يحتلّ علم النفس المساحة الأكبر في أفلام السينما لكثرة أدواته وعناصره، بدءاً من السيناريو، وصولاً إلى أبعاد الشخصيّة التي يؤدّيها الممثّلون واضطراباتها النفسيّة. هما مجالان متقاطعان، لأنّ السينما تعبّر عن الطبيعة النفسيّة للمجتمع، وتخاطب لا وعي المشاهد، وتشغّل حواسه.
في كتابه "علم النفس في الأفلام"، يجري أستاذ علم النفس في كليّة "هانوفر" في إنديانا سكيب داين يونغ مقاربة نفسيّة واسعة لاكتشاف أفلام علم النفس، والتركيبة النفسيّة لصنّاعها ومشاهديها. ويعرض كيف قدّمت السينما الأمراض النفسيّة والعلاج النّفسي، ومدى تأثيرها على الجمهور.
يُشير يونغ في كتابه إلى أنّ "الأطبّاء النفسيّين كانوا يهتمّون بالسينما لرصد تأثيرها في النّاس. الأمر الذي قد يفسّر ظهور علم النفس المخبري بالتزامن مع ظهور السينما، في أواخر القرن التاسع عشر. ولولا السينما لما انتشر الوعي حول الأمراض النفسيّة، وأنواعها، وكيفيّة التعامل معها".
نستعرض في هذا النصّ لائحة بأشهر الأفلام التي كان علم النفس محورها الأساسي، منذ التسعينيّات وحتى اليوم:
1- The Silence of the Lambs
يُعتبر أيقونة الأفلام القائمة على الطبّ النفسي، لا سيّما أنّه حصد 5 جوائز أوسكار إضافةً إلى 39 جائزة أخرى، و27 ترشيحاً، كما أُدرج ضمن قائمة أفضل أفلام هوليوود على مدار 100 عام.
تدور قصّة الفيلم حول المحقّقة في الاستخبارات الأمريكيّة كلاريس ستارلينغ (جودي فوستر) التي يتمّ اختيارها لمقابلة طبيب علم النفس المسجون كراوفورد (أنتوني هوبكنز) لدراسة حالته. وحين تقابله، يخبرها أنه سيرشدها إلى قاتل متسلسل لا يكتفي بقتل ضحيّاته فقط، بل يعذّبهنّ أيضاً. تبدأ القصّة من هنا وتتصاعد حتى النهاية.
الفيلم الذي عُرض في عام 1991، لعب فيه هوبكنز واحداً من أهمّ وأشهر الأدوار في تاريخ السينما (هنيبال)، وأصبح ثالث فيلم في تاريخ الأوسكار يحصد الجوائز الخمسة العظيمة: أفضل ممثل، وممثلة، ومخرج، وسيناريو، وأفضل فيلم.
2- Forrest Gump
مأخوذ عن رواية حملت الاسم نفسه للكاتب ونستون غروم، لكنّ الشخصيّة الرئيسيّة التي لعب دورها توم هانكس تختلف عن الشخصيّة الموجودة في الكتاب. يوري سيرة شاب متأخّر ذهنيّاً يُدعى فورست غامب لكنّه يتمتّع بقوّة بدنيّة مميّزة نراها في المشهد الأحلى من الفيلم، حين يركض في جميع أنحاء أمريكا.
الفيلم الذي صدر في 1994 حقّق أعلى الإيرادات في ذلك العام، فاقت 677 مليون دولار، وأصبح أوّل نجاحٍ كبير لشركة Paramount Pictures. كما احتلّ المركز الثالث في قائمة موقع IDMB لأفضل الأفلام في التاريخ.
في العام الذي تلاه، حصد الفيلم 6 جوائز أوسكار عن فئة: أفضل فيلم، ومخرج (روبرت زيمكس)، وممثل، وسيناريو، ومؤثّرات بصريّة، بالإضافة إلى أفضل مونتاج. كذلك، فإنّ الإصدار التجاري للموسيقى التصويريّة في الفيلم، جعل منها الموسيقى التصويرية الأكثر مبيعاً، بحيث بيع أكثر من 12 مليون نسخةٍ في جميع أنحاء العالم.
3- Good Will Hunting
تدور أحداث الفيلم (1997) حول شاب عبقري في الرياضيّات (مات ديمون) يعاني من الخوف الذي يجعله غير قادرٍ على إيجاد طريقه في الحياة.
