لم تكد تمر ثلاثة أسابيع فقط على قرار السلطات المغربية، القاضي بفتح مدرجات ملاعب كرة القدم في وجه الجماهير، حتى تسبب جمهور الجيش الملكي في أحداث الشغب لتنفجر من جديد، في بعض الملاعب خلال الأيام القليلة الماضية.
وبلغت أحداث العنف بلغت ذروتها، الأحد 13 مارس/آذار 2022 مباشرة بعد نهاية المباراة التي جمعت نادي الجيش الملكي بالمغرب الفاسي، على ملعب المجمع الرياضي مولاي عبد الله بالرباط.
وخلفت أحداث الشغب حصيلة ثقيلة، في الإصابات والجروح بين صفوف جمهوري الفريقين، وقوات حفظ الأمن، وخسائر مادية كبيرة في مرافق الملعب، والمركبات الخاصة والتابعة للشرطة في محيط الملعب.
حصيلة ثقيلة
ذكر بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني المغربي، أن العمليات الأمنية التي باشرتها ولاية أمن الرباط، أسفرت عن توقيف 160 شخصاً، مشتبهاً في تورطهم في ارتكاب أعمال الشغب، وحيازة أسلحة بيضاء، والسكر العلني البيّن والتراشق بالحجارة وإلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة وعامة، وإضرام النار عمداً في مركبات.
وخلفت الأحداث الخطيرة إصابة 85 شرطياً بجروح وإصابات متفاوتة الخطورة، نُقلوا إلى المستشفى الجامعي ابن سينا بالعاصمة ومستشفى التخصصات، والمستشفى العسكري بالرباط، كما رصدت مصالح الأمن الوطني، إصابة 18 عنصراً من القوات المساعدة بجروح وكدمات ورضوض، فضلاً عن إصابة 57 من الجمهور بإصابات مختلفة.
وأكد المصدر ذاته أن جميع الموقوفين خضعوا لإجراءات البحث القضائي الذي أمرت به النيابة العامة المختصة، لتحديد مستوى ودرجة تورط كل واحد من الموقوفين في أعمال الشغب المرتكبة، وتشخيص كافة المساهمين والمشاركين في ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، كما تتواصل حالياً عمليات مراجعة جميع كاميرات المراقبة لتحديد وتشخيص كل من ثبت تورطه في اقتراف أعمال العنف والشغب التي أعقبت هذه المباراة.
توقيف إلى نهاية الموسم؟
أشارت العديد من المصادر، داخل الاتحاد المغربي لكرة القدم، إلى أن العقوبات التي ستفرضها لجنة الانضباط، على خلفية هذه الأحداث، لن تقل عن توقيف جمهور الجيش الملكي لكرة القدم، ومنعه من حضور المباريات إلى غاية نهاية الموسم الرياضي الجاري.
وأكدت "عربي بوست" أن تقرير مندوب المباراة التابع للاتحاد المغربي لكرة القدم، حول أحداث الشغب، تضمن أن اقتحام الملعب كان من قبل جماهير الفريقين، التي شاركت في عمليات التخريب، ما يعني أن جمهور الفريق الزائر، لن يسلم بدوره من العقوبات والتوقيف لبعض المباريات خلال الموسم الرياضي الجاري.
واستبعدت المصادر ذاتها، ما راج من أخبار بعد أحداث الشغب والعنف، حول توقيف جميع الملاعب المغربية، واستكمال الدوري بمباريات دون جمهور، والعودة إلى قرار المنع من جديد الذي امتد طيلة السنتين الأخيرتين.
وستقتصر العقوبات الزجرية على الجمهور المتورط في هذه الأحداث، وهو الأمر الذي يدافع عنه الدكتور منصف اليازغي، الباحث المتخصص في السياسة الرياضية، الذي دعا إلى عدم وضع جميع الجماهير المغربية في سلة واحدة، والتمييز بين الصالح والطالح منهم.
وقال اليازغي في تدوينة على صفحته الشخصية في "فيسبوك: "صحيح يجب الضرب بقوة لوقف الشغب والمشاغبين، لكن يتوجب التمييز بين جمهور يمارس حقه في التشجيع بميدانه في احترام تام لجمهور المنافس، وجمهور يرحل إلى ميدان المنافس في احترام تام للجمهور المستضيف، غير ذلك فهو التعسف بعينه".
خسائر فادحة
بلغت خسائر مرافق ملعب المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط مستوى قياسياً، بعد أن طال التخريب جل مرافقه، في مقدمتها اللوحات الإشهارية الإلكترونية، التي يفوق ثمنها 800 مليون سنتيم، فضلاً عن العشرات من المقاعد، التي اقتلعت واستخدمت في رشق الأمن والقوات المساعدة والجماهير.
ولم تسلم شاشة تقنية الفيديو المساعد "فار" من التخريب، فضلاً عن تكسير الكثير من الواجهات الزجاجية، خاصة بالمدخلين الجنوبي والشمالي لأرضية الملعب، بعد اقتحام جمهور فريقي الجيش الملكي والمغرب الفاسي لها.
وتمكن جمهور المغرب الفاسي من تكسير العديد من المكاتب بالمركب، ونهب محتوياتها، كما كسر الجمهور العديد من جنبات مدرجات الملعب الإسمنتية لاستعمالها في رشق القوات العمومية والشرطة بها، فضلاً عن إلحاق أضرار بليغة بعشبه، في سابقة خطيرة لم يعرفها مجمع الرباط من قبل.
