أعادت دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحوار الوطني، مجموعةً بارزة من قيادات التيار الليبرالي واليساري في مصر إلى الواجهة من جديد، خصوصاً مع بروز أسماء كانت محسوبة على المعارضة في حفل إفطار الأسر المصرية، الذي حضره السيسي في نهاية شهر رمضان الفائت.
السعي لتكوين تيار سياسي جديد
علم "عربي بوست" من مصادر متطابقة أن اتصالات متبادلة تمت بين مجموعة من رموز القوى الليبرالية من أجل تشكيل تيار ليبرالي جديد سموه "التيار الوطني الحر"، بهدف المشاركة في الحوار الوطني من خلال هذا التيار الذي يحتضنه حزب المحافظين.
ووفقاً للمصادر المطلعة في أوساط الليبراليين، فإن التيار الوطني الحر يضم عدداً من رموز القوى الليبرالية في مصر، في مقدمتهم عمرو موسى والسيد البدوي وأكمل قرطام ومحمود أباظة، رئيس حزب الوفد السابق، بالإضافة إلى الكاتب الصحفي عمرو الشوبكي، وحسام بدراوي، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، وإيهاب الخولي عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين.
وقالت المصادر إن حزب المحافظين شهد خلال الأسبوعين الماضيين لقاءات وتحركات مكثفة من أجل التحضير للحوار الوطني، ولفتت المصادر إلى أن رموز القوى الليبرالية التي وافقت على الانضمام للتيار الوطني الحر، ستجتمع بمقر حزب المحافظين عقب عودة عمرو موسى من الخارج.
وقالت المصادر إن الليبراليين يتمنون أن يكون الحوار الوطني شاملاً لكافة المحاور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
رفض تعيين ضياء رشوان
ورفضت أحزاب الحركة المدنية في اجتماعها أمس، بمقر حزب المحافظين، تسمية الأمين العام لجلسات الحوار الوطني ضياء رشوان نقيب الصحفيين المصريين بشكل منفرد من قِبَل لجنة الحوار الوطني دون التنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية التي أعلنت موافقتها على المشاركة في الحوار.
وأصدرت تلك الأحزاب بياناً أكدت فيه رفضها لبيان لجنة الحوار الوطني وقراراتها المنفردة، التي جاءت "مخالفة لجلسات التشاور التي عقدت على مدار شهر كامل بين لجنة الحوار الوطني والقوى السياسية المدعوة للمشاركة في الحوار الوطني"، على حد وصف البيان. في تلك الجلسات تم الاتفاق على تسمية الأمين العام لجلسات الحوار الوطني بالتشاور وليس بقرار منفرد.
وتأجلت للمرة الثانية الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها رئيس حزب المحافظين لحزب الوفد بسبب الاجتماع الطارئ لأحزاب الحركة المدنية بمقر حزب المحافظين، الذي جاء رداً على تعيين ضياء رشوان أميناً عاماً لجلسات الحوار الوطني بشكل منفرد.
الحوار الوطني والليبراليون
أشارت مصادر مطلعة إلى أن عمرو موسى رحب بفكرة التيار الوطني الحر من أجل إعادة التيار الليبرالي للحياة، ومن أجل تحقيق مشاركة فعالة وحقيقية في الحوار الوطني.
ولفتت المصادر إلى أن عمرو موسى تمنى أن يكون الحوار الوطني تحت مظلة مجلس الشيوخ "الغرفة الثانية للبرلمان المصري".
وعلم "عربي بوست" أن أكمل قرطام، رئيس حزب المحافظين، قام بزيارة محمود أباظة في منزله يوم الأربعاء 9 يونيو/حزيران، بهدف التنسيق للمرحلة المقبلة والتوافق على فكرة التيار الوطني الحر.
وقالت مصادر حزبية لـ"عربي بوست" إن هناك اتجاهين داخل الحركة المدنية والأحزاب والمعارضة المصرية في تفسير دعوة السيسي للحوار الوطني.
الاتجاه الأول يرى أن السيسي ونظامه باتوا يدركون خطورة الوضع الاقتصادي الراهن، وأنهم بحاجة لتوسعة قاعدة الحوار من أجل تحميل المعارضة جزءاً من مسؤولية الوضع الراهن، وأن النظام جاد في دعوته للحوار الوطني.