وللتغلّب على الخوف والخروج من عزلته، يقابل عدّة أطبّاء نفسيّين لا يتفق مع أحدٍ منهم، إلى أن يقابل الطبيب شون مغواير (روبن ويليامز) حيث يكتشف معه معنى الحياة ونستمتع –كمشاهدين- بعلاقةٍ نديّة فريدة من نوعها بين الاثنين.
الفيلم من كتابة بن آفليك ومات ديمون وحقّق نجاحاً كبيراً في صالات العرض، بحيث وصلت أرباحه إلى 225 مليود دولار مقابل ميزانيّة لم تتعدَّ الـ10 مليون دولار. رُشّح لـِ9 جوائز أوسكار، وفاز باثنين عن فئة أفضل ممثّل مساعد للعظيم روبن وليامز، وأفضل سيناريو لآفليك وديمون.
4- Girl Interrupted
هو فيلم مستوحى من قصّة حقيقيّة عن الكاتبة الأمريكيّة سوزانا كيسن التي أمضت سنة ونصف تتعالج فيها داخل إحدى المصحّات النفسيّة، بعد محاولتها الانتحار. وعمدت، طوال فترة وجودها في المصحّة، إلى تدوين مذكّراتها ورحلة علاجها.
الفيلم الذي عُرض في العام 1999 يروي سيرة كيسن التي جسّدت شخصيّتها الممثلة وينونا رايدر، والتي نعيش معها رحلة معاناتها مع اضطراب "الشخصيّة الحديّة"؛ حيث ظهرت أعراضه للمرّة الأولى بعد تخرّجها من الثانويّة، إلى أن وصلت إلى حدّ الاكتئاب.
يسلّط الفيلم أيضاً على اضطراب الشخصيّة الانطوائية المعادية للمجتمع، من خلال شخصيّة ليزا رو التي تلعب دورها الممثلة أنجلينا جولي، والتي حصدت نتيجته على جائزة أوسكار عن أفضل ممثلة بدورٍ مساعد.
5- Memento
تدور أحداثه حول شخصيّة ليونارد (جاي بيرس) الذي يبحث عن قاتل زوجته، ولكنّه يعاني ممّا يُعرف بـِ"فقدان الذاكرة التقدّمي"، أي فقدان القدرة على خلق ذكرياتٍ جديدة بعد الحدث الذي تسبّب في فقدانه للذاكرة. فيصبح الشخص غير قادرٍ على تذكّر الماضي القريب، في حين أنّ الذكريات طويلة الأمد -أي قبل الحدث- لا تزال سليمة، لكنّه غير قادر على خلق ذكرياتٍ طويلة الأمد.
أبدع الكاتب والمخرج كريستوفر نولان في هذا الفيلم الذي حظي بنجاحٍ باهر لدى عرضه في الصالات العام 2000، سيّما وأنّه اتّبع تسلسلاً زمنياً معكوساً؛ وقد صنّفه موقع الأفلام IMDB في المركز الـ50، ضمن قائمته لأفضل 250 فيلم.
6- A Beautiful Mind
يروي سيرة جون فوربس ناش، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، بناءً على الكتاب الأفضل مبيعاً في العام 1998 للكاتبة سيلفيا نصّار الذي يحمل الاسم نفسه.
عُرض الفيلم للمرّة الأولى في عام 2001 وحقّق نحو 300 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، سيّما أنّ المخرج رون هاورد تألّق في إظهار شخصيّة جون (راسل كرو) المتفوّق الذي يعمل على تطوير مفهومٍ جديد في عالم الرياضيّات.
لاحقاً، ستزداد حالة جون النفسيّة سوءاً، وسيعتقد أنّه مُطارد من عملاء روس. وبعد تشخيص حالته، يتبيّن أنّه مُصاب بانفصام الشخصيّة. سنعيش معه رحلة العلاج والانتكاسة ثم النهوض من جديد حتى نهاية الفيلم.
حصد الفيلم 4 جوائز أوسكار عن فئة أفضل فيلم، ومخرج، وسيناريو، وأفضل ممثلة مساعدة لجنيفر كونلي، لكنّه تعرّض لانتقادات لجهة عدم دقّة تصوير بعض جوانب حياة جون، مثل تصويره لجانب خيالي من هلوساته البصرية والسمعية، بينما هي في الواقع هلوسات سمعيّة فقط، وحقيقة تناوله للأدوية.
