تخطو السلطات المصرية خطوات متباينة كل عام نحو مصطلح "رقمنة" الصحف ودمج المؤسسات القومية الكبرى (المملوكة للدولة)، وكان آخرها إيقاف إصدار مجلة الكواكب أشهر وأقدم مجلة فنية محلية والتي صدر عددها الأول قبل 90 عاماً، وفق قرار صدر عن الهيئة الوطنية للصحافة في مصر.
القرار جاء لإعلان شهادة وفاة "الكواكب"، خلال اجتماع للهيئة الوطنية، الخميس 26 مايو/أيار 2022، ونص على دمج مجلتي الكواكب وطبيبك الخاص في مجلة حواء (متخصصة في شؤون المرأة، وجميعها تصدر عن مؤسسة دار الهلال)، مع إنشاء موقع إلكتروني لكل إصدار، وذلك اعتباراً من العدد الأول لشهر يونيو/حزيران المقبل.
إعلان شهادة الوفاة دفع الصحفي المصري أحمد حسن الشرقاوي، نائب مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط سابقاً، للإعراب عن خوفه من مستقبل الصحافة في مصر وقال: "ليس مهماً أن يكون الوسيط ورقياً أو إلكترونياً.. الأمر مختلف، لأن السؤال ليس هو: هل المستقبل للورقي أم للإلكتروني لأن المسألة في مصر تتجاوز ذلك إلى مستقبل مهنة الصحافة في حد ذاته".
السيطرة على مستقبل الصحافة وهم كبير
الشرقاوي أضاف في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنه رغم أهمية تحويل المؤسسات الصحفية الورقية إلى رقمية لكن السلطات في مصر "تظن بسيطرتها التامة الكاملة الشاملة على المؤسسات الصحافية سيكون بمقدورها السيطرة على اتجاه المستقبل؛ وهذا وهم كبير".
وحول مخططات السلطات في مصر، نحو إغلاق الصحف خلال الأعوام المقبلة، أوضح الشرقاوي:" لكل مؤسسة ظروفها.. الأهرام تختلف عن دار التحرير، عن وكالة أنباء الشرق الأوسط.. كل مؤسسة لها ظروف مختلفة، وكما رأينا خلال الساعات الماضية عندما تسربت أنباء عن استحواذ الشركة الوطنية للإعلام (تابعة لجهاز الاستخبارات العامة المصرية) على مؤسسات صحافية عريقة مثل الأهرام ودار التحرير ووكالة "أ ش أ" التي عملت بها لأكثر من 20 عاماً، تراجعت الليلة الماضية ونفت هذا الاستحواذ لأنه ببساطة (غير دستوري).. والمؤسسات الصحافية القومية مملوكة للشعب ويحميها الدستور من تغول السلطة التنفيذية".
ويأتي القرار بعد نحو عام من إعلان الهيئة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصحافة المصرية، تحويل إصدارات مسائية لمؤسسات صحفية قومية إلى النسخة الإلكترونية، وإلغاء طبعاتها الورقية التي يعود تاريخ نشأتها إلى منتصف القرن الماضي.
ومن أبرز هذه الإصدارات التي توقفت عن الطبع "الأهرام المسائي" التابعة لمؤسسة الأهرام، و"الأخبار المسائي" الصادرة عن مؤسسة أخبار اليوم، و"المساء" والتي تعد أول جريدة مسائية في مصر وكانت صوتاً لثورة 23 يوليو/تموز 1952 والتي تصدر عن مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر.
حيلة شكلية
وفي تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، قال الكاتب الصحفي المصري قطب العربي، الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في مصر سابقاً، إن تحويل الإصدار الورقي إلى إلكتروني هو مجرد حيلة شكلية انتقالية من السلطات في مصر لتخفيف ردود الفعل.
وتابع قطب: "تحويل هذه المجلات والصحف إلى نسخ إلكترونية لن يعطيها قبلة الحياة، فغياب الحرية والإدارة الرشيدة هو الأزمة الحقيقية، وهذا ينطبق أيضاً على الإصدارات الإلكترونية".
وأشار قطب إلى أن غياب الحرية، أفقد الوسائل الصحفية المختلفة التنوع الذي يبحث عنه القارئ؛ وبذلك أعزف عن شراء الصحف الورقية؛ مما يزيد خسائرها وأعباءها وتضطر بعد ذلك لتقليص رواتب ومكافآت وتسريح بعض موظفيها.
بينما علق الإعلامي محمود سعد، في مقطع مصور، وقال: "رأيي أن مجلة الكواكب تتباع مع مجلة المصور في عدد أسبوعي؛ كي نحافظ على تاريخ المجلة، أو تبقى مع مجلة حواء نفس الحكاية".
دار الهلال
وتعتبر مؤسسة دار الهلال من أقدم المؤسسات الثقافية والصحفية المصرية، وصدر العدد الأول منها عام 1892، وطوال تاريخها صدر عنها العديد من المجلات العريقة التي لا يزال بعضها موجوداً حتى الآن.
كما لا يوجد حصر دقيق للعاملين بدار الهلال أو بالمؤسسات القومية عموماً، والبالغة 8 مؤسسات تقدم نحو 55 إصداراً مختلفاً، غير أن بعض التقارير الإعلامية تقدر عدد العاملين بتلك المؤسسات بنحو 30 ألفاً ما بين صحفيين وإداريين.
بينما تتراوح ديون المؤسسات القومية بين نحو 14 و25 مليار جنيه، وهي تقديرات أسفرت عن جدل تحت قبة البرلمان العام الماضي، حول الرقم الفعلي للديون، التي تراكمت بالتزامن مع تراجع مبيعاتها.