كشف تقرير بحثي أن الهجوم الروسي على أوكرانيا استنفر قادة ميليشيات أوروبية من اليمين المتطرف، حيث شهد الإنترنت في اليومين الأخيرين موجة كبيرة لجمع الأموال وتجنيد المقاتلين العازمين على السفر إلى جبهات القتال في أوكرانيا، وذلك لمواجهة "الغزاة الروس".
جاء ذلك في تقرير أصدرته مجموعة "سايت إنتلجنس" SITE Intelligence Group، وهي منظمة أمريكية خاصة متخصصة في تعقب الجماعات المتطرفة، ونشرته صحيفة The New York Times الأمريكية، الجمعة 25 فبراير/شباط 2022.
المنظمة البحثية استدلت في تقريرها بمنشورات جمعتها من أوساط هذه الميليشيات وترجمتها، حيث رصدت في الأيام الأخيرة إعلانات نشرها قادة ميليشيات يمينية في فرنسا وفنلندا وأوكرانيا، يحثون فيها أنصارهم على الانضمام إليهم للقتال دفاعاً عن أوكرانيا، في مواجهة الهجوم الروسي.
ذكرت المنظمة أيضاً أن بعض دعوات الحشد اليمينية تركَّز نشاطها على دعم "كتيبة آزوف"، وهي مجموعة تابعة للحرس الوطني الأوكراني، اجتذبت مقاتلين من اليمين المتطرف من جميع أنحاء العالم. وقد تأسست هذه المجموعة في أعقاب الغزو الروسي الأول لأوكرانيا في عام 2014، وشاركت في عمليات عسكرية ضد الميليشيات الموالية لروسيا.
ففي إعلان نُشر هذا الأسبوع على تطبيق المراسلة تليغرام، قبل وقت قصير من الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا، دعا زعيم الجناح السياسي لكتيبة آوزف إلى "تعبئة كاملة" للمجموعة، ووجَّه المتطوعين إلى مسارات الالتحاق بالمجموعة عبر الإنترنت.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، نشرت مجموعة "كارباثيان سيش" Carpathian Sich الأوكرانية معلومات تلقي التبرعات على قناتها على تطبيق تليغرام، سعياً للحصول على أموال من متابعيها عبر تطبيق PayPal، أو بالعملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثريوم.
انتشرت الإعلانات ذاتها على مواقع إلكترونية عديدة من مواقع اليمين المتطرف في فنلندا وفرنسا، مثل موقع OC، الذي نشر بياناً مؤيداً لأوكرانيا على قناته على تليغرام، وورد في منشور لاحق: "مثلما هُزم الاتحاد السوفييتي سيُهزم بوتين باصطفاف القوميين الفرنسيين مع الشعب الأوكراني".
تأكيد لمزاعم بوتين
من جانبها، قالت ريتا كاتز، مديرة مجموعة سايت، إن جماعات عديدة من القوميين والنازيين الجدد المؤمنين بتفوق العرق الأبيض وغيرها من مجموعات اليمين المتطرف أعلنت عن تضامنها مع أوكرانيا، وسارعت إلى حشد الدعم لها، وتضمن ذلك الدعوة للانضمام إلى مجموعات شبه عسكرية تعتزم المشاركة في قتال روسيا.
كما ذكرت كاتز أن أبرز دافع للسفر إلى أوكرانيا بين هذه المجموعات هو التدرب على القتال، ثم هناك الدوافع الأيديولوجية، لأن هذه الجماعات اليمينية المتطرفة ترى الحرب على روسيا حرباً على الشيوعية، وتعلِّق نفسها بذكريات الروايات التاريخية للحرب العالمية الثانية وأجوائها، وتشبِّه روسيا المعاصرة ورئيسها بوتين بالاتحاد السوفييتي السابق.
علي صوفان، رئيس مجموعة "صوفان" The Soufan Group، التي توثِّق منذ عدة سنوات مراحل تحوّل الصراع في شرق أوكرانيا إلى بؤرة حشد دولية للمؤمنين بتفوق العرق الأبيض، لفت أيضاً إلى أن "حالة عدم الاستقرار في أوكرانيا توفِّر للمتطرفين من دعاة سيادة العرق الأبيض فرصَ التدريب ذاتها، التي قدمتها من قبل حالة عدم الاستقرار في أفغانستان والعراق وسوريا للمسلحين المتطرفين على مدى سنوات".
وقال صوفان للصحيفة الأمريكية: "عادة ما تجتذب الحروب الأهلية وحركات التمرد متطوعين من الخارج، قد ينضم بعضهم في البداية لأغراض إنسانية، لكن الأمر يؤدي إلى تفاقم الصراع والعنف وإطالة أمدهما".
من جهة أخرى، فإن مساعي التعبئة والحشد العلني للجماعات اليمينية المتطرفة قد تصبح إشكالية للحكومة الأوكرانية، لأن روسيا قد تستخدمها ذريعةً لتأييد مزاعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصويره لأوكرانيا بأنها دولة فاشية، أو ادعائه الكاذب بأنه يشن حرباً على نازيين يسيطرون على الحكومة في كييف.
وشنَّت روسيا ما تصفه الدول الغربية بالغزو براً وجواً وبحراً الخميس، بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين الحرب، وفرَّ ما يُقدَّر بنحو 100 ألف شخص، بينما هزت الانفجارات وإطلاق النار المدن الرئيسية، ووردت أنباء عن مقتل العشرات.
وأوكرانيا دولة ديمقراطية يبلغ عدد سكانها 44 مليون نسمة، وهي أكبر دولة في أوروبا من حيث المساحة بعد روسيا، وصوَّتت لصالح الاستقلال عند سقوط الاتحاد السوفييتي، وكثفت في الآونة الأخيرة جهودها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وهي تطلعات تثير حنق موسكو.