قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الأحد 30 يناير/كانون الثاني 2022 إن دول الخليج ستدرس رد لبنان على اقتراحات خليجية للحكومة اللبنانية من أجل تحسين العلاقات بين الخليج وبيروت.
إذ سبق إن أعلن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، أن الرد على المبادرة الكويتية لإعادة بناء الثقة بين بيروت ودول الخليج، سيكون جاهزاً قبل السبت وذلك عقب جلسة لمجلس الوزراء في العاصمة بيروت، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية منها قناة "أو تي في" (خاصة).
المقترح الخليجي لتحسين العلاقات
في السياق ذاته وجَّه وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، الشكر للبنان على "التفاعل" مع المطالب التي صاغتها الدول الخليجية قائلاً إنه خطوة إيجابية.
كان وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح قد زار لبنان الأيام القليلة الماضية وحمل معه رسالة كويتية خليجية عربية ودولية، تضمنت "أفكاراً واقتراحات هدفها إعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج"، وفق الرئاسة اللبنانية.
حيث اعتبرت زيارة المسؤول الكويتي أول زيارة رسمية لمسؤول خليجي رفيع منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021 بين لبنان ودول خليجية بينها الكويت، إثر تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي (استقال فيما بعد)، انتقد فيها حرب اليمن، قبيل توليه الوزارة.
مبادرة الكويت للبنان
فقد سبق أن كشف مصدر لبناني مطلع للأناضول، أن المبادرة الكويتية "تركز على التزام لبنان بقرارات الشرعية الدولية، وعدم التدخل في شؤون دول الخليج والعربية عامة، وعدم القيام بأعمال عدائية ضدها".
حيث أوضح أن المذكرة تركز أيضاً على "تطبيق اتفاق الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989) والقرارات الدولية ذات الصلة 1559 و1701 و1680 الصادرة عن مجلس الأمن الدولي".
يذكر أن السعودية والإمارات والبحرين والكويت واليمن، وعلى إثر أزمة تصريحات قرداحي، سحبت سفراءها من لبنان، وكذلك طُلب من سفراء لبنان مغادرة بلادها، وما زال هذا الوضع على حاله إلى اليوم.
تفاصيل الرد اللبناني
كان موقع "عربي بوست" قد انفرد بالرد اللبناني على المقترحات الخليجية التي حملتها الكويت في زيارة وزير خارجيتها إلى بيروت، وقال الموقع إنه تم تحضير الرد بعد نقاش ساخن دار بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري مع وزيري الخارجية عبد الله بو حبيب والداخلية بسام مولوي، ما اعتبروه ألغاماً تحفّ المطالب الخليجية، خاصة تلك التي تتعلق بالخلافات الإقليمية، والتي لا يقدر لبنان على حلها منفرداً.
تطبيق القرارات الدولية قولاً وفعلاً
كان قد جاء في بنود المطالب الخمسة الأولى، التي حملها وزير الخارجية الكويتي للبنان، التزام لبنان بكافة استحقاقات اتفاق الطائف، التزام لبنان بكافة قرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية، والتأكيد على مدنية الدولة اللبنانية وفق ما جاء في الدستور اللبناني، وسياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولاً وفعلاً، ووضع إطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 (2004) والخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان.
وعليه، ووفقاً لمصادر حكومية أكدت لـ"عربي بوست" فإن الجواب الذي توصل إليه مسؤولون فيما يتعلق بالبنود الأولى ينطلق من مبدأ أساسي وهو تجنّب تفجير أي لغم داخلي قد يؤدي إلى أزمة داخلية جديدة قد تنعكس على الواقع اللبناني المتأزم أصلاً، وأن الرد لم يأتِ على ذكر القرار 1559، بل أكّد التزام لبنان بشكل عام بقرارات الشرعية الدولية، وأنه سيعكس تأكيد لبنان الرسمي، رفضه لتدخل حزب الله في شؤون أي دولة عربية.
في الملفات المحلية يؤكد المصدر أن الموقف اللبناني سيعكس توجّهات الحكومة اللبنانية لناحية توفير الدعم الكامل للجيش وسائر الأجهزة الأمنية. وذلك لناحية إجراء الإصلاحات والانتخابات النيابية في موعدها بناء على الورقة الخليجية، كذلك التأكيد على الإجراءات المشدّدة التي تُتخذ لمنع التهريب، والتي أدّت إلى قمع العديد من المحاولات وتوقيف المهرّبين لمعاقبتهم، وجهوزية لبنان للقبول بفريق عمل أمني مشترك لمكافحة تهريب المخدرات من أراضيه باتجاه دول الخليج.
بند السلاح والنشاط الإقليمي
أما فيما يخص القرار 1559 القاضي بسحب سلاح حزب الله، فسيكون الرد الرئاسي على الورقة الكويتية أن سلاح حزب الله وتدخّله بشؤون الدّول العربيّة مرتبط بالصّراعات بين إيران والدول العربية، والإدارة اللبنانية لا قدرة لها على الدخول في أتون هذا الصراع، وهو لا يستطيع التّأثير به سلباً أو إيجاباً، لكن لبنان الرّسميّ سيُطبّق ويلتزم بسياسة النّأيّ بالنّفس عن صراعات المحاور.
