ارتفعت أصوات بعض مليارديرات موسكو ضد الهجوم الذي تقوده موسكو على أوكرانيا ويدخل يومه الخامس، وذلك في البلد الذي يعيش تحت قبضة أمنية شديدة يعاقب فيها كل من يتجرأ على معارضة قرارات الرئيس فلاديمير بوتين.
الملياردير الروسي ميخائيل فريدمان وأوليغ ديريباسكا فكانا من أوائل رجال الأعمال الروس البارزين الذين انتقدوا الهجوم الروسي على أوكرانيا علناً، يحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الإثنين 28 فبراير/شباط 2022.
فريدمان، أحد أغنى الأشخاص في روسيا ويرأس مجلس إدارة شركة الاستثمارات الخاصة "ليتر ون" LetterOne ومؤسس "ألفا بنك" Alfa Bank أكبر بنك خاص في روسيا.
كشف فريدمان عن موقفه في رسالة إلى موظفيه دعا فيها إلى إنهاء "إراقة الدماء"، مضيفاً: "الحرب لا يمكن أن تكون الحل أبداً".
فريدمان الذي وُلد بأوكرانيا تناول في رسالته ذكرياته الأولى بمدينة لفيف الأوكرانية التي لا يزال والداه يعيشان فيها، ثم كتب عن معيشته في روسيا، فقال: "لقد أمضيت أيضاً معظم حياتي مواطناً روسيّاً، قضيتها في بناء الأعمال التجارية وتنميتها في البلاد. ومن ثم فأنا مرتبط بشدة بالشعبين الأوكراني والروسي، وأرى الصراع الحالي مأساة لكليهما".
احتل فريدمان المرتبة الـ128 بقائمة أغنى الأشخاص في العالم لعام 2021، والتي تصدرها مجلة Forbes الأمريكية.
أشار فريدمان في رسالته، إلى أنه يتجنب عادةً الإدلاء بتصريحات سياسية، قائلاً: "أنا رجل أعمال، أتحمل مسؤولية عدة آلاف من الموظفين في روسيا وأوكرانيا، وليس لدي شك في أن الحرب لا يمكن أن تكون الحل أبداً. هذه الأزمة سيكون ثمنها أرواحاً مهدورة وتدمير دولتين كانتا شقيقتين لمئات السنين".
أضاف فريدمان: "من المفزع أن الحل يبدو الآن بعيد المنال، إلا أنه لا يسعني إلا أن أنضم إلى أولئك الذين أعربوا عن شديد رغبتهم في إنهاء إراقة الدماء".
على النحو نفسه، دعا الملياردير الروسي أوليغ ديريباسكا إلى بدء محادثات السلام "بأسرع ما يمكن" في منشورٍ على تطبيق المراسلة تليغرام، وكتب: "السلام مهم جداً".
ديريباسكا، مؤسس شركة الألمنيوم الروسية العملاقة "روسال" Rusal، ولا يزال يملك حصة فيها بأسهم في شركتها الأم المدرجة ببورصة لندن EN+ Group.
كان ديريباسكا مدرجاً في قائمة العقوبات الأمريكية على روسيا منذ عام 2018 لمزاعم بأن له صلات بالحكومة الروسية، وقد اتخذ إجراءات قانونية للطعن فيها، وقال مؤخراً في 21 فبراير/شباط 2022، إنه لن تشتعل حرب في أوكرانيا.
فريدمان وديريباسكا انضما بذلك إلى مجموعة قليلة من الشخصيات الروسية البارزة التي ضمَّت ممثلين مشهورين وموسيقيين ومقدمي برامج تلفزيونية، ممن طالبوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف العملية العسكرية في أوكرانيا.
يأتي هذا الموقف مخالفاً للصمت الذي هيمن على كثير من الشخصيات المنتمية إلى نخبة الأثرياء في روسيا والدوائر القريبة من نظام الحكم.
