أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن بلاده توقعت الادعاءات من قبل الغرب حول "المساعي لإعادة الإمبراطورية الروسية"، مشيراً إلى أن هذه المزاعم لا تتطابق مع الحقيقة على الإطلاق، وفق ما نقلته وكالة أنباء "تاس" الروسية الثلاثاء 22 فبراير/شباط 2022.
فقد كانت روسيا مركز إمبراطورية شاسعة من القرن الثامن عشر، شملت مناطق أبعد بكثير من حدودها الحالية، بما في ذلك أوكرانيا، وظلت هذه المناطق في الغالب تحت سيطرة موسكو بعد تشكيل الاتحاد السوفييتي، لكن العديد منها، بما في ذلك أوكرانيا، أصبحت دولاً مستقلة مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
بينما تتهم دول غربية بوتين بالسعي لإعادة السيطرة على مجموعة من الجمهوريات السوفييتية السابقة، بعد إعلانه الإثنين 21 فبراير/شباط الاعتراف باستقلال منطقتين انفصاليتين عن أوكرانيا، وقراره إرسال "قوات حفظ سلام" إليهما.
موقف بوتين من الإمبراطورية الروسية
قال بوتين، خلال لقاء مع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، الثلاثاء في الكرملين: "سأستفيد من زيارتكم لإخباركم بتطورات الأحداث في الاتجاه الأوكراني. كما تعلمون، اتخذت روسيا قراراً بالاعتراف بسيادة الجمهوريتين الشعبيتين في دونباس".
كما أضاف بوتين قائلاً: "أود أن أؤكد أننا نرى وتوقعنا الادعاءات حول هذا الموضوع، التي تزعم أن روسيا تنوي إعادة الإمبراطورية الروسية في حدود العهد الإمبراطوري. هذا لا يتطابق مع الحقيقة على الإطلاق".
بينما أشار بوتين إلى أن روسيا اعترفت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي بالوقائع الجيوسياسية الجديدة وتعمل بشكل نشط على تعزيز التعاون مع الدول المستقلة التي ظهرت في المنطقة.
فيما قال بوتين إنه حتى في القضايا الحادة والحادة للغاية، مثل التسوية في إقليم قره باغ، "تصرفنا دائماً بحذر كبير، انطلاقاً من مصالح جميع الدول المنخرطة في العملية، وسعينا دائماً للتوصل إلى حلول مقبولة للجميع".
بوتين أضاف: "للأسف، بعد الانقلاب على السلطة في أوكرانيا لا نرى مثل هذا المستوى ومثل هذه الجودة في التعاون مع الطرف الأوكراني. أود التشديد على أن ذلك حدث بالتحديد بعد الانقلاب في الدولة والاستيلاء على السلطة من قبل هؤلاء الذين نفذوه".
أوكرانيا "لم تكن دولة"
وقع الرئيس الروسي، الاثنين، على مرسومين يقضيان باعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين عن أوكرانيا على خلفية أزمة عسكرية سياسية مستمرة في منطقة دونباس منذ العام 2014.
خطاب ألقاه بهذه المناسبة، قال بوتين إن "الوضع في دونباس بات يتسم بطابع حاد وخطير من جديد"، معتبراً أن شعب المنطقة يتعرض لـ"إبادة جماعية" من قبل "النظام القومي في كييف الذي استولى على السلطة جراء انقلاب 2014" ومتهماً إياه بأنه أكد مراراً عدم نيته الالتزام باتفاقات مينسك لتسوية النزاع دبلوماسياً.
كما قال بوتين، وفق ما نقله موقع "Business Insider" الأمريكي: "أوكرانيا لم تكن لديها دولة حقيقية خاصة بها. لم تكن هناك دولة مستدامة في أوكرانيا".
فيما جادل بأن أوكرانيا كانت من صنع الاتحاد السوفييتي تحت قيادة فلاديمير لينين، زعيمه الأول، على الرغم من الأدلة الكثيرة على وجود ثقافة أوكرانية مميزة قبل ذلك.
