية، العديد من الاجتماعات لبحث المسألة فيما بينهم، سياسي شيعي وعضو في الإطار التنسيقي الشيعي كان حاضراً لهذه الاجتماعات يقول لـ"عربي بوست": "أحد المقترحات المطروحة بقوة هو التواصل مع الأحزاب السنية والكردية التي كانت متحالفة مع الصدر، والإسراع في تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس ورئيس للوزراء في أسرع وقت".
لكن هذا المقترح تعوقه العديد من الأمور، فبحسب سياسي ثانٍ من الإطار التنسيقي الشيعي، تشكيل حكومة جديدة من دون التيار الصدري لن يمر بسهولة، فيقول لـ"عربي بوست": "لن يوافق الصدر على تشكيل حكومة من دونه، حتى لو استقال نوابه من البرلمان، حدث في الماضي، وهدد بأنه لا يمكن لأي حكومة العمل من دون مشاركة التيار الصدري بها، هذه الخطوة من الممكن أن تنذر بصراع مسلح، لا نستطيع السيطرة عليه".
نوري المالكي أم مصطفى الكاظمي.. رئيساً للحكومة؟
وفي مناقشة قادة الإطار التنسيقي لخطوة تشكيل الحكومة المقبلة دون التيار الصدري، برزت مسألة هامة، مَن سيكون رئيس الوزراء القادم؟
يقول سياسي شيعي مقرب من نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق (2006: 2014)، لـ"عربي بوست": "بالطبع كان من الضروري والبديهي مناقشة من سيتولى منصب رئيس الوزراء، إذا توصلنا إلى قرار تشكيل الحكومة المقبلة بدون الصدر، في الحقيقة، كان نوري المالكي مرشحاً قوياً، لكن هناك العديد من النقاشات حول هذه المسألة".
نوري المالكي هو الخصم اللدود لمقتدى الصدر منذ سنوات طويلة، بالتحديد منذ قرار المالكي في عام 2008 محاربة "جيش المهدي"، وهو الفصيل المسلح الذي أسسه مقتدى الصدر بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لمحاربة القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية، وقد نجح المالكي في هذا الأمر.
في الأشهر الماضية كان الصدر قد وافق على إشراك الأحزاب الشيعية المعارضة له في الحكومة المقبلة، بشرط إقصاء نوري المالكي وحزبه "دولة القانون"، الذي حصل على 30 مقعداً في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولم توافق الأحزاب الشيعية المتحالفة مع نوري المالكي على شرط مقتدى الصدر.
لذلك، فإن طرح اسم نوري المالكي لتولي منصب رئيس الحكومة المقبلة سيكون له تداعيات خطيرة، في هذا السياق يقول مسؤول حكومي عراقي مقرب من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست": "بالطبع لن يقبل مقتدى الصدر بأن يتولى المالكي الحكومة، هذا أمر غير مقبول بشدة بالنسبة للصدر، إنه بمثابة إعلان هزيمة سياسية لمقتدى الصدر".
يرى المصدر السابق أنه إذا أصر قادة الإطار التنسيقي الشيعي على تولي نوري المالكي للحكومة المقبلة، "إذا نجحوا في تشكيل الحكومة الجديدة بدون التيار الصدري" ستتجه الأمور إلى حرب شيعية-شيعية، فيقول لـ"عربي بوست": "إذا وافق الإطار التنسيقي على هذا الاقتراح فأستطيع القول بيقين إن العراق على أعتاب حرب أهلية جديدة".
لكن ماذا عن نوري المالكي؟ هل يريد حقاً المخاطرة وتولي منصب رئيس الحكومة المقبلة؟ يقول مصدر مقرب من المالكي، لـ"عربي بوست"، "نعم، يريد السيد المالكي تولي رئاسة الحكومة المقبلة، يعلم المخاطر والتداعيات، ويعلم أن الصدر لن يقبل بذلك، لكن لديه رغبة قوية في استعادة دوره السياسي الكبير مرة أخرى".
البديل عن تولي نوري المالكي منصب رئاسة الحكومة المقبلة هو مصطفى الكاظمي، يقول قائد في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست": "من الممكن استبعاد مسألة ترشيح المالكي لرئاسة الحكومة، والبديل استمرار مصطفى الكاظمي في منصبه، هذا أيضاً أمر تم طرحه في الأيام الماضية".