ويرى هذا الفريق أنه لا بدَّ من استخدام ما سموه "رفع غطاء الحلة" الذي اضطر إليه النظام مؤخراً تجنباً للانفجار لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في مجال الحريات.
بينما يرى فريق آخر أن الحوار الوطني لا يزيد عن كونه مناورة الهدف منها الحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي تطالبه جهات دولية بعدم تقديم أية قروض لنظام السيسي إلا بعد تحقيق إصلاح سياسي حقيقي.
ويرى أنصار هذا الاتجاه أن المكسب الوحيد مما سموه "حدوتة الحوار الوطني" هو الإفراج عن أكبر عدد ممكن من المعتقلين.
اختفاء قيادات المعارضة
قبل عدة سنوات، اختفى السيد البدوي، رئيس حزب الوفد ومالك مجموعة قنوات الحياة السابق من المشهد السياسي. وتناثرت أقاويل حول منعه من السفر وإجباره عن بيع القناة لجهاز المخابرات، كما تم عزله من رئاسة شركة سيجما للأدوية. شيئاً فشيئاً توراى البدوي عن الأنظار، وأصبح طيّ النسيان.
وفى توقيت متقارب ابتعد الأمين العام السابق للجامعة العربية ووزير الخارجية الأسبق عمرو موسى عن المشهد السياسي، مكتفياً بتقديم مذكراته عبر دار الشروق التي يمتلكها صديقه إبراهيم المعلم.
تبعهم اختفاء باقي رموز القوى السياسية والوطنية، خصوصاً في ظل مشهد سياسي وإعلامي في مصر كان قاصراً ومقتصراً خلال السنوات الماضية على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقط ومؤيديه.
لكن مع وطأة الظروف الاقتصادية المؤلمة التي تمر بها مصر بفعل عدة عوامل منها تبعات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، دعا السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان الماضي إلى إجراء حوار وطني بين كافة القوى السياسية والرموز الوطنية من أجل رسم خارطة طريق لمصر خلال الفترة القادمة. هنا، عادت بعض أسماء المعارضة الليبرالية للواجهة من جديد.
حَجَر في مياه راكدة
بعد دعوة السيسي، بدأت ما يمكن وصفه بنسائم تغيير تهب على المشهد السياسي المصري، وبدأت رموز القوى السياسية التقليدية تعود للظهور الإعلامي مرة أخرى.
البداية كانت مع المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب الكرامة السابق حمدين صباحي الذي كان أبرز الحاضرين من المعارضة خلال خلال حفل الإفطار.
بعده ظهر رئيس حزب الكرامة الحالي وعضو البرلمان السابق الصحفي أحمد طنطاوي مع قناة "بي بي سي"، وما ذكره من تصريحات مثيرة.
بالتوازي، كانت هناك تحركات أخرى في البيت الليبرالي انطلاقاً من بوابة حزب المحافظين، الذي يترأسه عضو البرلمان السابق ورجل الأعمال أكمل قرطام.
تعليمات بعدم الهجوم على المعارضة
في سياق متصل، علم "عربي بوست" من مصادر صحفية أن تعليمات صدرت لرؤساء تحرير الصحف ومقدمي البرامج في الفضائيات المصرية بعدم الهجوم على رموز المعارضة خلال الفترة المقبلة من أجل تهيئة الأجواء للحوار الوطني.
وقال مصدر صحفي مطلع إن أحد المواقع الشهيرة نشر تقريراً هاجم فيه أحد قيادات المعارضة من المقرر أن يشارك في الحوار الوطني، فتلقى رئيس تحرير هذا الموقع اتصالاً من جهة أمنية أخبرته فيه أن الهجوم على المعارضة وتشويه رموزها غير مطلوب هذه الأيام، لأن هناك حواراً وطنياً في الأفق، وطلبت الجهة الأمنية من رئيس التحرير عدم تكرار هذا الأمر.
وتتباين وجهات النظر داخل تيار اليسار المصري بين مؤيد ومعارض للحوار، فمن يؤيد هذا الاتجاه يرى أن الإفراج ولو عن معتقل واحد هو مكسب في حد ذاته، بينما يرى آخرون أن الحوار الوطني "تمثيلية" لإطالة عمر النظام.
وقال مصدر حقوقي إن نظام السيسي في مهب الريح، ونصح المعارضة بعدم الاقتراب منه، فهو نظام زائل لا محالة، على حد تعبيره.