طوى المغرب صفحة فاجعة الطفل ريان، والوفاة التي حرَّكت العالم كله تتجه إلى "صفر" محاسبة في قضية الطفل ريان، باستثناء مستشار وزير التجهيز والماء نزار بركة، الذي صرَّح بكلام مثير قبل أن يقوم بالتراجع عنه، على أمل أن يُغفر له هذا الخطأ.
مرّ أسبوعان على الحادثة، وكل ما قررته الحكومة المغربية هو القيام بعملية إحصاء الآبار وثقوب جلب الماء على امتداد المغرب كله، دون محاسبة المسؤولين عن الفاجعة.
محاسبة في قضية الطفل ريان
"أصبح من الماضي".. هكذا علَّق مسؤول في وزارة التجهيز والماء، في تصريح لـ"عربي بوست"، على قضية مستشار وزير التجهيز والماء، أحمد بخري، الذي انتقد بطء عمليات إنقاذ الطفل ريان، مرجعاً السبب إلى غياب الآليات المناسبة لذلك.
وكان المستشار أحمد بخري قد قال في تصريح لموقع "هسبريس"، إن "غياب المراكز الجهوية المتوفرة على آليات الإنقاذ المتطورة، ومحدودية الآليات التي تم استعمالها، والتي لا تتجاوز قدرتها حفر 20 متراً في اليوم، وصعوبة وصول آليات بقدرة حفر أكبر تصل إلى 100 متر في اليوم، متمركزة بمناطق المشاريع الكبرى إلى عين المكان؛ عوامل ساهمت في تأخر إنقاذ الطفل ريان العالق في بئر منذ زوال الثلاثاء، الذي أكد أنه كان بالإمكان النجاح في إنقاذ الطفل في أقل من 48 ساعة".
وعلم "عربي بوست" أن وزير التجهيز والماء، نزار بركة، أنهى عمل المستشار أحمد بخري، المهندس المتخصص في هندسة المياه، الذي تقاعد من وزارة التجهيز والماء قبل أن يختاره الوزير نزار بركة مستشاراً في ديوانه بعد توليه المسؤولية الحكومية.
من جهة ثانية، كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن أحمد بخري تعرض قبل التخلي عنه من طرف الوزير، ومباشرةً بعد تصريحه، لتوقيف راتبه الذي يتقاضاه كمستشار، بعد تصريحاته التي حمَّلت جزءاً من مسؤولية التأخير في إنقاذ الطفل ريان إلى افتقار مصالح الوزارة في منطقة شفشاون إلى الآليات اللازمة.
وكان الطفل ريان قد قضى نحبه بعد أن قضى 5 أيام في بئر مهجورة، في إحدى قرى إقليم شفشاون (شمال المغرب)، بعد أن فشلت محاولات السلطات في إنقاذ حياته، وأثارت قضيته تعاطفاً عالمياً.
ووفق المصادر، لم تفلح محاولات المستشار المقال في ثني الوزير نزار بركة عن التراجع عن قرار إقالته، حيث ظلَّ الوزير يُشدد على أن المستشار وقع في خطأ مهني جسيم، كاد يضر بصورة المغرب بعد أن أضر بمجهودات الوزارة.
وبحسب المصادر، فإن المستشار في محاولة منه لاسترضاء الوزير، نشر "بلاغ حقيقة"، أشاد فيه بمجهودات الوزارة والدولة، وجميع المتدخلين في عملية إنقاذ ريان، متهماً الصحافة بتحريف مضمون وسياق كلامه، لكن هذا الاعتذار لم يعفه من الإقالة.
محاولة لطيّ ملف ريان
كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن هناك محاولات جارية لطيّ ملف الطفل ريان، وتوقف المحاسبة عند مستشار وزير التجهيز والماء باعتباره كبش فداء للقضية.
وزادت المصادر أن ما جرى للطفل ريان يُحمّل مسؤولية قانونية وإدارية لكل من عامل (محافظ) إقليم شفشاون، محمد علمي ودان، والمدير الجهوي للفلاحة بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة، ومدير وكالة الحوض المائي.
وشدّدت المصادر أنه بموجب القوانين المغربية، وتحديداً القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، وانطلاقاً من الفرع الثاني من القانون، والمادة 3 منه، والتي اعتبرت حفر الآبار أو الثقوب لجلب الماء وجهاً من استغلال أو استعمال الملكية العامة المائية.
وأوضحت المصادر أن هذه المادة تنطبق تماماً على حالة خالد أورام، والد الطفل ريان، الذي قام بحفر ثقب مائي من أجل جلب الماء، رغم أنه قام بالأمر داخل أرضه الفلاحية.
وزادت المصادر أن عمليات حفر الآبار أو ثقب جلب الماء تخضع لنظام الترخيص القبلي، تبعاً للمادة 28 من القانون، وهذا هو مدخل مسؤولية ممثلي وزارة الداخلية والفلاحة والتجهيز والحوض المائي.