عند البند المتعلق بـ"وقف تدخّل حزب الله في شؤون الخليج"، أشار الرد اللبناني إلى أنّ ما بلغه النزاع الإقليمي والدولي تجاوز قدرات لبنان على ضبط الوضع، وأنّ مختلف الدول العربية تدرك ذلك، وأنّ أي تعاون دولي وإقليمي لتنفيذ هذا البند سيكون مطلوباً ومفيداً.
يقول المصدر إن عون وحول البند المتعلق بعدم تحول لبنان لمنصة هجوم على دول الخليج طلب أن يرد على هذا البند بالقول إن لبنان أثبت أخيراً أنّه ضامن أن لا يكون مقراً لأي عمل عدائي ضد دول مجلس التعاون. وبالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية لوقف تهريب المخدرات ووقف المؤتمرات المعارضة للدول الخليجية، فقد عبّرت الحكومة في مواقفها عن الرفض المطلق لما يمسّ هذه العلاقات.
أما فيما يخص تطبيق اتفاق الطائف وتنفيذ الإصلاحات فإن عون شدد في الرد على جملة مواقف تؤكد إيمان المسؤولين في بيروت بتنفيذ خطة تعافٍ مالي ومشروع إصلاحات في قطاعات مهمة بالتنسيق مع برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وعليه فإن عون وعقب انتهائه من الورقة أعاد إرسالها للرئيسين ميقاتي وبري للاطلاع عليها وإضافة ما يمكن إضافته.
سيتضمن الردّ اللبناني سرداً للجهود المبذولة للتعاون مع الجهات الدولية المانحة والدائنين والبنك الدولي، لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلّم ودائعهم في المصارف اللبنانية، من خلال الجهود المبذولة أيضاً لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبتّ بخطة التعافي الاقتصادي والنقدي، وهي عملية طويلة الأمد لا بدّ من أن تتعاون مختلف الدول الصديقة والشقيقة، ولا سيما الخليجية منها لتجاوز الصعوبات التي يواجهها لبنان.
تعويل على اختلاف خليجي
كما يؤكد المصدر أن عون صارح مقربين منه بتعويله على اختلاف خليجي بوجهات النظر وتحديداً بين السعودية والإمارات والبحرين التي تبدي موقفاً متشدداً من جهة، وبين الكويت وقطر وسلطنة عمان وذلك للتخفيف من حدة الشروط وقسوتها، لأن عون وفق وجهة نظره فإن الكويت والدوحة ومسقط تتعاطى بواقعية مع هذه المسائل وتتفهم الظروف الداخلية والخارجية للبنان.
لجنة تفاوض والسعودية ترفض
حول الملفات الخلافية المتعلقة بسلاح حزب الله ومشاركته في حروب اليمن وسوريا، يشير مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست" إلى أن لبنان اقترح في ختام ورقته التي سيقدمها للدول الخليجية وتأميناً للخروج من المأزق، بأن تُشكّل لجنة خليجية ـ لبنانية للبحث فيها، على أن تضمّ كأولوية من تنتدب دول مجلس التعاون الخليجي ليمثلها، وإن رغبت دول أخرى عربية فلبنان يرحّب بها. فقد أثبتت الوقائع التي لا يمكن التنكّر لها أنّ "لبنان الرسمي" عجز عن تطويع القوى الإقليمية والدولية التي يمكن أن تساعده لهذه الغاية.
هذا يعني وفقاً للمصدر فتح باب الحوار بين لبنان ودول الخليج، باعتماد دولة خليجية تستضيف هذا الحوار بين لجان متخصصة، لكن المصدر يؤكد أن السعودية كانت رفضت هذا الطرح من قبل، لأنها تعتبر أن المدخل للحوار والنقاش يجب أن ينطلق على مواقف وإجراءات لبنانية واضحة يتخذها لبنان ويبدأ في تنفيذها، وسيجري نقاش الرد اللبناني مع وزراء خارجية واشنطن وباريس للقول في نهاية المطاف إنه لا داعي لأي جهة أن تطلب منّا مساعدة لبنان، فنحن حاولنا واللبنانيون لم يستجيبوا.
يؤكد المصدر أن الورقة السعودية في ظاهرها لبناني لكن في باطنها "ملف اليمن"، والسعودية تقول لواشنطن التي تطلب منها دعم لبنان إن عليها الذهاب لمساعدتها لوقف نزيف اليمن مقابل دعم لبنان وحكومته وإن الحل يبدأ من تراجع الحوثيين الذين يتلقون دعماً يومياً من حزب الله وإيران.
بعدها أحيلت الورقة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون والذي ناقشها مع فريق عمله، بالإضافة إلى أنها أخضعت لجلسة حوارية حضرها مع عون، صهره رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وتقول المصادر إن عون وباسيل استوقفتهما عبارة "قولاً وفعلاً"، والواردة في الورقة الكويتية. لكن عون لم يشأ تكرارها نفسها في ورقة الإجابة اللبنانية، وحرص على عدم استفزاز أي طرف لبناني، وعدم إظهار لبنان في موقع الخاضع للإملاءات الخارجية.