وستتحمل خزينة نادي الجيش الملكي، صرف التعويضات المالية مقابل الخسائر التي لحقت بمرافق الملعب، على اعتباره الجهة المستقبلة للمباراة، إذ شرعت إدارة المجمع الرياضي مولاي عبد الله صباح الإثنين 14 مارس/آذار الجاري في إحصاء خسائرها قبل إرسال الفاتورة إلى إدارة نادي الجيش، الذي تنتظره غرامات مالية إضافية ستفرض عليه من قبل الاتحاد المغربي بسبب هذه الأحداث.
نهب وتخريب
وشهد محيط المجمع الرياضي بالرباط، أحداثاً خطيرة، امتدت لأزيد من ساعتين، ساهمت في إلحاق أضرار كبيرة بالمواطنين وسياراتهم، واعتراض الحافلات في الشارع العام، والسطو على ممتلكات المسافرين، وإصابة سائق حافلة إصابات خطيرة، نقل على إثرها لمستشفى ابن سينا بالرباط، مخلفة تكسير أزيد من 30 مركبة خاصة وعمومية بأضرار كبيرة، وقلب ثلاث ناقلات، وإحراق دراجتين ناريتين، ودخول الجمهور في مواجهات مع الأمن، بعد أن حاول الأخير تفريقه، وهو ما تسبب في إصابة بعضهم، خاصة بعد أن سلب العديد منهم للهراوات الخاصة برجال حفظ الأمن، واستعمالها في المواجهات معهم، كما امتدت أحداث الشغب إلى بعض أحياء الرباط وسلا، إلى وقت متأخر من الليل.
استغلت فئة كبيرة من جمهور المغرب الفاسي، انشغال قوات الأمن بالتصدي للشغب الحاصل بأرضية الملعب من قبل مئات من جمهور الجيش الملكي، لتقتحم قاعات ومكاتب المجمع الرياضي، عبر كسر الأبواب، لتشرع في نهب وتخريب، التجهيزات، والأثاث وآلات طباعة والشاشات، كما سجل اعتداء على عاملات النظافة.
واستعانت السلطات الأمنية بكاميرات المراقبة، لتحديد المتورطين في هذه الأحداث وإيقافهم وبحوزتهم محجوزات عبارة عن مسروقات نهبوها من مرافق الملعب، إذ كانت المفاجأة أن العديد منهم حمل معه قطع أثاث وملابس خاصة بالرياضيين، وأواني منزلية وطابعات وأشياء أخرى، حيث تمت إحالتهم على وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط رفقة المحجوزات التي ضبطت لديهم والتسجيلات التي تثبت ضلوعهم في النهب، إذ فاق عدد الموقوفين من جمهور المغرب الفاسي 17 فرداً، وهو عدد مرشح للارتفاع بعد العودة لكامل التسجيلات التي رصدتها عدسات كاميرات المراقبة داخل أروقة الملعب.
المنظمون لم يستفيدوا من الدرس
لم تستفد إدارة الجيش الملكي وشركة الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير الملاعب "سونارجيس" والسلطات الأمنية، والاتحاد المغربي لكرة القدم، من الأحداث التي شهدتها مباراة الجيش الملكي والدفاع الحسني الجديدي الأسبوع الماضي، لحساب الجولة 20 من الدوري المغربي الاحترافي، سواء من حيث التعزيزات الأمنية وإحكام التنظيم أو من حيث ضرورة إنزال عقوبات زجرية في حق جمهور الجيش ومنعه من حضور المباريات، بالنظر إلى الشغب الذي شهدته تلك المباراة، واكتفى الاتحاد المغربي بفرض غرامات مالية فقط على نادي الجيش، إذ كان من المفروض منع الجمهور من الحضور كما كانت عليه الأمور سابقاً، زيادة على أن كل المؤشرات كانت توحي بوقوع الأسوأ، كما أن السماح للجمهور بالحضور في مباراة المغرب الفاسي، مع سوء التنظيم، وضعف التعزيزات الأمنية التي لم تكن بالعدد الكافي من القوات، كلها أمور استغلها جمهور الجيش واقتحم الملعب، بعدما استطاع دفع الأمن العمومي والخاص للفرار بعد رشقه بوابل من الحجارة والكراسي والقناني وقطع حديدية.
وبدا سوء التنظيم واضحاً قبل بداية المباراة، بمنع الجمهور من الولوج للمدرجات بطريقة سلسة، ما تسبب في إصابة العديد من المشجعين، خاصة مع اقتراب موعد انطلاق اللقاء، وإرغامهم على الدخول من باب واحد، وإقفال باقي المداخل في وجههم، كما شهدت المنصة الخاصة بالإعلاميين فوضى كبيرة، بعد اقتحامها من قبل الجمهور أثناء المباراة.
كما استغرب العديد من المتتبعين، للعدد الهائل من القاصرين الذين يحضرون المباريات، والذين تورطوا في هذه الأحداث، إذ بلغ عدد القاصرين الموقوفين بعد مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي تسعين فرداً، بالرغم من وجود قانون، يمنع على القاصرين غير المصحوبين بأولياء أمورهم أو أشخاص راشدين من الدخول للملاعب، ما اعتبر تقصيراً من المنظمين الذين يغضون الطرف عنهم بحثاً عن مزيد من الربح المادي عبر بيع التذاكر.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”