لكن مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي، لا يتمتع بعلاقة طيبة مع الجماعات المسلحة الشيعية، والتي تعتبر جزءاً مهماً في الإطار التنسيقي الشيعي، منذ أن تولى منصبه في مايو/أيار 2020، وهم في صراع مستمر، كانت بدايته اتهام كتائب حزب الله العراقية، وهي فصيل شيعي مسلح قوي ومتحالف مع إيران، للكاظمي بالتورط في اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ورفيقه العراقي أبو مهدي المهندس، حيث كان الكاظمي يتولى آنذاك منصب رئيس جهاز المخابرات الوطنية العراقية، انتهاءً باتهام الفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران بالتورط في محاولة اغتيال الكاظمي، في وقت سابق من هذا العام.
في هذا الصدد، يقول قائد في فصيل كتائب حزب الله، لـ"عربي بوست"، "لا نقبل استمرار الكاظمي في منصبه، هذا أمر بديهي، لكن إذا لم نستطع التوصل إلى اسم مرشح توافقي لرئاسة الحكومة فمن الممكن السماح له بالاستمرار في منصبه، لتجنيب البلاد الدخول في صراع جديد في وقت حرج".
على ما يبدو أن قادة الإطار التنسيقي الشيعي منقسمون بشدة حول مسألة اختيار مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة، يقول مسؤول حكومي مقرب من الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست": "هناك عدد كبير من قادة الإطار متفقون حول مسألة منح الكاظمي ولاية ثانية، لأنهم يعتقدون أن استمرار الكاظمي في منصبه يؤمّن لهم عدم معارضة الصدر، الذي يدعم الكاظمي في كثير من الأحيان".
وبحسب المصدر نفسه، فإن قادة الإطار التنسيقي قد دعوا مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة الحالي، إلى اجتماع ليلة أمس في منزل فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي. ويقول المصدر لـ"عربي بوست": "هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها الإطار التنسيقي الكاظمي لحضور اجتماع معهم، كان الاجتماع مهماً لمناقشة العديد من الأمور التي يهتم بها الإطار في الحكومة المقبلة، مع الكاظمي". ولم يفصح المصدر عن طبيعة هذه الأمور التي تمت مناقشتها في هذا الاجتماع.
تشكيل حكومة من دون التيار الصدري؟
بينما يبدو قادة الإطار التنسيقي الشيعي متفقين على أنه من الصعب تشكيل حكومة جديدة من دون التيار الصدري، فإنهم يحاولون البحث عن مقترحات لحل هذه المسألة.
في اجتماع عُقد في صباح الجمعة، 17 يونيو/حزيران 2022، بين قادة الإطار التنسيقي الشيعي، تم اقتراح عدد من الحلول للخروج من هذه الأزمة، وفي هذا الصدد يقول قائد في الإطار التنسيقي الشيعي ومقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست": "تمت مناقشة فكرة منح بعض المناصب الوزارية للتيار الصدري في حال تشكيل حكومة جديدة بواسطة الإطار، وافق على المقترح العديد من قادة الإطار، لكن في المقابل لا نتوقع قبول التيار الصدري".
بحسب المصدر ذاته، فإن من الصعب توقع أن يوافق مقتدى الصدر على منح مناصب وزارية للتيار الصدري، دون أن يكون مشاركاً في تشكيل الحكومة.
في هذا السياق، يقول مسؤول أمني عراقي، لـ"عربي بوست"، "تشكيل حكومة بدون التيار الصدري يعني الإقرار بهزيمة السيد مقتدى، وهذا لن يحدث، ولا يمكن للإطار تشكيل حكومة من دون التيار الصدري، لأنهم على دراية بالعواقب".
العواقب التي أشار إليها المصدر السابق هي لجوء مقتدى الصدر، مستنداً على أنصاره وقاعدته الجماهيرية الهائلة، إلى الاحتجاجات في الشوارع، يقول المسؤول الأمني لـ"عربي بوست": "الكل يعلم أن مقتدى الصدر يستطيع شل حركة بغداد في بضع دقائق إذا أمر أنصاره بالنزول إلى الشوارع، لا يمكن المخاطرة بدفع الصدر لاتخاذ مثل هذه الخطوة".
حلفاء مقتدى الصدر
كما ذكرنا سابقاً فإن مقتدى الصدر قد دخل في تحالف ثلاثي باسم "إنقاذ وطن"، مع كل من تحالف السيادة السني، والحزب الديمقراطي الكردستاني (الحزب الحاكم في إقليم كردستان العراق)، فما مصير حلفاء مقتدى الصدر بعد قرار استقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان؟
يقول سياسي سني في تحالف السيادة ومقرب من محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، لـ"عربي بوست": "نحن مستاؤون للغاية من قرار الصدر الأخير، خاصة أنه لم يناقشنا فيه بالقدر الكافي، دفع بنا إلى وضع حرج".
