أكد نقيب الصحفيين في تونس، محمد ياسين الجلاصي، في حوار خاصّ مع "عربي بوست"، أن ضغوطاتٍ تُمارَس على الإعلام للترويج وخدمة صوت الرئيس قيس سعيّد، وتهديدات جدية تُحيط بحرية التعبير في تونس، بعد 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ تجميد البرلمان وجمع السلطات بين يدي الرئيس.
وقال النقيب في الحوار إن نقابة الصحفيين في تونس مُضطرة لمواجهة الرئيس، عبر إقرار الإضراب العام في وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وفق نقيب الصحفيين في تونس.
هل كان لإجراءات 25 يوليو/تموز تأثير أو انعكاسات على قطاع الإعلام، من تغييرات في المشرفين على وسائل الإعلام، وتوجهاته بعد أن كان المعروف أن النهضة هي المسيطرة عليه قبل تجميد البرلمان؟
نعم كانت هناك انعكاسات عملية على المؤسسات الإعلامية العمومية خاصة، حيث تمّت تسمية شخصيّات جديدة في الإعلام العام المملوكة من طرف الدولة، كما شهد الخطّ التحريري للتلفزيون الرسمي تغيُّراً تامّاً، ليتحوّل إلى موالٍ بصفة كلّية لرئيس الجمهورية قيّس سعيد، وأصبح تلفزيون الصوت الواحد، وهو صوت الرئيس، وتم إلغاء العديد من البرامج السياسية المُنفتحة على كل الأصوات والأطياف والأحزاب السياسية في البلاد.
في الخلاصة، كان لمسار 25 يوليو/تموز 2021، تأثير وانعكاس سلبي على الخط التحريري وتوجهات الإعلام، من خلال بعض التسميات الجديدة التي تمّ بمقتضاها وإثرها التدخّل في الخطّ التحريري، وخاصة في التلفزيون الرسمي، حيث تم ضرب مبدأ التعددية والتنوّع والموضوعية في تناول الإعلام للملفات المطروحة على المستوى الوطني في كل المجالات.
هل هناك ضغوطات على الإعلام من طرف الرئيس، خاصة العامّ، لاحتكار ومنع المعارضين من الظهور الإعلامي، ما دفعكم للتحرّك والاحتجاج؟
نعم هناك ضغوط على الإعلام، هذا ما تقوله نقابة الصحفيين في تونس، وتعيده في الفترة الأخيرة، بوجود ضغوطات مباشرة وغير مباشرة. المهمّ أن الضغوطات على الإعلام واقعة منذ 25 يوليو/تموز 2021، فمثلاً التلفزيون الرسمي ممنوع على الأحزاب السياسية، وأصبح حِكراً على صوت رئيس الدولة ودائرته للترويج لخطواته، من استشارة إلكترونية وغيرها، وبلغ الأمر حتى تمرير مقاطع فيديو مُسقطة للترويج لأنشطة رئيس الدولة وما يقوم به، وهو ما دفعنا للتحرّك وإقرار مبدأ الإضراب العام في كل مؤسسات الإعلام العام المملوك للدولة، للدفاع عن حقوق الصحفيين في تونس، واستقلالية الخط التحريري للمؤسسات الإعلامية عن كل ضغوطات سياسية مهما كان مصدرها.
في تقديركم، ما مدى جدية التخوفات على مكسب حرية الصحافة والإعلام بعد 25 يوليو/تموز؟ هل يُمكن اعتبار قيس سعيد وفق أفعاله وأقواله حتى اليوم خطراً على حرية التعبير والصحافة؟
الوضع بعد 25 يوليو/تموز 2021 غير ملائم وغير مطمئن لممارسة مهنة الصحافة، فمن أبسط مظاهر التهديدات نجد الاعتداءات الجسدية على الصحفيين في تونس، والميليشيات الإلكترونية التي تقوم بترهيب الرأي المخالف، وتشنّ حملات ضدّهم، وتقوم بسحل الصحفيين في تونس افتراضيّاً… في المجمل الوضع أبعد من أن يمثّل بيئة لحرية التعبير، بل يُمكن القول إنه أشبه بديكتاتوريّة، لكن لا يزال الإعلام في جانب لا بأس منه يعمل باستقلالية.
في الخلاصة، يُمكن القول إن هذه المرحلة صعبة على الإعلام، بعد الثورة التي شهدتها تونس في عام 2011، ولكنها ليست المحاولة الأولى للحكومات والسلطات التي تعاقبت على البلاد، بداية من حركة النهضة، ومن ثمّ نداء تونس، وتحيا تونس، وحكومة المشيشي، واليوم قيس سعيّد، لإخضاع الإعلام وضرب حرية التعبير.
