يبدو أن صورة العلم الفلسطيني الذي حلق فوق "مسيرة الأعلام" الإسرائيلية في مدينة القدس صباح يوم الأحد 29 مايو/أيار، باستخدام طائرة مسيرة صغيرة، أثار حفيظة و"جنون" الحكومة الإسرائيلية، على حد وصف محللين إسرائيليين، ليشعل صراعاً على الهوية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
فقد أفادت صحيفة معاريف العبرية، أن لجنة التشريع في الحكومة الإسرائيلية صادقت الأحد 29 مايو/أيار 2022 على مشروع قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات والهيئات التي تتلقى تمويلاً من الحكومة، بما فيها مؤسسات التعليم والجامعات والمدارس العربية في الداخل.
جاء مشروع القرار بمبادرة من النائب عن حزب الليكود إيلي كوهين، الذي برر مشروع القرار بأنه يسعى لـ"وضع حد للتلون والتحريض ضد شعب إسرائيل من فئة مدسوسة من المواطنين العرب"، على حد قوله. وأضاف: "من غير المعقول أن يطالب العرب بميزانيات من الحكومة، وفي المقابل يظهرون تمرداً على الدولة والمساس بسيادتها، إذا كانوا يرون أنفسهم فلسطينيين فليذهبوا وينتقلوا للعيش في غزة"، حسب تعبيره.
ومن المتوقع أن يناقش مشروع القرار في جلسة خاصة للكنيست في الأسبوع الأول من شهر يونيو/حزيران 2022، تمهيداً للمصادقة عليه بالقراءتين الثانية والثالثة، ليصبح تشريعاً ملزماً، لتكون عقوبة من يرفع العلم الفلسطيني سواء بمناطق الداخل الإسرائيلي بما فيها مدينة القدس المحتلة، السجن لمدة عام وإلزامه بدفع غرامة مالية.
وأثيرت هذه القضية خلال الساعات الأخيرة، بعد أن أصيبت إسرائيل بالإحباط من نجاح بعض المقدسيين الأحد 29 مايو/أيار 2022 برفع العلم الفلسطيني فوق مظاهرة ضخمة دعت إليها الحكومة الإسرائيلية وجمعيات يمينية قرب باب العمود في المسجد الأقصى في يوم ما يعرف بتوحيد القدس.
معركة الأعلام تنتقل للجامعات الإسرائيلية
وسبق أن أثيرت هذه القضية في الأسبوعين الأخيرين واحتلت مساحة واسعة من النقاش داخل إسرائيل، بعد مظاهرات شهدتها جامعة بن غوريون في بئر السبع، إثر قيام طلاب عرب برفع الأعلام الفلسطينية؛ إحياءً لذكرى النكبة، وهو ما أثار غضب الطلبة اليهود الذين انهالوا عليهم بالضرب، ما استدعى تدخل الشرطة لوقف الحدث الذي استمر لعدة ساعات.
حدث مماثل شهدته جامعة تل أبيب بالتزامن مع ذكرى النكبة، حينما أحيا عدد من الطلبة فعاليات الذكرى الـ74 للنكبة، ورفعوا العلم الفلسطيني ورددوا نشيد "موطني.. موطني" لتقوم ما تعرف بجماعة "أم ترتسو" اليمينية بالاعتداء عليهم، ورفع لافتات "النكبة كذبة".
على إثر هذه الحادثة هدد وزير المالية أفيغدور ليبرمان بوقف تمويل ميزانية الجامعات التي تسمح للطلبة العرب برفع الأعلام الفلسطينية، كما استدعت وزيرة التربية والتعليم العالي يفعات بيطون، رئيسي جامعتي تل أبيب وبن غوريون لتوبيخهما إثر سماحهما بتنظيم فعاليات للطلبة العرب.
القصة بدأت منذ معركة سيف القدس
بات العلم الفلسطيني يمثل رمزية كبيرة كإحدى أهم أدوات المقاومة التي يلجأ إليها الفلسطينيون لاستفزاز دولة الاحتلال، فمنذ أحداث معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، شعر الإسرائيليون بفقدان السيادة على ما يعتبرونه عاصمتهم في القدس، بعد أن فضت صواريخ المقاومة التي انطلقت من غزة، مسيرة الأعلام.
