اندلعت حالة من التوتر الأمني في إقليم ترانسنيستريا الواقع بجمهورية مولدوفا، والمعروف بموالاته لروسيا، الإثنين 25 أبريل/نيسان 2022، وذلك على أثر انفجارات وقصف مفاجئ استهدف مواقع، من بينها ثكنة عسكرية، بعد تهديد روسي في وقت سابق.
يأتي هذا التوتر بعد شهرين من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ما يجدد المخاوف من تطلعات روسيا إلى تشكيل منطقة تحت سيطرتها تكون شريطاً واصلاً بين مولدوفا وأوكرانيا؛ لتمديد السيطرة الروسية في المنطقة.
فما هو هذا الإقليم وما أهميته بالنسبة لروسيا؟ وهل يكون هو الخطوة التالية لتحرُّكاتها العسكرية بعد حسم المعركة في أوكرانيا؟
أين يقع إقليم ترانسنيستريا؟
كانت مولدوفا، الدولة الصغيرة الواقعة في أوروبا الشرقية، والمحصورة بين أوكرانيا ورومانيا، جزءاً من رومانيا. وتم دمجها في الاتحاد السوفييتي عام 1940، وفقاً للموسوعة البريطانية Britannica.
وبعد 5 عقود، أدى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى نشوب صراع أهلي في أوائل التسعينيات بين جمهورية مولدوفا المستقلة حديثاً والانفصاليين في ترانسنيستريا، الذين أرادوا الحفاظ على العلاقات السوفييتية.
المنطقة ذات الأغلبية الناطقة بالروسية والواقعة بين نهر دنيستر وحدود أوكرانيا، انفصلت بشكل عملي عن مولدوفا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وفي عام 1992، حينما خاض الانفصاليون حرباً مع حكومة مولدوفا الموالية للغرب، انتهت بسقوط مئات القتلى وتدخّل الجيش الروسي الذي وقف في صف المتمردين ورجّح كفّتهم في المعادلة.
وفي استفتاء أُجري عام 2006، لم يعترف به المجتمع الدولي، أيد 97.1% من الناخبين خيار الانضمام إلى روسيا، مما أحبط تطلعات مولدوفا في اتباع رومانيا ودول شرق أوروبا الشيوعية سابقاً بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويسيطر الانفصاليون الموالون لروسيا على ترانسنيستريا التي تستضيف بشكل دائم، 1500 جندي روسي، إضافة إلى مستودع أسلحة كبير.
تأثير روسي عميق ممتد عبر التاريخ
لا يزال إقليم ترانسنيستريا يستخدم الأبجدية السيريلية ولديه عملته الخاصة (الروبل الترانسنيستري) وقوات الأمن وجواز السفر الخاص به، على الرغم من أن معظم سكانه الذين يقدر عددهم بنحو 465.000 نسمة، لديهم الجنسية المولدوفية أو الروسية أو الأوكرانية المزدوجة أو الثلاثية.
ويتحدث غالبية السكان بالروسية، بينما يهيمن المتحدثون الرومانيون على بقية مولدوفا.
وتشير صحيفة The Guardian إلى أن إقليم ترانسنيستريا أيضاً مليء بالرموز السوفييتية.
على سبيل المثال: عَلمها مزين بمطرقة ومنجل، ويلوح تمثال ضخم للينين في وسط مدينتها الرئيسية تيراسبول، كما يجلس تمثال نصفي للزعيم البلشفي خارج دار البلدية، أو بيت السوفييت كما يسميه المواطنون.
ما هي التطلعات الروسية لهذا الإقليم؟
صرح رستم مينيكايف، القائم بأعمال قائد المنطقة العسكرية المركزية في روسيا، وفقاً لوكالة الأنباء الروسية "إنترفاكس"، بأن السيطرة على جنوب أوكرانيا طريقة أخرى للوصول إلى إقليم ترانسنيستريا، زاعماً أن مثل تلك الخطوة ستأتي رداً على ما يحدث هناك من "اضطهاد للسكان الناطقين بالروسية"، بحسب قوله.
ولم يتضح ما إذا كان تصريح مينيكايف يعكس موقف الكرملين الرسمي. يتزامن ذلك مع محاولات روسيا التي باءت بالفشل في الأسابيع الأولى من الحرب، التقدم في جنوب غربي أوكرانيا، المنطقة التي ستحتاج إلى تأمينها للوصول إلى الحدود مع إقليم ترانسنيستريا.
ومع ذلك، فقد أثار ذلك نقاشاً عالمياً حول الإقليم الانفصالي الذي يمثل تحدياً مباشراً هو الأكبر من نوعه لمولدوفا حتى الآن.
