أبلغ المفاوضون والزعماء السياسيون في العراق موقع Middle East Eye البريطاني، الثلاثاء 29 مارس/آذار 2022، بأن رجل الدين الشيعي والسياسي العراقي النافذ مقتدى الصدر وحلفاءه السياسيين يواجهون صعوبات من أجل العثور على طريقة لتجاوز العقبات التي وضعها أمامه خصومه السياسيون، ومن أجل تشكيل حكومة أغلبية وطنية سوف تهمش القوى الرئيسية المدعومة من إيران.
إذ إن الصراع بين الائتلافين الرئيسيين المتنافسين- المتمثلين في تحالف إنقاذ وطن بقيادة الصدر، والإطار التنسيقي الشيعي بقيادة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي- حول من سيشكل الحكومة، قد وصل إلى ذروته في الأيام الأخيرة.
إذ علم الموقع البريطاني من مصادر من كلا التحالفين أنه من الواضح أن الصدر وحلفاءه لم ينجحوا في إقناع بقية النواب الذين يحتاجون إليهم لتحقيق مرادهم المتمثل في اختيار رئيس الجمهورية وتسمية رئيس الوزراء خلال جلسة اليوم الأربعاء.
وأبلغ مفاوضون من تحالفي الصدر والمالكي موقع Middle East Eye أن جلسة الأربعاء سوف تؤجل على الأرجح وأن شهر رمضان، الذي يبدأ الأسبوع المقبل، سوف يكون بمثابة فرصة ملائمة لمزيد من المفاوضات.
فيما قال مفاوض في تحالف إنقاذ وطن خلال حديثه مع الموقع: "الانسداد لا يزال قائماً. لم يتغير شيء حقاً. احتمالية عقد الجلسة ضئيلة للغاية" وأضاف: "لا نعتقد أن النصاب القانوني سوف يتحقق في جلسة الغد، وأنها سوف تؤجل مرة ثانية. في كل الأحوال، سوف تتوقف الجلسات البرلمانية خلال شهر رمضان وسوف يقدم هذا فرصة لجميع الأطراف للتفاوض وحل المشكلات".
عنق زجاجة كردي
من المعروف أن الأكراد منقسمون إلى ثلاث جماعات: الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح، وحراك جيل جديد بقيادة شاسوار عبد الواحد وقد تسببت معارضة كل منهم للآخر في خلق عنق زجاجة سياسي.
إذ قال زعيم في الاتحاد الوطني الكردستاني مقرب من صالح: "لأكون صريحاً، القوى السياسية الكردية هي السبب في الانسداد الحالي. إن الانسداد السياسي الحالي في أعلى مستوياته، والجميع يصرون على العناد ويرفضون التسوية مع الآخر". وأضاف: "لا نتوقع إحراز أي تقدم قريباً. الموقف معقد للغاية ويصعب الخروج منه، وقادة كلا الحزبين [الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني] يرفضون الإنصات إلى أي تسوية مقترحة".
منذ عام 2005، تشهد اتفاقية لتقاسم السلطة تولي الاتحاد الوطني الكردستاني رئاسة العراق، وتولي الحزب الديمقراطي الكردستاني تعيين رئيس إقليم كردستان شبه المستقل في العراق، وممارسة السلطة من مدينة أربيل.
وعندما تحالف الاتحاد الوطني الكردستاني مع حكومة بغداد في 2017، سعى الحزب الديمقراطي الكردستاني لاستقلال كردي عبر استفتاء مثير للجدل، مما زرع بذور الصراع المستقبلي بين الحزبين.
أبلغ قادة سياسيون أكراد موقع Middle East Eye بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني ارتأى أن خطوة الاتحاد الوطني الكردستاني خيانةٌ أبطلت اتفاقية مشاركة السلطة، والآن يسعى الحزب وراء منصب رئاسة العراق المُفضَّل للغاية من جانب منافسه.
وأبلغ زعيم سياسي كردي بارز الموقع قائلاً: "المشكلة الحقيقية أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى للاستيلاء على كل المناصب في منطقة [كردستان] وخارجها، من أجل الإجهاز على خصومه".
