كشف يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في تونس، أن القضاة لن يقفوا صامتين أمام قرار الرئيس، الرامي إلى حل المجلس الأعلى للقضاء، مثلما حصل عندما جمَّد أعمال البرلمان.
بوزاخر، وفي تصريح لـ"عربي بوست" كشف عن الخطوات المقبلة التي سيقوم بها المجلس الأعلى للقضاء، خصوصاً أن ما قام به قيس سعيّد منذ 25 يوليو/حزيران 2021 يُعد سابقة سياسية في تونس.
ووصلت المعركة التي خاضها الرئيس التونسي قيس سعيّد ضد القضاة في بلده منعطفاً جديداً، بعد سيطرة الشرطة على مقر المجلس الأعلى للقضاء الإثنين 7 فبراير/شباط 2022، عقب يوم من إعلان سعيّد عزمه حلّ المجلس الأعلى للقضاء.
وخلف القرار الذي أعلن عنه الرئيس التونسي سخط القضاة في البلاد، خصوصاً أن الرئيس الآن أصبح ينفرد بكل السلطات التشريعية، والتنفيذية والقضائية، منذ إعلانه عن دخول البلاد في الإجراءات الاستثنائية.
وصباح اليوم الإثنين، حلت قوات الشرطة بمقر المجلس الأعلى للقضاء وسط العاصمة التونسية، وأغلقت الأبواب بأقفال حديدية ومنعت الموظفين من دخوله، وذلك حسب ما أعلن عنه يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء في تونس لـ"رويترز".
رئيس المجلس الأعلى للقضاء يرُد
قال رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر، تعقيباً على قرار رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء إن "القرار غير قانوني، ولا توجد مشروعية دستورية، ولا حتى واقعية لحل المجلس، وهو محاولة للسيطرة على القضاء وتوجيهه والعودة به إلى مربع التعليمات".
وأضاف يوسف بوزاخر في تصريح لـ"عربي بوست" أن "المجلس سيواصل القيام بمهامه في انتظار الموقف الرسمي لجلسته العامة، وأن القضاة لن يقفوا مكتوفي الأيدي وسيُدافعون عن استقلالية مُؤسستهم عن السلطة التنفيذية بكل الوسائل القانونية المشروعة".
وأشار بوزاخر إلى أن "المراسيم التي جاء بها الأمر الرئاسي 117 تقول إن الغرض منها دفع خطر داهم، والقضاء لا يدخل في باب هذا الخطر الداهم الذي يستوجب اتخاذ قرارات مثل التي اتخذها الرئيس، وجدد رفضه المساس بالقضاء بواسطة المراسيم".
ويعطي "الأمر الرئاسي 117″، المتعلق بالتدابير الاستثنائية، الرئيس التونسي قيس سعيّد الحق في ممارسة السلطة التشريعية، وإصدار المراسيم لتنظيم العدالة والقضاء.
وأضاف المتحدث أن "الرئيس قام بالتجييش ضد المجلس وضد القضاة من مقر وزارة الداخلية، وما لذلك من دلالات، وحرَّض المواطنين على التظاهر لحل المجلس الأعلى للقضاء".
ورفض رئيس المجلس الأعلى للقضاء الاتهامات التي وجهها الرئيس للقضاء بالفساد قائلاً: "الاتهامات بالفساد لا ينبغي أن تُلقى جزافاً، بل تستند إلى ملفات ومؤيدات في نطاق احترام حق الدفاع ومبادئ المحاكمة العادلة".
حل المجلس الأعلى للقضاء
يأتي ذلك بعد أن قرر الرئيس التونسي في ساعة مبكرة من فجر الأحد 6 فبراير/شباط 2022، حلّ المجلس الأعلى للقضاء، معتبراً أن المجلس أصبح من الماضي، وقال إنه سيصدر مرسوماً مؤقتاً للمجلس.
وقال الرئيس التونسي: "من حقّكم ومن حقّنا حلّ المجلس الأعلى للقضاء، هذا المجلس تباع فيه المناصب وتوضع فيه الحركة القضائية حسب الولاءات، هؤلاء مكانهم ليس المكان الذين يجلسون فيه وإنّما المكان الذي يقف فيه المتهمون".
وأضاف الرئيس التونسي من مقر وزارة الداخلية أنه سيعمل على وضع مرسوم مؤقّت ينظّم عمل المجلس الأعلى للقضاء، و"هذا المجلس نفسه في عداد الماضي من هذه اللحظة"، يقول المتحدث.
وكان الرئيس قد أصدر في وقت سابق مرسوماً يقضي بإلغاء جميع المنح والامتيازات الممنوحة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء.
وقد تجمَّع اليوم أنصار الرئيس قيس سعيد في خطوة تصعيدية أمام المجلس الأعلى للقضاء مطالبين بحله وبتطهير القضاء، كما أعلنت "جبهة 25 يوليو/تموز" الدخول في اعتصام مفتوح أمام مقر المجلس للضغط من أجل حله والشروع في محاسبة القضاة الفاسدين.
أصل الأزمة
لم تبدأ الأزمة بين القضاء وقيس سعيّد بعد إعلان هذا الأخير عن الإجراءات الاستثنائية، في 25 يوليو/تموز 2021، إذ اعتبر المجلس الأعلى للقضاء في تونس نفسه في منأى عن هذه الأزمة التي جمدت البرلمان وحلّت الحكومة السابقة.
بعد ذلك تغير كل شيء، وبدأت الأزمة تتضح معالمها بين الرئيس والقضاة، إذ استدعى قيس سعيّد إلى قصر قرطاج أكثر من قاضٍ، واجتمع في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، بممثلين عن القضاة، يوجههم في مجموعة من القضايا.
ومن أهم القضايا التي عرضها الرئيس على القضاء، تلك المتعلقة بالانتخابات، والتي طلب فيها من القضاء ترتيب النتائج القانونية بخصوص تقرير محكمة الحسابات، والذي يظهر التمويلات الأجنبية التي حصل عليها بعض المرشحين في الانتخابات البرلمانية الماضية.
بعدها بدأت تحركات المجلس الأعلى للقضاء في تونس بعدما اقترب منه الخطر، فأصدر بيانات ضد توجهات الرئيس، رفض من خلالها المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية وحل المجلس في هذه المرحلة الاستثنائية.
مقابل ذلك، لم يفوّت الرئيس أي فرصة لمهاجمة المجلس الأعلى للقضاء في تونس، إذ أعلن بشكل مباشر أنه "يستعد للإعلان قريباً عن مراحل جديدة حتى تستعيد الدولة والقضاء عافيتهما".
وأثار سعيّد غضب القضاة؛ إذ قال إن "القضاء هو وظيفة، وليس سلطة مستقلة عن الدولة، والسلطة والسيادة للشعب، وكلّ البقية وظائف".
وكان المجلس الأعلى للقضاء قد أكد في كل بياناته، وفي جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، وتمسكه بوضع القضاء كسلطة، وبشرعية المجلس الأعلى للقضاء، المستمدة من الدستور والقانون الأساسي المتعلق بإحداثه.