من المتوقع أن تشمل مبادرة "لم الشمل" في الجزائر الشخصيات التي قد تكون معنية بالتصالح والخروج من السجن، من بينهم شقيق الرئيس السابق ومستشاره سعيد بوتفليقة، الذي لم توجه له أية تهمة فساد مالي حتى الآن، ونال حكمين بالبراءة.
مازالت مبادرة "لم الشمل" تثير الكثير من الجدل في الجزائر، والتي أشار لها الرئيس الجزائري في كلمة أمام الجالية الجزائرية بتركيا خلال زيارته الأخيرة إليها، دون أن يعطي تفاصيل كثيرة.
ورغم أن الكثير من النشطاء في الخارج والمطلوبين انخرطوا فيها، وسُمح لبعضهم بالعودة إلى البلاد، والتقى تبون بالعديد من الشخصيات السياسية في إطار "لم الشمل"، إلا أنها لم تحدد بوضوح مَن المعنيون بالمبادرة، وهل تقتصر على نشطاء الحراك فقط أم تتعداهم لتشمل رجالات نظام عبد العزيز بوتفليقة المسجونين؟
وكانت الحكومة الجزائرية قد سنت قانوناً يسمح بالمصالحة المالية مع رجال الأعمال، وتم الترويج له إعلامياً، لكن الحديث توقف عنه فجأة.
وكشفت "عربي بوست" وقتها أن الحكومة فتحت باب التفاوض مع رجالات بوتفليقة داخل السجون مطلع السنة الجارية عبر دفاعهم، لكن المفاوضات توقفت دون سابق إنذار.
هل بوتفليقة معنيّ بـ"لم الشمل"؟
حصل سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة ومستشاره والحاكم الفعلي للجزائر سنوات مرض الرئيس الراحل، على البراءة في قضية جديدة تتعلق بالتأثير على القضاء.
وتعد هذه القضية الثانية التي يتم النطق فيها ببراءة سعيد بوتفليقة بعد قضية التآمر التي أدين فيها ابتدائياً بـ15 سنة سجناً نافذاً، قبل أن يستأنف الحكم وينال البراءة رفقة رئيسي جهاز المخابرات السابقين محمد مدين وبشير طرطاق.
ومازال شقيق بوتفليقة الأصغر يقبع في السجن على ذمة قضيتين: إحداهما تتعلق بالتمويل الخفي للحملة الانتخابية لشقيقه خلال الانتخابات الرئاسية في 2019، قبل إلغائها بسبب اندلاع الحراك الشعبي، والثانية ترتبط بتمويل الإرهاب.
ومن المتوقع أن يخرج سعيد بوتفليقة بريئاً أيضاً من تهمة تمويل الإرهاب، باعتبار أن حيثيات القضية تتحدث عن تمويله قناة "أمل تي في"، التي كانت تبث من فرنسا لصاحبها الضابط الأسبق بالجيش الجزائري هشام عبود.
وتستند الاتهامات في هذه القضية على أن مستشار بوتفليقة موّل شخصاً تضعه الحكومة على قوائم الإرهاب لفتح قناة تلفزيونية.
لكن دفاع بوتفليقة من السهل أن يُبرّئه من القضية، خاصة أن وقت التمويل لم يكن صاحب القناة قد أدرج على لوائح الإرهاب؛ إذ تم التمويل سنة 2019، بينما اعتُبِر عبود إرهابياً سنة 2021.
وبذلك يتبقى لبوتفليقة قضية واحدة مرتبطة بالتمويل الخفي للحملة الانتخابية لشقيقه، وفي حال تبرئته أو إصدار حكم أقل من 3 سنوات سيجد نفسه خارج السجن باعتباره قضى المدة المحكومة في السجن وهو على ذمتها وذمة قضايا أخرى.
رحيل الخصوم
إضافة إلى تبرئة سعيد بوتفليقة من القضايا الواحدة تلو الأخرى، وإطلاق السلطات الجزائرية مبادرة لم الشمل، هناك عامل آخر يصب في مصلحة الحاكم الفعلي السابق للجزائر قد يساعد في خروجه من السجن، وهو رحيل خصومه السياسيين عن السلطة.
يدرك القاصي والداني في الجزائر أن الخصم اللدود لسعيد بوتفليقة كان قائد أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، الذي كان وراء تنحية شقيقه من الحكم وسجنه هو.
ولا يخفي بوتفليقة ذلك؛ حيث يحمل مسؤولية سجنه خلال استجوابه في المحكمة إلى قايد صالح، ويعتبره أحد أسباب تدهور أوضاع البلاد خلال السنتين الماضيتين.
وبوفاة قائد الأركان السابق، رحل الكثير من المقربين منه، الذين كانوا يشاركونه العداء لسعيد بوتفليقة، بسبب استئثاره بالحكم، واحتمائه في آخر أيام حكم شقيقه بقائد المخابرات الأسبق محمد مدين.
المصلحة تقتضي بقاءه في السجن
قال سعيد بوتفليقة، في إحدى محاكماته، إنه يملك أسراراً يمكن أن تزعزع أركان الدولة لو أفشى بها، وأثار هذا التصريح الكثير من ردود الأفعال في البلاد، لا سيما في الأوساط السياسية والأمنية.
ورأى البعض أن تصريح بوتفليقة فيه نوع من التهديد للدولة، يقتضي عدم التفكير في إطلاق سراحه على الأقل في الوقت الراهن، وذلك حفاظاً على مصلحة البلاد، لا سيما أنه كان الحاكم الفعلي للجزائر طيلة سنوات مرض شقيقه عبد العزيز، ويعلم كل كبيرة وصغيرة في الدولة.
ولا يستبعد أن يتم فتح ملفات أخرى تتعلق بذمة سعيد بوتفليقة المالية، من أجل إبقائه لسنوات أخرى في السجن، خاصة في حال تمت تبرئته من قضية التمويل الخفي لحملة شقيقه الانتخابية سنة 2019، أو نيله حكماً مخففاً فيهاً.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”