في خضم تصاعد عمليات الداخل المحتل الأخيرة التي تضرب الداخل الإسرائيلي، تواجه حكومة نفتالي بينيت انتقادات حادة من أوساط سياسية وعسكرية من داخل الحكومة والمعارضة، تتهم فيها الحكومة بالتقصير في التعامل مع ملف التهديدات الداخلية، وعدم استخلاص النتائج من موجات العنف التي ضربت العمق الإسرائيلي في السنوات الأخيرة.
وفي مقال للكاتب موشيه شتاينميتز لهيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان 11"، أشار فيه إلى أن الحكومة الحالية لم تستخلص العبر من أحداث معركة سيف القدس، في مايو/أيار 2021، حينما أظهرت هذه الحرب قصوراً في الجبهة الداخلية، وعدم جاهزية قوات الشرطة والجيش للتعامل مع حوادث إطلاق النار في مدن الداخل.
"رغم أن الاستخلاصات الرئيسية بعد انتهاء الحرب الأخيرة أظهرت عدم وجود عناصر كافية من قوات الشرطة وحرس الحدود للتعامل مع أحداث الشغب والعنف في الداخل، فإن حكومة بينيت لم تأخذ بهذه التوصيات بعد عام على إنشائها".
قصور في أداء الشرطة
ويضيف "صحيح أنه تم إنشاء فرقتين جديدتين من قوات الاحتياط يتم استدعاؤهم في أوقات الطوارئ، وتخصيص 250 شاغراً في قوات شرطة حرس الحدود، ليصبح إجمالي الزيادة التي طرأت 800 عنصر فقط خلال عام واحد، إلا أن المفوض العام للشرطة، وفي تعقيبه على عملية بئر السبع، أقر بحقيقة عدم وجود قوات كافية من الشرطة للتعامل مع سيناريو عودة العمليات للداخل، وأن الحاجة تستدعي تجنيد 4 آلاف عنصر جديد في جهاز الشرطة".
وأقر بينيت بالقصور الذي عانت منه الشرطة الإسرائيلية، قائلاً: "أُهملت الشرطة ولم تتم تلبية الاحتياجات العملياتية اللازمة للوفاء بمهامها، وها نحن نقوم بإصلاح هذا الأمر، ونخصص الآن موارد كبيرة للوفاء بالمهمة الشاملة وهي حماية السلامة العامة".
الخشية لدى بينيت من أن تستغل المعارضة الأحداث الجارية للضغط عليه لتفكيك الائتلاف الحالي، كون القصور الأكبر في التعامل مع الأحداث الجارية ليس مرتبطاً بعدد قوات الشرطة، بل بفشل توقعات وتقديرات جهاز الأمن العام "الشاباك"، الذي يديره مكتب رئيس الحكومة بشكل مباشر بشأن موجة العمليات الأخيرة.
واستدعت هذه الاتهامات خروج وزير الخارجية يائير لابيد، الذي يمثل القطب الثاني في الحكومة، لمطالبة الجمهور بعدم مهاجمة الشاباك واتهامه بالفشل، قائلاً: "لا يوجد شيء اسمه نجاح 100%، والانتقادات الشديدة الموجهة لجهاز الشاباك تنم عن عدم مسؤولية وطنية تجاه الجهاز".
قرارات استثنائية بعد عمليات الداخل المحتل
يأتي ذلك في إطار مصادقة الحكومة، الخميس 31 مارس/آذار 2022، على تخصيص موازنة طوارئ بقيمة 181 مليون شيكل (60 مليون دولار)، لتعزيز قوات الشرطة، ستخصص لإنشاء لواء جديد من الاحتياط ضمن قوات حرس الحدود، وتجنيد 200 جندي بشكل دائم في قوات الشرطة، وشراء 6500 سترة واقية و4 آلاف خودة، و40 دراجة نارية، وتجهيز 10 سرايا من حرس الحدود في الاحتياط، وتجنيد المتطوعين وتوحيد الحرس الوطني.
واستدعت موجات العنف الأخيرة دخول الجيش على خط المواجهة، إذ صادق وزير الدفاع بيني غانتس على سلسلة قرارات وُصفت بالاستثنائية، من بينها نقل ألف مقاتل من الجيش للعمل كقوات مساندة للشرطة في الداخل، ما يعني تغييراً في مهام الجيش من رصد التهديدات الخارجية إلى تعزيز الأمن في الداخل، بالإضافة لتولي الجيش مهام تجنيد وتدريب المقاتلين الجدد والمتطوعين في قوات حرس الحدود، ونقل 10 كتائب عسكرية من الجيش للانتشار في الضفة الغربية والقدس، وكتيبتين على غزة.
فيما أشار المتحدث باسم الجيش أن "وزير الدفاع صادق على أمر استثنائي لخدمة الاحتياط على أساس تطوعي، بتخصيص 300 جندي (3 سرايا) من قوات الجيش للعمل كقوات حرس الحدود لغرض تعزيز القوات في إطار عملية "كاسر الأمواج"، بناء على توصيات الشرطة، وسيكون الأمر الاستثنائي ساري المفعول لمدة شهر واحد".
كما شرعت قوات الجيش، الجمعة 1 أبريل/نيسان 2022، إلى سد الثغرات في الجدار الفاصل بين مناطق الضفة الغربية وإسرائيل، في أعقاب الكشف أن منفذ عملية بني براك ضياء حمارشة تسلل إلى الداخل بسيارته عبر إحدى الثغرات في الجدار الفاصل.
يأتي ذلك بعد زيارة أجراها مراقب الدولة ماتنياهو إنجلمان، ورئيس الأركان أفيف كوخافي، في مناطق ما وراء الجدار الفاصل، وتحديداً في الثغرة التي تسلّل منها مُنفذ عملية بني براك الأخيرة بالقرب من مستوطنة ماتان، وقال إنجلمان "هكذا يصل مسلح من جنين إلى بني براك في غضون ساعة، هذا فشل كبير".
وأفادت مصادر إسرائيلية أن قوات الشرطة عززت من وجودها في محيط المسجد الأقصى بأكثر من 300 عنصر، في الجمعة الأخيرة قبل شهر رمضان، تفادياً لأي أحداث عنف قد تشهدها المدينة.
فيما يرى اللواء المتقاعد والخبير العسكري واصف عريقات أن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تغض النظر عن التهديدات من الداخل، مقابل تركيز جهودها العسكرية والاستخبارية على مواجهة التهديدات الاستراتيجية القادمة من غزة ولبنان وإيران، ولكن ضرب العمق الإسرائيلي في ظرف متزامن وخلال وقت قصير أحدث حالة من الإرباك لدى الحكومة والمؤسسة الأمنية في التعامل بشكل سليم مع هذه الموجة من العمليات".
وأضاف "هذا الارتباك في تقدير الموقف مرتبط بالعديد من الأسئلة التي تحاول الاستخبارات العسكرية الإجابة عنها، هل العمليات الأخيرة فردية أم منظمة، وهل موجة العنف يمكن احتواؤها، وما علاقة الأحداث في الداخل بالتوترات في الضفة والقدس خلال شهر رمضان".