صعوبات تواجه أثرياء روسيا
يُتوقع أن يواجه أثرياء روسيا اضطرابات اقتصادية شديدة مع تصاعد العقوبات على البلاد، والتي يُرجح أن تشمل طردَ بنوك روسية عديدة من نظام المدفوعات المصرفية العالمي "سويفت"، وغيرها من العقوبات التي ترمي إلى فصل البلاد عن سبل التمويل الدولي.
وفي اليوم الأول من الهجوم الروسي على أوكرانيا، خسر أثرى أغنياء روسيا 39 مليار دولار في أقل من 24 ساعة، بحسب ما رصدته وكالة Bloomberg الأمريكية.
بحسب الوكالة الأمريكية المهتمة بشؤون الاقتصاد ومتابعة ثروات الأغنياء حول العالم، فإن خسارة أغنياء روسيا خلال اليوم الأخير تتجاوز إجمالي خسائرهم منذ بداية عام 2022، والتي تضاعفت بشكل تدريجي منذ بدء الأزمة الروسية والأوكرانية والحشد الروسي على الحدود.
يأتي هذا الرصد بعد أن أغلق مؤشر "مويكس روسيا" في بورصة موسكو بانخفاضٍ بلغ 33%، وهو خامس أكبر انخفاضٍ للمؤشر في تاريخ البورصة بالعملة المحلية.
تقول الوكالة الأمريكية إن هذه المرة هي الأولى التي نشهد فيها انخفاضاً كبيراً بهذه الدرجة يضرب سوقاً تتجاوز قيمته الـ50 مليار دولار، منذ انهيار الإثنين الأسود للأسواق العالمية في عام 1987.
عقوبات على روسيا
واتفق قادة الدول الغربية على فرض عقوبات اقتصادية على روسيا شملت تجميد أصول روسيا في أوروبا، وإيقاف وصول بنوكها إلى الأسواق المالية الأوروبية.
كما تشمل العقوبات القطاع المالي وقطاعي الطاقة والنقل والسلع ذات الاستخدام الثنائي في المجالات المدنية والعسكرية، وكذلك ضوابط تخص التصدير وتمويل الصادرات، وسياسة التأشيرات والقوائم الإضافية للأفراد الروس، ومعايير الإدراجات الجديدة، بحسب بيان صادر عن اجتماع زعماء الاتحاد في بروكسل.
من جانبها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على تويتر: "تتضمن هذه الحزمة عقوبات مالية تستهدف 70% من السوق المصرفية الروسية والشركات الرئيسية المملوكة للدولة، ومنها مجال الدفاع".
وقالت في مؤتمر صحفي، إن العقوبات التي تحدّ أيضاً من وصول روسيا إلى الأسواق المالية ستزيد تكاليف الاقتراض على روسيا، وترفع التضخم هناك.
كما قالت فون دير لاين أيضاً، إن قيود التصدير على روسيا ستضر بقطاعها النفطي، من خلال منع الوصول إلى المواد التي تحتاجها من الاتحاد الأوروبي لمصافي النفط. وقالت إن ذلك سيؤدي، بمرور الوقت، إلى استنزاف عوائد تكرير النفط في روسيا.
وشنَّت روسيا ما تصفه الدول الغربية بالغزو براً وجواً وبحراً الخميس، بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين الحرب، وفرَّ ما يُقدَّر بنحو 100 ألف شخص، بينما هزت الانفجارات وإطلاق النار المدن الرئيسية، ووردت أنباء عن مقتل العشرات، فيما تدور معارك في محيط العاصمة الأوكرانية كييف.
وأوكرانيا دولة ديمقراطية يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة، وهي أكبر دولة في أوروبا من حيث المساحة بعد روسيا، وصوَّتت لصالح الاستقلال عند سقوط الاتحاد السوفييتي، وكثفت في الآونة الأخيرة جهودها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهي تطلعات تثير حنق موسكو.