وعلى ما يبدو أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لديه مشاعر الاستياء نفسها، يقول مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"عربي بوست": "هذا هو مقتدى، دائماً ما يتخلى عن حلفائه، ولا يمكن توقع ردود فعله".
لكن ما الخطوات التي يفكر فيها حلفاء مقتدى الصدر من السُّنة والأكراد، في الوقت الحالي؟ يقول السياسي السني المقرب من محمد الحلبوسي لـ"عربي بوست": "الأمر واضح، سنذهب إلى التفاوض مع الإطار التنسيقي مرة أخرى". وهو ما قرره المسؤول السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وبحسب قائد في الإطار التنسيقي الشيعي، فإن قادة الإطار سيجتمعون قريباً بالسُّنة والأكراد المتحالفين مع مقتدى الصدر، لمناقشة مسألة دفع الأمور نحو تشكيل حكومة جديدة، فيقول لـ"عربي بوست": "مع بداية الأسبوع المقبل سيبدأ الإطار التنسيقي مباحثات مع تحالف السيادة السنة والأكراد، للتوصل إلى مرشح لرئاسة الجمهورية، ومناقشة باقي تفاصيل تشكيل الحكومة، ومسألة منح ولاية ثانية للكاظمي أم لا".
هل يمكن أن يتراجع الصدر عن قراره الأخير؟
اختار مقتدى الصدر توقيتاً مهماً لأمر نواب الكتلة الصدرية بتقديم استقالاتهم، وهو التوقيت الذي تبدأ فيه العطلة الصيفية لمجلس النواب، ما يؤجل عملية استبدال نواب الكتلة الصدرية كما أشرنا سابقاً.
لكن بعض خصوم الصدر الشيعة ذهبوا إلى تحليل اتخاذ القرار في مثل هذا التوقيت بشكل آخر، يقول سياسي شيعي وعضو في الإطار التنسيقي لـ"عربي بوست": "من الممكن أن يتراجع الصدر عن قراره في اللحظات الأخيرة، خاصة أن النواب البدلاء لم يؤدوا اليمين الدستورية حتى الآن، هذا أمر يجب أن يؤخذ في الاعتبار، الصدر معروف بمناوراته المزاجية".
لكن هل يجوز من الناحية القانونية أن يتراجع نواب الكتلة الصدرية عن قرار استقالتهم من مجلس النواب؟ يقول محلل سياسي مقيم بالعاصمة العراقية بغداد لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإشارة إلى اسمه: "آخر شيء يمكن أن نهتم به في العراق هو القانون، إذا أراد الصدر التراجع عن قراره فسيجدون مخرجاً قانونياً بالتأكيد".
لكن إذا استمر مقتدى الصدر في المضي قدماً في قرار انسحاب نواب الكتلة الصدرية من البرلمان، وتوصّل الإطار التنسيقي إلى خطة ما لتشكيل الحكومة الجديدة، فستكون التداعيات خطيرة، خاصة في الوقت الحرج الذي يمر به العراق، مع استمرار الخدمات العامة في التدهور، والأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الأوكرانية الروسية، وأزمة الكهرباء المستمرة كل صيف.
إذا فشلت الأحزاب الشيعية العراقية، بما فيها التيار الصدري، في التوصل إلى تسوية سياسية في المستقبل القريب، فمن الممكن أن يتصاعد الصراع إلى مستويات خطيرة تهدد بانهيار النظام السياسي العراقي، الذي كافح منذ عام 2003 للحفاظ على استمراريته.
وفي 8 يونيو/حزيران 2022، صوّت البرلمان العراقي، بإجماع مفاجئ، على تمرير قانون باسم "الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية"، وهو قانون بديل لقانون الموازنة العامة لعام 2022، التي لم يتم تحديدها حتى الآن، بسبب أن الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، هي في الأساس حكومة تصريف أعمال، ولا تملك صلاحيات وضع مشروع قانون موازنة أو التوقيع على اتفاقيات الكهرباء على سبيل المثال.
في اليوم التالي للتصويت على القانون السابق ذكره، والذي قدرت ميزانيته بـ25 تريليون دينار عراقي، أي ما يعادل 17 مليار دولار أمريكي، وهو رقم يرى بعض المحللين العراقيين أنه مبالغ فيه، وتحيط به الكثير من التساؤلات، هدّد مقتدى الصدر بمسألة تقديم نواب الكتلة الصدرية استقالاتهم من البرلمان اعتراضاً على معارضة خصومه تشكيل حكومة أغلبية وطنية.