كشفت استطلاعات للرأي أجريت في روسيا، أن الشعب الروسي "بالكاد يهتم بما يقع في الحدود بين بلاده وأوكرانيا"، في الوقت الذي يدب فيه الرعب إلى نفوس الأوكرانيين والأوروبيين من اندلاع حرب طاحنة بين موسكو وكلوب قد تصيب نيرانها الدول الأوروبية المجاررة، كما أكدت الاستطلاعات كذلك أن جل الروس "لا يتوقعون أن تنشب حرب فعلية"، وأن كل الخطابات ليست "مفاوضات".
حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، السبت 29 يناير/كانون الثاني 2022، فإنه رغم تحذيرات الولايات المتحدة بأن هجوماً قد يكون وشيكاً، من الصعب على المرء أن يتجوَّل في موسكو ليخمِّن أن شيئاً غير عادي يجري على قدم وساق.
لا يؤمنون بوجود حرب
انطلقت موسيقى الكورال في ساحة كاتدرائية القوات المسلحة الروسية، بينما كان الكاهن الزائر أليكسي روجكوف يفكر في السؤال: هل تقف روسيا على شفا صراع كبير جديد في أوكرانيا؟
قال بسرعة: "لن تكون هناك حرب. لا يمكن"، وهو يلقي نظرةً سريعةً على المنور من الزجاج المعشق الذي يصور الميداليات السوفييتية والرموز الدينية على السقف.
شُيِّدَت الكاتدرائية مؤخًّراً كدليلٍ على فخر روسيا بمجدها العسكري، بدءاً من الانتصار في الحرب العالمية الثانية إلى النزاعات الأخيرة. تمجِّد لوحة فسيفساء على أحد الجدران الجنود الروس الذين قاتلوا في جورجيا عام 2008 وسوريا عام 2015، وكذلك "الرجال الخضر الصغار" الذين ضموا شبه جزيرة القرم في عام 2014.
لكن مثل الآخرين هناك، قال روجكوف إنه لا يستطيع أن يرى ما الذي يمكن أن يدفع روسيا لشنِّ هجومٍ على أوكرانيا اليوم- رغم الإنذارات العلنية لفلاديمير بوتين إلى الغرب واستمرار الدبابات والصواريخ والأسلحة الأخرى في شقِّ طريقها إلى الحدود الأوكرانية.
لا يكترثون
قال كونستانتين دانيلين، 36 عاماً، الذي أحضر ابنتيه للذهاب إلى حديقة بارك باتريوت، وهي حديقةٌ ترفيهية خارج موسكو، افتتحها الجيش الروسي: "يحتاج القادة إلى التحدُّث بصرامة، فهذه هستيريا محضة. بوتين عدواني، ومن الممكن أن يرتكب أخطاء، لكن هذا كلَّه مجرد مفاوضات".
الآن، مع اقتراب روسيا من حرب ربما تكون أكثر مصيرية، يبدو الأمر كما لو أن الجمهور بالكاد يلاحظ ذلك، على الرغم من إشارات التحذير القادمة من كلا الجانبين.
قال دينيس فولكوف، من مركز ليفادا، وهو وكالة استطلاعات مستقلة: "عندما يُطرح هذا الموضوع على الناس في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية، يقول الناس: لا أريد أن أعرف حتى ما الذي يحدث هناك. أوكرانيا مرةً أخرى، الحرب مرةً أخرى، لا أريد الخوض في ذلك".
وجد مركز ليفادا في ديسمبر/كانون الأول أن غالبية الروس لا يعتقدون أنه ستكون هناك حرب أكبر في أوكرانيا. وفي الاستطلاع نفسه، ألقى ثلثا المستجيبين باللوم على الولايات المتحدة أو الناتو أو أوكرانيا في تصعيد التوتُّرات. وقال فولكوف: "لا أحد يريد الحرب، لكنهم مستعدون لهذا الوضع".
لكن التوتر يفرض نفسه
أشار بعض النقاد إلى عدم وجود جنون شعبي في روسيا كإشارة إلى أن الحكومة لا تُعِدُّ الناس للحرب، على الرغم من أن مشاركة روسيا المستمرة في الصراعين الأوكراني والسوري قد جرت أيضاً دون ضجةٍ كبيرة.
يقول فولكوف إن الافتقار إلى الحماس لهذا الصراع قد يمنح الكرملين فرصة.
كما أضاف: "الأهم من ذلك بكثير أن يكون الناس على استعداد لقبول ما يحدث. الغالبية من الناس لن تحتج. وهذا يعني أن أيدي الحكومة مُطلَقة".
من جهته، صرح تيخون دزيادكو، رئيس تحرير قناة تي في راين المستقلة، أنه لاحظ قلقاً متزايداً بين دائرة أصدقائه، الذين احتج الكثير منهم على اندلاع الحرب في عام 2014، من أن صراعاً جديداً على وشك الحدوث.
لكنه قال إنه كان من المفهوم لماذا يمكن إسكات رد الفعل العام. أولاً، الحرب مستمرة في أوكرانيا منذ ثماني سنوات وقد اعتاد الروس عليها ببطء، وثانياً، يشعر المجتمع الروسي بالإحباط بسبب الأجواء القمعية للحكومة بحيث يصعب تخيل أي احتجاج يحدث الآن.