عبَّر العديد من الروس عن مخاوفهم بعد القرار الأخير للرئيس فلاديمير بوتين، المتمثل في الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك عن أوكرانيا، وذلك بسبب العواقب السياسية والاقتصادية التي قد تترتب على قراره من الدول الغربية، وقد تكون لها تداعيات على معيشتهم ومستقبلهم.
حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الأربعاء 23 فبراير/شباط 2022، فإنه في اليوم التالي لخطاب الزعيم الروسي الذي ألقاه في وقت متأخر من الليل، وأعلن فيه اعترافه باستقلال المنطقتين، كان سكان موسكو يحاولون استيعاب تداعيات قرار بوتين على معيشتهم ومستقبلهم، ومع أن بوتين أنهى خطابه بـ"تهنئة" زملائه المسؤولين، فإن الاحتفالات غابت عن العاصمة.
انقسام في الشارع الروسي
يقول أندريه، وهو مدير إقليمي بشركة لوجستيات كبيرة في موسكو، مشككاً: "إذا كان الاعتراف سيجلب السلام إلى المنطقة، فلا بأس، ولا مانع من ذلك، لكن الواقع أنه يوقع بي خسائر مالية بالفعل، فقد استثمرت كثيراً من مدخراتي في أسهم شركات روسية".
يأتي ذلك في وقت تراجعت الأسواق المالية الروسية يوم الثلاثاء 22 فبراير/شباط، إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عام، بعد أن أمر بوتين بدخول المنطقتين في اليوم السابق. وكانت أسواق البلاد شهدت تقلباً شديداً في الآونة الأخيرة، وفقدت بنوك حكومية كبرى مثل "سبيربنك"، أكثر من نصف قيمة أسهمها منذ بداية الأزمة الأخيرة مع أوكرانيا.
في الوقت الذي كان بوتين يلقي فيه خطابه، بثت قناة Dozhd الروسية المستقلة في روسيا بثاً تلفزيونياً مباشراً نقلت خلاله الأخبار عن انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له منذ عامين تقريباً.
بين السياسي والاقتصادي
مع ذلك، استقبل بعض الناس في موسكو اعتراف بوتين بالجمهوريتين بفرحٍ صادق، ووصفوه بقرارٍ طال انتظاره من الدولة الروسية، ومِن هؤلاء مواطنة روسية تُدعى غالينا جروموفا، قالت عند سؤالها بشأن القرار: "فليبارك الرب بوتين! أخيراً ضم إقليم الدونباس تحت سيطرتنا".
زعمت جروموفا، مدرِّسة الجغرافيا بمدرسة ثانوية، أنها "فزعت" لتقارير وسائل الإعلام الروسية عن قصف الأوكرانيين منطقة نهر دونباس، و"أغضبتها" الأخبار الواردة عن "الإبادة الجماعية" للسكان المحليين في كييف. وهي تقارير لطالما استنكرتها الدول الغربية وأوكرانيا ووصفتها بأنها ليست إلا "أخباراً كاذبة" وذرائع تختلقها موسكو لتسويغ غزوها أوكرانيا.
من جانب آخر، قال أندريه كوليسنيكوف، وهو محلل سياسي في مركز كارنيغي بموسكو، إنه لم يفترض أحدٌ هذه المرة تأييداً كبيراً لقرار الكرملين أو أن "يلتف الروس حول العلم الروسي" دعماً لخطاب بوتين، على النحو الذي حدث عندما ضمت الدولة شبه جزيرة القرم في عام 2014، إذ بلغت نسبة تأييد بوتين بعدها نحو 89%.
يذهب كوليسينكوف إلى أنَّ "ضم القرم كان حدثاً فريداً اجتمع لبوتين فيه الدعم من جميع طوائف المجتمع، عكس الانقسام الذي يعتري آراءهم بشأن مستقبل مناطق الدونباس".
كما أشار إلى أن البيانات الأخيرة التي جمعها مركز "ليفادا" Levada الروسي المستقل لاستطلاعات الرأي، كشفت أن 53% من الروس يؤيدون الاعتراف باستقلال المنطقتين أو ضمَّهما إلى روسيا، وخالفهم نحو 26% من المصوتين الذين أيدوا بقاء منطقة الدونباس مع أوكرانيا، ولم يحسم نحو 21% من المصوتين آراءهم بشأن الأمر.
يرى كوليسنيكوف أن آراء الجمهور الروسي في نهاية المطاف سيُحددها ما سيقرر الكرملين فعله بعد ذلك، لأن "كثيرين سيرحبون بالأمر إذا استقرت الأوضاع بعد اعتراف الكرملين أمس باستقلال المنطقتين، لاسيما أن الروس حالياً ليست لديهم رغبة في خوض حرب حقيقية مع موسكو".
وإلى الرأي نفسه، يذهب البروفيسور صامويل غرين، مدير المعهد الروسي التابع لكلية كينغز لندن، الذي قال إن "الكرملين سيستمر في اكتساب الشرعية محلياً من مواجهة الغرب، ما دامت الأمور لم تتفاقم إلى حرب. على النقيض من ذلك، فإن وقوع الحرب حقاً يجلب الشك ولا يُعرف كيف ستبدو الأمور وقتها لدى الرأي العام أو ما الذي سيشهده ميدان المعركة".
في هذا السياق، فإن بعض رجال الأعمال في روسيا يتوقعون تدهور الأمور. وقال مصرفي مخضرم في شركة خاصة تحدث عبر الهاتف شريطة عدم الكشف عن هويته: "لقد أصابتني صدمة أعجزتني عن الحركة مدةً يسيرة بعد الخطاب الرئاسي، فقد تأكد الأمر لدينا أن الوضع إلى مزيد من السوء لا محالة. هذا يبدو كأنه ليس إلا الخطوة الأولى في طريق طويلة وعرة".