قلق كبير يعيشه العالم إزاء تصاعد الأزمة الأوكرانية وبدء روسيا عملية عسكرية هناك، وسط حالة من التجييش المتصاعد بين الشرق والغرب تنذر بحرب عالمية ثالثة أو بإشعال الحرب الباردة من جديد، التي لن تقتصر تداعياتها على لاعبيها الأساسيين فحسب بل ستشمل آخرين، فماذا يعني ذلك بالنسبة لمصر؟
وفي الوقت الذي يحبس فيه العالم أنفاسه؛ خوفاً من تصعيد روسيا لغزو شامل ضد أوكرانيا، تتبادر إلى الذهن تساؤلات بشأن ما قد تعنيه تلك الحرب.
تتقاطع مصر مع روسيا وأوكرانيا في عدة مجالات، يأتي على رأسها النفط والقمح والسياحة. وتجد مصر، التي تعد أكبر مستورد للقمح بالعالم، نفسها في موقف صعب، خاصة إذا ما نظرنا إلى "الدور الذي لعبه الأمن الغذائي في اندلاع الانتفاضات الشعبية".
أُطلق على أوكرانيا لقب "سلة خبز أوروبا"، وأصبحت دول الشرق الأوسط تعتمد إلى حد كبير على أوكرانيا.
وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية، كان الشرق الأوسط ثالث أكبر مشترٍ للقمح الأوكراني في عام السوق 2020-2021، وذهب أكثر من 40% من صادرات القمح الأوكرانية الأخيرة إلى الشرق الأوسط أو إفريقيا وحدها.
تعد مصر ولبنان وليبيا من بين أكبر مستوردي القمح من أوكرانيا في المنطقة، حيث تعتمد دول مثل اليمن وسوريا على مشتريات برنامج الغذاء العالمي من القمح الأوكراني كمساعدات.
تعد مصر، التي يزيد عدد سكانها على 100 مليون نسمة، أكبر مستورد للقمح في العالم.
وروسيا هي المورد الرئيسي لمصر، وأوكرانيا هي المورد الثاني، وقد حذَّرت السلطات المصرية بالفعل من نقص القمح.
حسب مراقبين فإنه وعلى المدى الطويل، يمكن أن يؤدي النقص إلى تفاقم حالة الأمن الغذائي المتردية بالفعل في بعض بلدان المنطقة.
وفقاً لتقرير الأمم المتحدة لعام 2020، يعاني ما يقرب من 69 مليون شخص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من نقص التغذية، وهو ما يمثل نحو 9% من الإجمالي العالمي.
وفقاً لـS&P Global، تمثل صادرات القمح في أوكرانيا وروسيا 23% من الصادرات العالمية، وتقترب أسعار المواد الغذائية العالمية حالياً من أعلى مستوياتها منذ 10 سنوات.
ماذا عن البدائل؟
هناك بدائل لأوكرانيا وروسيا، مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، لكنها بدائل باهظة الثمن، ففقدان الإمدادات الروسية والأوكرانية يمكن أن يزيد من نفوذ الولايات المتحدة على واردات الغذاء في المنطقة.
وبحسب خبراء فإنه حتى في حال توافر المال اللازم لاستيراد القمح من هذه الدول بتكلفة أعلى، "لاتزال هناك مشكلة في ما يتعلق بامتلاك البنية التحتية المناسبة والإعداد لجلب هذه الإمدادات"، إذ تعتمد معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على البحر الأسود كطريقة لدخول السلع الزراعية، وهو ما يعني أنه سيتعين على مصر استيراد هذه السلع عبر طرق بديلة.
النفط.. كيف ستتأثر مصر؟
في تصريحات لـCNN قال ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، إن استمرار ارتفاع أسعار النفط عالمياً سيؤثر سلباً على الموازنة العامة، غير أنه قلل من استمرار هذا التأثير مع توقعه تسوية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
وأضاف عمر أنه من الصعب التكهن بمدى تأثير ارتفاع أسعار النفط عالمياً على الموازنة المصرية؛ نظراً إلى تذبذب أسعار النفط عالمياً، فمنذ نحو عام وصل سعر النفط قرب 40 دولاراً، في حين يُتداول حالياً بأكثر من 96 دولاراً، مما يصعب التكهن باستمرار هذه الزيادة.
وحول تأثير الخلاف بين روسيا وأوكرانيا على صادرات الغاز المصري، قال ياسر عمر إن صادرات مصر من الغاز الطبيعي في تزايد منذ عام 2018، حيث تحولت مصر منذ هذا العام من دولة مستوردة للغاز إلى مُصدِّرة، ويتوقع أن يرتفع الإقبال على الغاز المصري؛ لتعويض نقص إمداد الغاز الروسي لأوروبا في حال تزايد حدة التوتر بين روسيا وأوكرانيا، وقد تصل أسعار الغاز إلى أرقام قياسية.
وبلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية، العام الماضي، بحسب بيانات رسمية.
قطاع السياحة
تعتمد مصر على عائدات السياحة كمصدر حيوي للعملة الأجنبية، وكانت الصناعة تستخدم ما يصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء.
