تعاني روسيا من موجة اختراقات وتسريبات غير مسبوقة منذ الحرب على أوكرانيا، والتي شجعت العديد من القراصنة على استهداف المجال الأمني السيبراني الذي كان محاطاً بهالة كبيرة منذ أكثر من عقد من الزمان، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الأحد 1 مايو/أيار 2022.
تقرير الصحيفة الأمريكية أشار إلى أن المهاجمين الرقميين نهبوا بيانات مالية وسلموا آلاف رسائل البريد الإلكتروني إلى ناشطين مناهضين للسرية.
ويمثل ما تم نشره من كلمات المرور والبيانات الحساسة الأخرى من روسيا في شهر مارس/آذار الماضي، 50% مما تم نشره على مستوى العالم، بعد أن كانت واشنطن في المقدمة، وفقاً لإحصائيات حديثة لشركة الأمن "سيرف شارك".
ماذا تتضمن الوثائق المسربة؟
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن الوثائق الروسية المنشورة تتضمن ذاكرة تخزين مؤقت من مكتب إقليمي للهيئة الحكومية المنظمة لوسائل الإعلام، والتي كشفت عن الموضوعات التي كان النظام الروسي يهتم بمتابعتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الهيئة كانت تقدم تقاريرها إلى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، والذي اعتقل الأشخاص الذين يشتكون من سياسات الحكومة على مواقع التواصل.
كما كشف تسريب آخر من شركة البث الإذاعي والتلفزيوني الحكومية لعموم روسيا، عن 20 عاماً من رسائل البريد الإلكتروني من السلسلة الإعلامية المملوكة للدولة.
كتيبة الشبكة 65
الصحيفة أشارت أيضاً إلى أن بعض هذه التسريبات، حدثت من قبل مجموعة صغيرة من الناشطين في القرصنة تسمى "كتيبة الشبكة 65″، تشكلت عندما كانت بوادر الحرب تلوح في الأفق، وبالتحديد في أكتوبر الماضي.
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤولين في هذه المجموعة قولهم "إنهم لا يحصلون على توجيه أو مساعدة من المسؤولين الحكوميين في أوكرانيا أو في أي مكان آخر".
المتحدث باسم المجموعة أوضح: "نحن نعمل من خلال بنيتنا التحتية الخاصة، ونوفر وقتاً خارج وظائفنا، ولا نطلب شيئاً في المقابل، لأننا نعتقد أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله".
وسلَّطت الصحيفة الضوء على أنه "ربما كانت الضحية الأكثر أهمية لموجة الهجمات هي انهيار أسطورة التفوق الإلكتروني الروسي، والتي ساعدت لعقود من الزمن في تخويف المتسللين في البلدان الأخرى، وحتى المجرمين داخل حدودها".
من جانبها، قالت إيما بيست، المؤسسة المشاركة لـ"دي دي أو سيكريتس"، وهو موقع غير هادف للربح يعمل على نشر التسريبات بدأ في 2018، "إن الشعور بأن روسيا محظورة إلى حد ما، أمر انتهى، وأن اختراق مصالح النظام الروسي وبنيته التحتية الداعمة له يعد أحد أشكال الاحتجاج على نظام غير عادل".
وحول الهدف من هذه العمليات، أشارت بيست إلى أن الهدف هو فضح الدور الروسي في مجالات عديد من بينها الدعاية والطاقة، فضلاً عن "التنكيل الرمزي ببوتين وبعض الأوليغارشية".
أوكرانيا والمخترقون
الصحيفة أضافت أن المخترقين المتطوعين حصلوا على دفعة هي الأولى من نوعها من حكومة أوكرانيا، التي أيدت جهود المتسللين، واقترحت أهدافاً من خلال قناة "IT Army" الخاصة بها على تطبيق "تليغرام"، حيث قام الحساب، بتوزيع بيانات تم اختراقها بما في ذلك أسماء القوات ومئات من عملاء جهاز الأمن الروسي الفيدرالي.
فيما نقلت الصحيفة عن محلل في شركة "فلاش بوينت" الأمنية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن "هناك مؤسسات حكومية في أوكرانيا مهتمة ببعض البيانات وتساعد بنشاط في بعض هذه العمليات".
بينما قال باحثون إن المجرمين العاديين الذين ليس لديهم مصلحة أيديولوجية في الصراع دخلوا أيضاً في هذه الجهود من أجل الحصول على المال، مستغلين انشغال الفرق الأمنية الروسية ضد هذا الكم الكبير والجهد غير العادي من القرصنة.
وبعد فترة وجيزة من الغزو، أعلنت إحدى أكثر عصابات برامج الفدية الروسية شراسة "كونتي" أنها ستتصدى لعمليات القرصنة وستعمل على حماية المصالح الروسية في الفضاء الإلكتروني، لكن هذا التعهد جاء بنتائج عكسية بطريقة مذهلة؛ لأن هذه المجموعة كان لها ممثلون في أوكرانيا، ما جعل أحدهم يقوم بعد ذلك بنشر أكثر من 100 ألف محادثة جماعية داخلية، وشفرة مصدر برنامجها الأساسي، ما يسهل على برامج الأمان اكتشاف الهجمات ومنعها.
وقالت مجموعة "كتيبة الشبكة 65": "أردنا أن نذيق روسيا بعضاً مما تسببه من الألم للشركات في جميع أنحاء العالم"، مشيرة إلى أنه "بمجرد أن تنهي روسيا هذا الغباء في أوكرانيا، سنوقف هجماتنا تماماً".
وبعد أن كانت واشنطن تعاني من عمليات القرصنة الروسية التي تزايدت في الفترة الأخيرة على يد عصابات إجرامية ذات دوافع مالية، أصبحت روسيا، في الشهر الثالث من الحرب، هي التي تعاني من موجة قرصنة غير مسبوقة تجمع بين نشاط الحكومة والتطوع السياسي والعمل الإجرامي.