كشف تقرير نشرته صحيفة New York Times الأمريكية الإثنين 13 فبراير/شباط 2022 عن موجة رحيل صامتة للمسلمين من فرنسا التي تشهد مؤخراً ضغوطاً غير مسبوقة على المسلمين بالبلد الأوروبي، خاصة مع اقتراب الحملة الانتخابية للرئاسيات.
التقرير قال إن موضوع الهجرة والمسلمين في فرنسا أصبح الحديث الأبرز خاصة مع اقتراب الانتخابات، إذ يرى المترشحون لرئاسيات فرنسا منه وجبة دسمة وورقة رابحة للحصول على أصوات الفرنسيين.
حملة باريس ضد المسلمين
وسط العديد من القرارات التي اتخذتها باريس مؤخراً فيما بدا كأنها حملة ضد المسلمين اختار العديد منهم الرحيل عن البلد الذي وُلِدوا فيه ونشأوا فيه هرباً من "التمييز" وبحثاً عن حياة أفضل.
الصحيفة الأمريكية نقلت تجربة الروائي والكاتب ذي الأصول الجزائرية، صبري لواطة، الذي اختار العيش في الولايات المتحدة مع زوجته الفرنسية وطفلهما، إذ قال لواطة الذي يقيم حالياً في مدينة فلادلفيا مع وزوجته، الخبيرة الاقتصادية، والتي تعمل في جامعة بنسلفانيا، إنه يأمل أن يعود يوماً ما إلى بلده الذي تنتشر فيها رواياته، مشيراً إلى النجاح الذي حققه المسلسل التلفزيوني الفرنسي الذي كتبه تحت عنوان "الهمجيون"، والذي بث في العام 2019، وظهر فيه رئيس فرنسا من أصل عربي، لكن لواطة قال إن ذلك كان طفرة، فبعد سنوات حاول كتابة الجزء الثاني للمسلسل والذي ركز فيه على عنف الشرطة الفرنسية إلا أنه لاقى رفضاً واسعاً في فرنسا ورفضت شركة الإنتاج أن تنتجه لأسباب مجهولة على حد قوله.
وأضافت الصحيفة مستغربة من تجاهل السياسيين في فرنسا لهجرة مواطنيها الأكفاء قائلة إن فرنسا فقدت الكثير من الإطارات والنخبة الذين غادروا بحثاً عن المزيد من الديناميكية والفرص بسبب التحيّز والتمييز وافتقاد الشعور بالأمان مع الشعور بعدم الانتماء.
"فرنسا تطلق النار على نفسها"
من جانبه، أوضح الأستاذ في مركز العلوم السياسية والقانون العام وعلم الاجتماع بجامعة ليل الفرنسية، أوليفييه إستيفيز، والذي أجرى مسحًا لـ900 مهاجر فرنسي مسلم وأجرى مقابلات متعمقة مع 130 أن "هؤلاء الأشخاص ينتهي بهم الأمر بالمساهمة في اقتصاد كندا أو بريطانيا". وأضاف: "فرنسا تطلق النار على نفسها حقاً"، في إشارة إلى هجرة العقول التي تؤثر على اقتصاد البلاد.
عمار مكروس، 46 سنة، وهو مواطن فرنسي مسلم نشأ في إحدى ضواحي باريس قال للصحيفة الأمريكية: "أنا فرنسي فقط في الخارج.. أنا متزوج من امرأة فرنسية وأتحدث الفرنسية وأحب الطعام والثقافة الفرنسيين، لكن في بلدي أنا لست فرنسياً".
مكروس قال إنه مع اكتشاف أن المسلمين الفرنسيين، أنهم باتوا يعانون من الاضطهاد عقب هجمات 2015، قرر الاستقرار مع زوجته وأطفاله الثلاثة في مدينة ليستر بإنجلترا. وأضاف أن الوافدين الجدد إلى بريطانيا زادوا قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مضيفاً أن معظمهم من العائلات الشابة والأمهات العازبات اللواتي يجدن صعوبة في العثور على وظائف في فرنسا لأنهن قررن ارتداء الحجاب.
خطاب معادٍ للمسلمين في فرنسا
يأتي هذا في وقت تستعد فيه فرنسا لانتخابات رئاسية يجد فيها المرشحون لها موضوع الهجرة والمسلمين ورقة رابحة لهم، خاصة لليمين المتطرف.
المرشح إريك زمور رغم أنه ذو أصول جزائرية إلا أنه يركز في خطاباته على خططه لطرد المهاجرين ومحاربة المسلمين في حال فوزه برئاسيات فرنسا.
وفي تصريحاته الأخيرة وصف زمور المسلمين والمهاجرين بأنهم "أكثر من منحرفين" إذ نُشر تسجيل مصور نُشر على يوتيوب، تضمّن تحذيرات كثيرة من المهاجرين وتعهّدات بإعادة الهيبة إلى فرنسا على الساحة الدولية.
زمور قال: "ما يحدث ليس مواجهة سلطة مع منحرفين بل أكثر من ذلك، هو صراع بين حضارتين في فرنسا، ويجب على الحضارة الفرنسية أن تفرض نفسها على الأخرى". كما أضاف المرشح اليميني أن "المنحرفين الذين يقطنون الأبنية السكنية المرتفعة هم رفاق للجهاديين، في معركة تضع المهاجرين في مواجهة الثقافة الفرنسية الأصيلة".
تفوق اليمين المتطرف
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة Harris Interactive مؤخراً، أن زمور يتفوق على لوبان ومرشح اليمين التقليدي، الجمهوريّين، في الجولة الأولى من السباق الرئاسي.
بينما تُظهر جميع استطلاعات الرأي أنه سيخسر أمام ماكرون في الجولة الثانية، لكن فرنسا في مزاج سياسي متقلب، ويتساءل العديد من المراقبين عما إذا كان هجوم إرهابي آخر أو موجة قاسية من كوفيد يمكن أن تمنح زمور فرصة للتغلب على ماكرون، حسب The Independent.
في الوقت الحالي، أصبحت هيئته الهزيلة تظهر على أغلفة المجلات، وترشحه المحتمل أصبح موضوع البرامج الحوارية وتحليلات الصحف. ويتساءل الكثيرون عما إذا كان الحديث عنه سوف يغذي صعوده، بنفس الطريقة التي أسهم بها التلفزيون الأمريكي بمليارات من الإعلانات المجانية لحملة ترامب الانتخابية في عام 2016 بسبب هوسهم به.
إذ يقول دومينيك سوبو، رئيس SOS Racisme، وهي مجموعة تركز على التمييز: "إن خطابه الذي تتناقله العديد من وسائل الإعلام بتهاون، والذي ساهم في خلق هذه الشخصية، يخاطر بالتأثير على جو وجدول أعمال الانتخابات الرئاسية، من خلال توجيه الأحزاب والمرشحين نحو المزيد من العنصرية والكراهية".