أقامت إيران نظاماً مصرفياً ومالياً سرياً لتمرير عشرات المليارات من الدولارات في تجارة سنوية تحظرها العقوبات المفروضة بأمر الولايات المتحدة، وهذا مكن طهران من الصمود أمام الحصار الاقتصادي، ومنحها ورقة رابحة في المحادثات النووية متعددة الأطراف، وفقاً لوثائق ودبلوماسيين غربيين ومسؤولي استخبارات.
وقالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الجمعة 18 مارس/آذار 2022، إن النظام الذي يتألف من حسابات في بنوك تجارية أجنبية، وشركات وكيلة مسجلة خارج البلاد، وشركات تنسق هذه التجارة المحظورة، وغرفة مقاصة لتسوية المعاملات داخل إيران، ساعد طهران على مقاومة ضغوط إدارة بايدن لإعادة إيران إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وكسب الوقت اللازم للتقدم في برنامجها النووي حتى والمفاوضات جارية.
ويُشار إلى أن العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني أعاقته وتسببت في انهيار العملة الإيرانية الريال، لكن القدرة على تعزيز التجارة إلى مستويات مقاربة لما كانت عليه قبل العقوبات ساعدت الاقتصاد على الانتعاش بعد ثلاث سنوات من الانكماش، ما خفف الضغط السياسي في الداخل وعزز موقف طهران في المفاوضات، وفقاً لما يقوله المسؤولون وبعض المحللين.
وتضيف الصحيفة الأمريكية أن نجاح إيران في التحايل على حظر التجارة والتمويل، الظاهر في بيانات التجارة، والمؤكد من الدبلوماسيين الغربيين ومسؤولي الاستخبارات، يُظهر قصور العقوبات المالية العالمية، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخدام قوتهما الاقتصادية لمعاقبة روسيا على هجومها على أوكرانيا.
ووفقاً للوثائق والمسؤولين الغربيين، يعمل هذا النظام المصرفي السري على النحو التالي: البنوك الإيرانية التي تخدم الشركات التي تحظرها العقوبات الأمريكية من التصدير أو الاستيراد تتعامل مع شركات تابعة لها في إيران لإدارة التجارة الخاضعة للعقوبات باسمها.
وهذه الشركات تؤسس شركات خارج حدود إيران، لتكون وكيلة لشركات التجارة الإيرانية. وهذه الشركات الوكيلة تتاجر مع المشترين الأجانب للنفط الإيراني والسلع الأخرى، أو بائعي البضائع لاستيرادها إلى إيران، بالدولار أو اليورو أو العملات الأجنبية الأخرى، من خلال حسابات تُنشأ في بنوك أجنبية.
تُهرَّب بعض الإيرادات إلى إيران عن طريق خدمات نقل تنقل النقود المسحوبة من حسابات الشركة الوكيلة في الخارج، وفقاً لبعض المسؤولين. ويقول المسؤولون الغربيون إن الكثير منها لا يزال في حسابات مصرفية في الخارج. وتتاجر شركات الاستيراد والتصدير الإيرانية بالعملة الأجنبية فيما بينها، على دفاتر حسابات محفوظة في إيران، بحسب البنك المركزي الإيراني.
فيما يقول المسؤولون الغربيون إن هذا النظام السري ناجح لدرجة أن السلطات الإيرانية ترغب في أن تجعله جزءاً دائماً من الاقتصاد، لا لحماية إيران من حملات العقوبات المحتملة في المستقبل فحسب، وإنما لتمكينها من ممارسة التجارة دون تدقيق من الخارج أيضاً.
ويصف أحد المسؤولين الغربيين هذا النظام السري بالقول: "عملية غسيل أموال حكومية لم يسبق لها مثيل".
كما لم تستجب بعثة إيران لدى الأمم المتحدة لطلبات التعليق على هذا النظام المالي. ويشير المسؤولون الإيرانيون علناً إلى محاولاتهم لإحباط حملة الضغط الأمريكية بتطوير "اقتصاد مقاومة"، ولكن لم يسبق نشر بنية وحجم وتفاصيل نظامها للتهرب من العقوبات المالية.