وأفادت: ووفق مرسوم 16 يناير/كانون الثاني 2009، المتعلق بتحديد مسطرة منح الترخيص والامتيازات المتعلقة بالملك العمومي، وفي المادة 4 من الفصل الثاني المتعلق بالبحث العلني، فإن الترخيص يتم بناء على قرار لجنة تتكون من ممثل السلطة الإدارية المحلية (وزارة الداخلية)، وممثل وكالة الحوض المائي، وممثل وزارة التجهيز والماء، وممثل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، وممثل الجماعة الترابية التي يقع في ترابها البئر أو ثقب جلب الماء.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن حالة الثقب المائي الذي مات فيه الطفل ريان تستلزم الحصول على ترخيص مسبق، وبالتالي توجِب من النواحي القانونية والإدارية مُساءلة كل هؤلاء المعنيين بالفاجعة، كل بحسب مسؤوليته وموقعه.
لا محاسبة لـ"صديق" أخنوش
مصادر "عربي بوست" قالت "عوض الذهاب إلى التحقيق والمساءلة ذهبنا إلى التضحية بكبش فداء، ثم الانتقال إلى إحداث جعجعة حول الآبار، دون الحديث الصريح والواضح عن المسؤوليات القانونية والإدارية".
وذهبت المصادر إلى أن الأمر فيه كثير من السياسة، والسبب هو العلاقة "التاريخية" بين رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، ومحافظ إقليم شفشاون محمد علمي ودان.
وسجّلت أن فاجعة الطفل ريان جسَّدت هذه العلاقة، حيث عمل رئيس الحكومة على حماية صديق عمره، من خلال توجيه الرأي العام عبر صحافته، لعدم الحديث عن مسؤولية العامل، كما عمل عبر علاقاته داخل المؤسسات على تخفيف هول الواقعة، وبالتالي التحكم في نتائجها الإدارية والسياسية، وتجنيب أصدقائه ومناضلي حزبه تحمل المسؤولية.
وزادت المصادر: العلاقة بين أخنوش وبين محافظ إقليم شفشاون انطلقت منذ 1996، حينما التحلق المهندس/ العامل/ المحافظ بوزارة الفلاحة، وبالضبط في إقليم "تزنيت" (جنوب)، حيث مدينة "تافراوت" مسقط رأس عزيز أخنوش.
وسجلت أن محمد علمي ودان التحق بوزارة الفلاحة لا كموظف عادي، بل كرئيس مكتب بالمديرية الإقليمية للفلاحة بتزنيت، ومساره المهني مرتبط بتلك المدينة بشكل غريب، حيث يغادر الإقليم ثم يعود إليه بشكل غير متوقع، حدث هذا في (2004-2009)، حين شغل منصب رئيس مصلحة، ثم عُين في منصب المدير الإقليمي للفلاحة بإقليم أزيلال سنة 2009، ليعود إلى إقليم تزنيت سنة 2010، وظلّ فيه إلى أن عُين المدير الجهوي للفلاحة بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة في 2014، وهي المهام التي ظلَّ يزاولها إلى أن أصبح عاملاً بتاريخ 20 أغسطس/آب 2018.
علاقة محمد علمي ودان بعزيز أخنوش تحوّلت إلى محل جدل خلال الانتخابات التي عرفها المغرب، في سبتمبر/أيلول 2021، خاصة بعد الاتهامات الكبيرة التي وُجهت لعامل إقليم شفشاون، باستغلال سلطته لدعم مرشحي حزب سياسي معين.
وكانت الصحافة المحلية قد نشرت وجود اتهامات للعامل محمد علمي ودان، بدعم مرشحين معينين في الانتخابات الماضية، سواء داخل الغرفة الفلاحية أو داخل الجماعات والبرلمان.
وكان حزب العدالة والتنمية بإقليم شفشاون قد طالب العامل ومرؤوسيه بحضور رئيس الحزب والحكومة آنذاك سعد الدين العثماني، بـ"التزام الحياد تجاه جميع المتنافسين خلال الاستحقاقات الانتخابية، بما يضمن نزاهة ومصداقية العملية الانتخابية، ويعزز المسار الديمقراطي.
وكان لافتاً بعد الانتخابات الأخيرة حصول مرشحي حزب التجمع الوطني للأحرار، لرئيسه عزيز أخنوش، على أغلب رئاسات الجماعات وعضويات البرلمان في إقليم شفشاون.
هذا، وانتهت فاجعة الطفل ريان إلى إقالة مستشار وزير التجهيز والماء، والقيام بعملية إحصاء للآبار وثقوب جلب الماء، والتحذير من استغلال اسم ريان وعائلته في طلبات الإحسان.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”