قصة “الحريرة” المغربية.. حساء استثنائي ظهر أول مرة قبل الميلاد ويتربع على عرش الموائد الرمضانية

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/04 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/04 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش
حساء الحريرة (خاص عربي بوست)

لا تخلو المائدة الرمضانية بالمغرب من حساء الحريرة، فهي سيدة المطبخ في هذا الشهر الفضيل؛ حيث تنتشر رائحتها النفاذة في الأزقة ساعات قبل الإفطار.

وكانت مائدة رمضان في الماضي بسيطة تتكون من الحريرة والتمر وحلوى الشباكية والشاي والفطائر مثل المسمن أو البغرير، ورغم التحسينات التي ظهرت بفضل تحسن المستوى المعيشي وظهور أطباق عصرية فإنها لم تستطع إزاحة حساء الحريرة من عرش المائدة في رمضان.

ويرتفع استهلاك المغاربة للطماطم في رمضان بالنظر لكونها جزءاً مهماً من مكونات الحريرة.

وحسب وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، فإنه تم توفير 23 ألف طن من الطماطم في الأسواق في شهر رمضان لتلبية الطلب المتزايد عليها.

أصل الطبق

يعد كتاب الرحالة ابن بطوطة أول مصدر تاريخي يذكر الحريرة بالاسم في سياق وصفه لطعام سكان الهند، إذ ذكر في كتابه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" الذي كتبه في القرن الرابع عشر خلال حديثه عن طعام أهل الهند "وعليه يفطرون وهو عندهم كالحريرة ببلاد المغرب".

وذكر الباحث في المطبخ المغربي والتراث الهواري الحسين في مقال له عن وجبة الحريرة أن هذه الأخيرة هي أقدم وجبة مغربية موثقة في التاريخ؛ إذ بدأ تحضيرها قبل 22 قرناً، وربما قبل ذلك وحملت أسماء مختلفة.

وبالاعتماد على وثيقتين قديمتين، يستنتج الباحث أن تناول هذه الوجبة بدأ في عهد موسطانوس زعيم موريطانيا الطنجية في القرن الأول للميلاد، وعرف هذا الطبق عند المصارعين، كما انتشر على نطاق واسع بين السكان الأصليين، وخاصة سكان الجبال لأسباب صحية أو طبية.

من جهته، يشير أستاذ التاريخ الاجتماعي محمد حبيدة مؤلف كتاب "المغرب النباتي.. الزراعة والأغذية قبل الاستعمار" خلال مشاركته في برنامج تلفزيوني إلى أن موائد رمضان كانت بسيطة بالنسبة لعامة الناس من المغاربة، لكنها لم تكن تخلو من حساء الحريرة، التي ما زالت مقوماتها هي نفسها اليوم، لكن لونها كان شاحباً بسبب عدم إضافة الطماطم عليها، التي لم تكن موجودة آنذاك، إنما جاءت مع المعمرين، فأول حقول للطماطم في المغرب تعود إلى عام 1930، كما أن إضافة قطع اللحم إليها لم تظهر إلا في السنوات الأخيرة.

مكوناتها وطريقة تحضيرها 

تنبعث رائحة الحريرة من البيوت لتملأ الأزقة والأحياء في شهر رمضان، كما تعلو أصوات صفارات طنجرة الضغط، الآنية التي يطبخ فيها هذا الحساء.

تقول السيدة فاطنة المهداوية، ربة بيت، إن الحريرة وجبة أساسية على مائدتها ليس في رمضان فقط، بل أيضاً في الأيام الباردة في فصل الشتاء فهي بفضل مكوناتها تمد الجسم بالحرارة. 

توضح المقادير التي تعتمد عليها لتحضير الحريرة وتقول: "أحتاج إلى الطماطم، والبصل، والحمص المنقوع في الماء ليلة كاملة، وقطع اللحم، والعدس، والشعيرية، ثم الكزبرة، والبقدونس، والكرفس، والتوابل".
وتضيف: "يتم تحضير الحريرة في طنجرة الضغط، نضع فيها البصل المقطع قطعاً صغيرة وبعض الزيت، يقلب على نار هادئة ثم نضيف قطع اللحم الصغيرة والملح والفلفل الأسود والزعفران والقليل من الماء، نترك الخليط إلى أن يندمج ثم نضيف الحمص والطماطم المعصورة والعدس والكزبرة والبقدونس والكرفس ثم الماء الساخن ونتركها لتنضج، بعد ذلك نضيف ملعقتين من صلصة الطماطم المركزة ونصل إلى مرحلة تسمى "التدويرة"؛ حيث يمزج الماء مع الدقيق، ونضيفهما إلى الحساء مع التحريك المستمر حتى يتماسك ثم نضيف الشعرية إلى أن تنضج فيصبح الحساء جاهزاً، نضيف بيضة إلى الخليط حسب الرغبة".

يتطلب تحضير الحريرة وقتاً طويلاً يصل إلى ثلاث ساعات، وتقدم في سلطانية تسمى في المغرب "زلافة" وتصنع من الخزف.

القيمة الغذائية

رغم اختلاف الروايات التاريخية عن أصل الحريرة والتطور الذي عرفته في مكوناتها عبر قرون، فإن المتخصصين في التغذية يؤكدون على قيمتها الغذائية ويقدمون نصائح لتحضيرها بشكل صحي، ويدعون إلى تجنب بعض الإضافات من أجل حريرة صحية ومتكاملة.

وتقول أسماء أوزاكى، أخصائية في التغذية والحمية العلاجية، إن الحريرة تصنف من بين الأطباق الكاملة، لأن فيها نسبة من البروتينات والنشويات ونسبة من الدهنيات والفيتامينات والأملاح المعدنية.

وتنصح أسماء في حديث مع "عربي بوست" بعدم تناول الحريرة مع حلوى الشباكية في نفس الوقت، وتوصي بتجنب التدويرة بالطحين الأبيض والاعتماد على الخميرة البلدية كما كانت الجدات تفعلن لتجنب الإمساك والانتفاخ.

وتنصح أسماء بعدم وضع أنواع مختلفة من القطاني دفعة واحدة في الحساء مثل الحمص والعدس والفول إلى جانب اللحم، بل تؤكد ضرورة اختيار نوع واحد من القطاني فقط وتجنب الطماطم المركزة من أجل تصفية الجسم من السموم ومن كل المكونات الصناعية في هذا الشهر الكريم.

وتؤكد أهمية الكزبرة والبقدونس والكرفس في الحريرة وغناها بالفيتامينات ودورها في تحسين الدورة الدموية.

وتلفت أسماء أوزاكى إلى أن رمضان فرصة لتحسين الحالة الصحية وإراحة الجهاز الهضمي، لذلك تشدد على أهمية تناول أطعمة صحية تمنح الجسم الطاقة ولا تسبب الخمول.

تحميل المزيد