كما أوضح: "المسألة تجاوزت مرحلة الانتقام من الاتحاد الوطني الكردستاني. يعرف الحزب الديمقراطي الكردستاني أنه بتجريده الاتحاد الوطني الكردستاني من منصب الرئيس، سوف ينهيه ويشتت جمهوره"، وأضاف قائلاً: "يكمن الهدف في توجيه صفعة قوية إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، والوصول إلى احتكار السلطة".
السيناريوهات المرتقبة
يأتي هذا في وقت يقول فيه المراقبون إن نجاح مشروع الصدر مرهون بعثوره على 20 نائباً برلمانياً يحتاجهم للوصول إلى النصاب القانوني في أقرب وقت ممكن، ويبدو أن الرهان على النواب المستقلين الذين لم يلبوا نداء الصدر في الأسبوع الماضي ليس بالخطوة الواعدة.
إذ علم موقع Middle East Eye من مصادر أنهم تقدموا بـ "مطالب غير واقعية" وأن ثقتهم في الصدر كانت قليلة ولذا توجَّب على رجل الدين الشيعي أن يوسع من نطاق محاولاته من أجل أن يشمل قوى أخرى.
كان الاتحاد الوطني الكردستاني الخيار الأول للصدر، ولذلك في وقت متأخر من أمس الأول الإثنين 28 مارس/آذار، اتصل رجل الدين الشيعي ببافل طالباني، رئيس فريق المفاوضات الخاص بالحزب الكردي، وعرض عليه الحديث.
لكن المفاوضين من كلا التحالفين أبلغوا موقع Middle East Eye أن المكالمة لم تسفر عن تغيّرٍ في الموقف الراهن.
إذا تراجع الحزب الديمقراطي الكردستاني وانسحب من المنافسة على منصب رئيس العراق، سيكون هذا "كافياً للاتحاد الوطني الكردستاني ليتخلى عن اتفاقه مع قوى الإطار التنسيقي الشيعي، ويوجه دعمه لمشروع الصدر"، وذلك وفقاً لما قاله زعيم في ائتلاف الصدر خلال حديثه مع الموقع، وأوضح: "من وجهة نظرنا، نعتقد أن العودة إلى الاتفاق القديم بين الحزبين [الكرديين] سوف يحل المشكلة القائمة".
فيما أضاف: "لم يتدخل الصدر من قبل في المفاوضات بين الحزبين، والآن هبَّ ليشارك بنفسه. دعونا نرى ما سيحدث".
أما السيناريو الثاني، الأقرب للتحقق، فسيكون الإعلان عن تأجيل محاولة تشكيل الحكومة حتى نهاية شهر رمضان في مطلع مايو/أيار.
أبلغ أحد مفاوضي الصدر موقع Middle East Eye: "هذا وقت طويل سوف يتيح لكثير من القوى أن تغير موقفها، سلبياً أو إيجابياً" ولا يُتوقع أن يعارض خصوم الصدر هذا التأجيل، نظراً إلى أنهم يراهنون كذلك على أن الصدر أو عدداً من حلفائه سوف يغيرون مواقفهم ويخففون من حدة موقفهم تجاه حكومة الأغلبية الوطنية.
فيما يتمثل السيناريو الثالث في إعلان الصدر إخفاقه -مثلما تعهد في حال عدم نجاحه- والتخلي عن مشروعه والعودة إلى المفاوضات مع خصومه لتشكيل حكومة توافقية يشارك فيها الجميع. ويمكن أن يعلن كذلك انسحابه وانضمامه إلى المعارضة.
بيد أن تراجع الصدر لا يبدو مرجحاً في أي وقت قريب.
قال زعيم بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني مقرب من بارزاني: "يبدو الجميع مرهقين، والمناخ متوتر وقد ينعكس على الموقف الأمني في أي لحظة. ولذا يبدو أن التأجيل الآن حل سحري لتهدئة الموقف"، وأضاف: "لا أظن أن هناك مشكلة قانونية مع التأجيل. جميع الخصوم يريدون التأجيل أملاً في وصول حل إليهم من السماء… لن يعترض أحد على خيار التأجيل".