7- The Machinist
تدور أحداثه حول الميكانيكي تريفور (جسّد شخصيته الممثل كريستيان بيل) الذي يعاني من الأرق المزمن وقلّة النوم والهلوسات. الأمر الذي ينعكس على حياته الاجتماعيّة والمهنيّة.
تمّ تصوير الفيلم في إسبانيا وهو من إخراج براد آندرسون، وبطولة جينيفر جيسون، وكريستيان بيل الذي خضع لحمية غذائية قاسية بهدف فقدان 27 كلغ من وزنه من أجل شخصيّة تريفور الهزيل.
8- When Nietzsche Wept
"عندما بكى نيتشه" فيلم مأخوذ عن رواية شهيرة تحمل العنوان نفسه للأخصّائي النفسي إيرفين يالوم، يتحدّث فيها عن الحقبة التي سبقت كتابة الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه لكتابه الشهير "هكذا تكلّم زرادشت"، حين كان مجرّد أستاذٍ جامعي مغمور لا يحضر محاضراته سوى قلّة قليلة لا تستهويها نظريّاته، باستثناء فتاة تُعجب بأفكاره السابقة لعصره، لكنّها ترفض الارتباط به، فيُصاب بحالة اكتئاب تدفعه لمحاولة الانتحار.
يتناول الفيلم أيضاً لقاءً متخيّلاً بين نيتشه (أرماند أسانتي) مع الطبيب النفسي النمساوي الشهير جوزيف بروير (بين كروس)، الذي يحاول علاج نيتشه من اكتئابه بطلبٍ من الفتاة التي حاول الانتحار لأجلها. كما يتضمّن حوارات بين د. بروير وعالم النفس الشهير سيغموند فرويد (جيمي إلمان) حول تطوّر علم النفس التحليلي في تلك الحقبة. فيدخل المشاهد في حواراتٍ توضّح وجهتَي نظر الفلسفة وعلم النفس حول الحياة والعلاقات الإنسانيّة.
9- A Dangerous Method
يتناول السيرة الذاتيّة لعالمَي النفس الشهيرَين سيغموند فرويد وكارل يونغ، بالإضافة إلى سابينا سبيلرين، واحدة من أوائل النساء المتخصّصات بعلم النفس التحليلي.
تدور أحداث الفيلم، الذي صدر في العام 2011، حول العلاقة المضطّربة بين فرويد (فيجو مورتينسون) ويونغ (مايكل فاسبندر)، حيث يحاول الأخير -وهو تلميذ فرويد- تخطّي منهج فرويد التحليلي وابتكار آخر خاص به، من خلال علاقة غير مشروعة مع مريضته سابينا سبيلرين (كيرا نايتلي).
نغوص في حوارات عميقة حول تفسير الأحلام والخيالات اللاواعية ومناهج التحليل النفسي، في فترةٍ عانى فيها فرويد من انتقاداتٍ لاذعة في الأوساط الأكاديميّة بسبب منهجه القائم على التحليل في علم النفس.
كما يُلقي الفيلم (وهو من إخراج ديفيد كروننبرغ) الضوء على قصّة علاج سبيلرين، وكيفية تحوّلها من مريضة إلى مُتخصّصة في علم النفس التحليلي، بمساعدة يونغ.
10- The Stanford Prison experiment
يتحدث الفيلم (2015) عن التجربة النفسيّة التي أجراها أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد فيليب زيمباردو، للتحقّق من الفرضيّة القائلة إنّ أدوارنا في المجتمع هي سبب سلوكيّاتنا، وليست سمات شخصيّتنا.
في التجربة، التي أُقيمت في سجنٍ وهمي عبارة عن قبو في مبنى علم النفس بالجامعة، اختار زيمباردو (بيلي كرودب) 24 طالباً للمشاركة في لعب: إمّا دور السجين، أو دور حارس السجن، لمدّة 14 يوماً يتلقّون خلالها 15 دولاراً عن اليوم الواحد.
خلال تلك الفترة، أصبح الطلّاب الذين يقومون بدور الحرّاس أشخاصاً مسيئين واثنان من الذين يلعبور دور السجناء غادروا التجربة باكراً بسبب تعرّضهما لانهيارٍ نفسيّ، وأوقف زيمباردو التجربة بعد 6 أيّام فقط بعدما خرجت النتائج عن السيطرة، لا سيّما أنّ السجناء تحمّلوا ممارسات ساديّة من الحرّاس.