هل تعتقدون أن غلق مؤسسات إعلامية كقناة "نسمة" و"الزيتونة" وإذاعة القرآن الكريم بالقوّة العامة تطبيق للقانون ولقرارات "الهايكا" لا غير، أم يستبطن تصفية الخصوم السياسيين، خاصة أن كل وسائل الإعلام معروفة بمعارضتها لسعيد، بل ومملوكة ومُسيّرة من منافسين مباشرين لسعيّد؟
غلق القنوات غير القانونية هو غلق لقنوات غير قانونيّة، بغض النظر عن الجوانب المحيطة به، فالسؤال الأجدر طرحه لِمَ كانت تعمل تلك القنوات بصفة غير قانونية؟ الجميع يعلم أنها تبث خارج القانون بحماية من الحكومات التي كانت تدعم الفساد والفاسدين. المهمّ اليوم أنها انطلقت في تسوية وضعيّتها، وعادت إحداها للبثّ بعد عمل كبير من طرف النقابة.
هل يستوي تحميل الإعلام جزءاً من المسؤولية فيما آل إليه الوضع في البلاد، من تعكير للأجواء، والعمل كأدوات لأحزاب ولوبيات، وكسب الرضا، وعدم طرح المشاكل الحقيقية، وحتى التضليل ونشر أخبار كاذبة في بعض الأحيان؟
نعم من الممكن تحميل الإعلام جزءاً من المسؤولية، في النهاية نعلم أننا في تونس بعد الثورة عشنا أمام إعلام جماهيري، تتحكّم فيه الأحزاب السياسية ورجال الأعمال النافذون، وكان هناك تدخّل مالي وسياسي كبير لجعل الإعلام يعمل لصالح فئات معيّنة لتزييف وعي التونسيين، خاصة خلال الانتخابات.
الفساد الذي ينخر البلاد، هل بلغ قطاع الإعلام؟
نعم الفساد يشمل الإعلام مثله مثل أغلب القطاعات في تونس، ومن الأمثلة العديدة لمظاهر الفساد شراء الذمم، وتزييف الحقائق خلال الانتخابات، والدعاية المقنّعة، وتحويل اهتمام الرأي العام نحو قضايا جانبيّة وغيرها… هذا كله موجود للأسف.
كيف تتعاملون مع الوضع في حال واصل سعيد في نفس نهج العمل مُنفرداً، واعتمد على رأيه فقط في إصلاح المنظومة الانتخابية في جزئها المتعلق بالإعلام وسبر الآراء؟
نحن في نقابة الصحفيين أمهلنا السلطة في تونس والرئيس قيس سعيد والحكومة الكثير من الوقت، لتدارُك طريقة تعاطيها غير المقبولة مع قطاع الإعلام، ولكن اليوم نجد أنفسنا مضطرّين للدخول في تحركات، وهو ما قمنا به للدفاع عن حرية التعبير وحرية الصحفيين في تونس.
أنتم في نقابة الصحفيين في تونس كنتم من بين المساندين لإجراءات 25 يوليو/تموز، وقرارات رئيس الدولة، ولم تعتبروا أنه انقلاب، ولكن بعد ذلك بدأ موقفكم يتغيّر وتشتدّ معارضة سعيّد وطريقة إدارته للبلاد تدريجيّا، لماذا؟
السؤال يتضمّن الإجابة، نحن في نقابة الصحفيين في تونس اعتبرنا في البداية أن مبادرة رئيس الجمهورية بقرارات 25 يوليو/تموز مبادرة مهمة للقطاع، مع الخراب الذي كانت تعيشه تونس في كل المجالات، ولكن غيّرنا موقفنا بعد ممارسات رئيس الدولة وتفرّده بالسلطة والرأي، وعدم اعتماد التشاور، والتخوين والتشويه للرأي المخالف. في الخلاصة كل ما نراه من تراجع على المستويات، وفتح الباب أمام مسار الحكم الفردي يجعلنا نغيّر موقفنا من الرئيس قيس سعيد ومن مسار 25 يوليو/تمّوز، واليوم انطلقت معركتنا ضدّ سعيد للدفاع عن حرّية التعبير.
أخيراً، هناك تخوّفات من عدم إجراء انتخابات في تونس كما أعلن رئيس الدولة في خارطة طريقه نحو إنهاء المرحلة الاستثنائيّة، هل هي مشروعة في تقديركم؟
التخوّفات من عدم إجراء انتخابات في الموعد المُعلن مشروعة في تقديري، حيث لا توجد أي ضمانات سوى خطابات ووعود رئيس الدولة قيس سعيد، وفي رأيي مواصلة الضغط للعودة إلى الشرعية الشعبيّة في أقرب وقت، وفق قوانين انتخابية تمنع التلاعب بتوجّهات الناخبين وتدخلّ الإعلام ورؤوس الأموال في العملية الانتخابية بتلك الطريقة الكبيرة أو الفجّة، كما هو في تونس منذ 2011، في الخلاصة يجب تجديد الشرعية وإجراء انتخابات في تونس في أقرب وقت.