عطفاً على التطورات، استدعت مولدوفا السفير الروسي، في وقت لاحق؛ للتعبير عن "القلق العميق" بشأن تصريحات مينيكايف.
وقالت وزارة الخارجية المولدوفية، في بيان نقلته صحيفة Washington post، إن "هذه التصريحات لا أساس لها وتتعارض مع موقف الاتحاد الروسي الداعم لسيادة جمهورية مولدوفا وسلامتها الإقليمية داخل حدودها المعترف بها دولياً".
من جانبه، يرى مراقبون أنه من غير المرجح أن يكون الجيش الروسي، المتورط حالياً في معركة للسيطرة على شرق أوكرانيا، قادراً على شق مثل هذا المسار والقيام بتلك المجازفة العسكرية المُكلفة.
وعلى الرغم من أن ترانسنيستريا تدعمها موسكو وتستضيف القوات الروسية فيها كما أسلفنا، فإن هذا قد لا يعني أن سكانها يريدون المشاركة في الحرب.
أهمية إقليم ترانسنيستريا لطموحات بوتين
يقول أنطون بارباشين، المحلل السياسي بمجلة Riddle للشؤون الروسية، إن فكرة سعي روسيا لإنشاء رابط جغرافي مع إقليم ترانسنيستريا بدأت "منذ التسعينيات على الأقل".
وتابع أن روسيا لطالما سعت إلى الاحتفاظ بجيوب من النفوذ لها عبر أوروبا الشرقية. وتواصل موسكو دعم ترانسنيستريا الموالية لروسيا بالغاز الطبيعي المجاني والبرامج التقاعدية وغيرها من صور الدعم الاقتصادي؛ لتحافظ على اليد العليا في البلاد.
لكن عندما بدأت مولدوفا بإعلان رغبتها في الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي أوائل مارس/آذار الماضي، أي بعد أسبوع واحد من الهجوم الروسي على أوكرانيا، قال قادة ترانسنيستريا إنه ليست لديهم نية لاتخاذ تلك الخطوة، منادين بتطبيق "دولتين مستقلتين"، والاستقلال رسمياً عن مولدوفا.
بخلاف ذلك، لا تُعد هناك أية قيمة استراتيجية للمنطقة بالنسبة لموسكو.
إذ سيُمثل إرسال قوات إلى هناك مدخلاً لخلق مشاكل أكبر لروسيا، ومن المرجح أن يؤدي إلى عقوبات دولية إضافية ويدمر علاقة موسكو مع مولدوفا، التي تعتبر محايدة دستورياً وقالت إنها لن تنضم إلى الناتو.
ومع ذلك، فإن الحرب في أوكرانيا المجاورة، وحقيقة وجود القوات الروسية بجزء من مولدوفا جعلتا سكان مولدوفا في حالة من التوتر والخوف من أن روسيا قد تتوجه لمهاجمتهم لاحقاً.
كما تصرح الحكومة الأوكرانية في مناسبات عديدة، بأن القوات الروسية المتمركزة في ترانسنيستريا يمكن استخدامها لمهاجمة أوكرانيا.
موقف الإقليم من حرب أوكرانيا التي قد يطاله لهيبها
على الرغم من أن سكان الجمهورية الانفصالية يعتمدون على دعم موسكو، فإن البعض يحمل جوازات سفر مولدوفية ومعظم صادرات إقليم ترانسنيستريا تذهب إلى الاتحاد الأوروبي.
كما لم تعرض سلطات ترانسنيستريا أي دعم علني أو إدانة لغزو روسيا لأوكرانيا.
وبحسب Washington post، قال وزير خارجيتها فيتالي إغناتيف، هذا الشهر، إن ترانسنيستريا لها علاقات عميقة مع أوكرانيا، وإن بلاده تدافع حصرياً عن سلام وأمن جميع الأشخاص الذين يعيشون في إقليم ترانسنيستريا.
وقال إن الجمهورية الانفصالية استقبلت أكثر من 27 ألف لاجئ أوكراني حتى الآن.
وكتب المحلل السياسي الأمريكي كيث هارينجتون على موقع De Facto States: "على ما يبدو، تمنع ترانسنيستريا دعم روسيا في الحرب وبدلاً من ذلك تستخدم استضافتها للاجئين الأوكرانيين كوسيلة لكسب الشرعية الدولية".
وتابع: "لا يمكننا التنبؤ بالكيفية التي ستتطور بها الأشياء. ومع ذلك نظل في حالة تأهب شديد لمجموعة كاملة من التهديدات المُحتملة".