كما ادعى بوتين أن أوكرانيا كانت جزءاً من الأراضي التاريخية لروسيا، وقال في خطابه: "دعني أؤكد مرة أخرى أن أوكرانيا بالنسبة لنا ليست مجرد دولة مجاورة. إنها جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا ومساحتنا الروحية.
بوتين أشار قائلاً: "هؤلاء هم رفاقنا وأقاربنا، ومن بينهم ليس فقط زملاء وأصدقاء وزملاء سابقون، ولكن أيضا أقارب وأشخاص مرتبطون بنا عن طريق الدم والروابط العائلية".
تاريخ الإمبراطورية الروسية
قبل نحو 300 عام تم إعلان الإمبراطورية الروسية بعدما كانت روسيا مجرد "مملكة"، ودام تاريخ تلك الإمبراطورية لما يقرب من 200 عام.
مع انتهاء الحرب الشمالية مع السويد، والتي استمرت من عام 1700، طلب أعضاء مجلس الشيوخ من القيصر بطرس الأول قبول ألقاب "بطرس الأكبر" و"إمبراطور عموم روسيا" و"والد الأمة".
تم إعلان الإمبراطورية الروسية ومنح بطرس الألقاب المذكورة في 22 أكتوبر (2 نوفمبر حسب التقويم اليولياني "القديم") عام 1721 خلال الاحتفالات التي أقيمت بمناسبة نهاية "الحرب الشمالية" وإبرام اتفاقية نيشتاد للسلام مع السويد، لتصبح بذلك لدى روسيا "نافذة إلى أوروبا" من خلال تكريس سيطرتها على مناطق مطلة على بحر البلطيق قرب عاصمتها الجديدة سانت بطرسبرغ.
وكان تحول المملكة إلى إمبراطورية يحمل رسالة سياسية مهمة سواء خارجياً أو داخلياً.
فعلى الصعيد الدولي، كان ذلك إشارة إلى استعداد روسيا للمشاركة الفعالة في الشؤون الأوروبية، لتكون تلك المشاركة من الآن فصاعداً على أساس دائم ومن خلال اضطلاع روسيا بأحد الأدوار الأكثر أهمية في القارة، منهية حقبة اتسمت بنوع من العزلة الذاتية وتأكيد الهوية الفريدة.
إذ أنشأ بطرس الأول أسطولاً عصرياً، وأجرى إصلاحات للجيش وفتح مؤسسات تعليمية من نوع جديد، وشجع تطوير العلوم والتجارة والصناعة.
أما على الصعيد الداخلي، فبالإضافة إلى الإصلاحات الطموحة، شهدت البلاد تحولاً إلى نظام حكم ملكي مطلق، عندما أصبحت سلطة الإمبراطور فوق أي عُرف وأي قانون، وحتى الكنيسة باتت خاضعة بشكل كامل للسلطة العلمانية.
لم تقبل الدول الأوروبية الأخرى على الفور بالوضع الجديد لروسيا وقيصرها؛ لأن ذلك كان يعد تعدياً على أسس النظام العالمي الذي قام مبدئياً على مفهوم وجود إمبراطورية واحدة وإمبراطور واحد فقط.
كما لم يقبل بلقب بطرس الجديد دون اعتراض إلا هولندا وبروسيا، حليفاه في الحرب الشمالية، قبل أن تضطر السويد المهزومة للاعتراف بالواقع الجديد عام 1723.
انضمت الإمبراطورية العثمانية إلى عدد المعترفين بالإمبراطورية الروسية عام 1739، لتتبعها النمسا وإنجلترا عام 1742 وإسبانيا وفرنسا عام 1745. ولم تقم بذلك بولندا إلا عام 1764 بعد أن أوقعها ضعفها المتزايد في تبعية روسيا.
دخلت الإمبراطورية الروسية التاريخ كثالث أكبر دولة على وجه الأرض بعد الإمبراطوريتين البريطانية والمغولية. وانتهى وجود الإمبراطورية الروسية رسمياً بعد ثورة فبراير عام 1917، عندما تنازل الإمبراطور الأخير نيكولاي الثاني عن العرش وأعلنت روسيا جمهورية.