تباعاً، حاول الفلسطينيون اللجوء للعلم الفلسطيني لرفعه في ساحات المسجد الأقصى، كرسالة تأكيد على هوية المدينة، وهو ما حاولت إسرائيل مواجهته من خلال اعتقال كل من يحاول رفع العلم الفلسطيني في مدينة القدس.
ظهر هذا الأمر جلياً في فض الشرطة الإسرائيلية لجنازة الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، حين اشترط المفتش العام للشرطة يعقوب شبتاي، ألا ترفع الأعلام الفلسطينية في جنازة أبو عاقلة، وهو ما يفسر السلوك العنيف لتعامل الشرطة الإسرائيلية مع الحدث.
وحتى يوم أمس حاولت حكومة نفتالي بينيت من خلال الإصرار على مسيرة الأعلام بهدف تسجيل انتصار في معركة الصورة، من خلال رفع العلم الإسرائيلي وتنفيذ مسيرة الأعلام التي جابت شوارع البلدة القديمة.
جنون إسرائيلي حيال العلم الفلسطيني
تقول الكاتبة والناشطة السياسية الإسرائيلية، أورلي نوي، إن "هناك تفسيرين للجنون الإسرائيلي حيال العلم الفلسطيني، كلاهما مرتبط بالحمض النووي العميق للنظام الصهيوني منذ نشأته، الذي يسعى إلى مواجهة الخصوم من كافة النواحي الثقافية والهوية ووراثة المكان والأرض وتزوير التاريخ".
التفسير الآخر هو "الحاجة الماسة للاحتفاظ بعدو، لتغذية موقف الضحية الأبدية التي تمارس إسرائيل باسمها كل الجرائم والأفعال، ورغم أن التهديد الإيراني يفقد فاعليته والعلاقات مع الدول العربية تتحسن، إلا أن الإسرائيلي يسعى إلى البحث عن عدو قريب وسهل يمكن ضربه بسهولة وهو العلم الفلسطيني".
وكان رئيس بلدية القدس موشيه ليون، قد أدان تعليق المقدسيين للعلم الفلسطيني فوق أسوار المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، لأنه "يعتبر تحدياً للسيطرة الإسرائيلية على المدينة، وينتهك سيادة ووحدة عاصمة إسرائيل".
حتى إن بعض النواب المتطرفين ذهب بعيداً في تجريم رفع العلم الفلسطيني، حيث طالب النائب عن الليكود ميكي زوهار بفرض عقوبات مشددة تصل إلى الترحيل، لكل من يرفع العلم الفلسطيني أو يقوم بحرق العلم الإسرائيلي في القدس.
تغير الموقف الإسرائيلي
حتى هذا اليوم، فإن رفع العلم الفلسطيني لا يعتبر جريمة يحاسب عليها القانون الإسرائيلي، فمنذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، أصدر المستشار القضائي للحكومة توجهاً إلى السلطات بعدم فتح ملف جنائي ضد من يرفع العلم الفلسطيني، وفُسر ذلك على أنه اعتراف إسرائيلي بالسلطة الفلسطينية، لأن الحالة التي كانت سائدة قبل اتفاق أوسلو هو اعتبار العلم الفلسطيني، بمثابة علم لمنظمة إرهابية في إشارة لمنظمة التحرير.
استمر الوضع على ما هو عليه حتى العام 2021 بعد معركة سيف القدس، حينما عدل المستشار القضائي للشؤون الجنائية من موقفه، الذي اعتبر أنه لا توجد حصانة مطلقة لرفع العلم الفلسطيني، وعليه فإن التوجيهات للسلطات المحلية بالتعامل وفقاً للحاجة مع حالات رفع العلم في حال شكلت خللاً بالنظام العام أو كانت بمثابة تهديد لسلامة الجمهور، وعلى الشرطة إزالة العلم.
وكشفت إحصاءات نشرتها جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، أن غالبية الاعتقالات التي تمت في شرق القدس من بين صفوف شبان وفتية خلال العام الأخير كانت بسبب رفعهم العلم الفلسطيني.