شهدت مصر انتعاشاً تدريجياً في قطاع السياحة خلال العام الماضي، وتأمل البلاد تحقيق انتعاش كاملٍ هذا العام.
نظراً إلى كون روسيا وأوكرانيا مَصدرين رئيسيين للسياح إلى مصر، يمكن أن تمثل الأزمة الروسية-الأوكرانية ضربة خطيرة لقطاع السياحة المصري.
ويشكل الأوكرانيون غالبية السياح الأجانب في مصر، قال سفير أوكرانيا لدى مصر يفهن ميكيتينكو، لجريدة "الأهرام" الحكومية، في نوفمبر/تشرني الثاني الماضي، مشيراً إلى أن أوكرانيا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السائحين الذين يزورون المنتجعات المصرية.
قالت نائبة وزير السياحة بوزارة السياحة والآثار المصرية، غادة شلبى، إن 1.2 مليون مواطن أوكراني زاروا مصر في الفترة من يوليو/تموز 2020 إلى يوليو/تموز 2021.
في حين بلغ عدد السائحين الوافدين من جميع أنحاء العالم إلى مصر نحو 13 مليون سائح في عام 2019 قبل تفشي الوباء، قالت السفارة الأوكرانية بالقاهرة إن نحو 1.5 مليون أوكراني يقضون عطلاتهم في مصر.
الحكومة المصرية تدرس خياراتها
قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في جلسة لمجلس الوزراء، الأربعاء 23 فبراير/شباط 2022، إن الحكومة المصرية تدرس الآثار المحتملة للأزمة الروسية-الأوكرانية على أسعار السلع، خاصةً القمح.
وأوضح مدبولي أن مصر لديها احتياطيات من القمح تكفي لأكثر من أربعة أشهر، مضيفاً أن الحكومة تسعى لتنويع مصادر استيراد القمح والحصول على قمح من دول أخرى.
تمثل روسيا وأوكرانيا معاً 29% من صادرات القمح العالمية، وفقاً لتوقعات القمح 2022 لشهر فبراير/شباط الصادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية (USDA).
في حين أن مصر لديها 14 دولة أخرى يمكنها استيراد القمح منها ، من ضمنها دول خارج أوروبا، مثل الولايات المتحدة والأرجنتين وكندا وباراغواي، فليس من المؤكد أن هذه الدول الـ14 الأخرى يمكنها سد نقص القمح في مصر خلال هذه الأزمة، قال سعد.
في عام 2021، استوردت مصر 5.5 مليون طن من القمح، إضافة إلى 3.5 مليون طن منتجة محلياً، وفقاً لبيانات أصدرتها وزارة التموين في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وتتوقع الوزارة انخفاض واردات مصر من القمح في 2022 إلى 5.3 مليون طن، بسبب زيادة الإنتاج المحلي.
وقال وزير التموين علي المصيلحي إن وزارته اتخذت إجراءات لتأمين مخزونها من القمح، مشيراً إلى أن موسم توريد القمح المحلي سيبدأ منتصف أبريل/نيسان المقبل، وأن الاحتياطي الاستراتيجي سيرتفع حتى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وقال مصيلحي إن مصر نوَّعت مصادر استيراد القمح، وضمن ذلك من الولايات المتحدة وفرنسا ورومانيا وكذلك أوكرانيا وروسيا، محذراً من أن "المناوشات بين أكبر مُصدِّري القمح والحبوب في العالم تثير حالة من عدم اليقين بالسوق".
ماذا دار في اجتماع الحكومة عن النفط؟
كما استعرض اجتماع مجلس الوزراء الانعكاسات المحتملة للأزمة على أسعار البترول، لاسيما في ظل ارتفاعها، وسط الظروف الاقتصادية التي يشهدها العالم في أثناء التعافي من تداعيات جائحة فيروس كورونا.
وقال سعد إنه إذا تأثرت أسعار البترول بالأزمة فإن ذلك يمكن أن يضغط على ميزانية الدولة.
وأشار إلى أن أسعار البنزين تتحدد بناء على السعر العالمي للنفط وتكلفة الإنتاج وسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار.
يأتي ذلك بينما تمضي الحكومة قدماً في خطط تحويل المركبات التي تعمل بالبنزين للعمل بالغاز الطبيعي، وهي خطوة من شأنها أن تسهم في خفض تكلفة المنتجات البترولية المدعومة في ميزانية الدولة.
تمتلك مصر البنية التحتية لنقل ومناولة الغاز الطبيعي، مع شبكة رئيسية بطول 7000 كيلومتر من خطوط الأنابيب، إضافة إلى شبكة توزيع بطول 31 ألف كيلومتر، و29 محطة لمعالجة الغاز، إلى جانب منشآت الغاز الطبيعي المسال بإدكو ودمياط.
كما ناقش اجتماع مجلس الوزراء المصري التأثير المحتمل للأزمة الروسية-الأوكرانية على قطاع السياحة في مصر، وقالت الحكومة إنها ستبذل جهوداً أكبر للبحث عن أسواق سياحية بديلة في حالة تفاقم الأزمة.