كشفت شبكة CNN الأمريكية، الجمعة 28 يناير/كانون الثاني 2022، أن إدارة الرئيس جو بايدن قررت منع 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، بسبب ما وصفته بعدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية.
فيما نقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطلعة، قولهم إن "إدارة بايدن تعتزم حرمان مصر من مساعدات عسكرية بقيمة 130 مليون دولار، بسبب مخاوف تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان".
كان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قال في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، إنه سيتم حجب المساعدة إذا لم تعالج (مصر) ظروفاً محددة تتعلق بحقوق الإنسان.
خطوة "نادرة"
هذه الخطوة "النادرة" تأتي ضد القاهرة التي تعد حليفاً مقرباً من واشنطن، وقبل أيام فقط من الموعد النهائي، في 30 يناير/كانون الثاني، لإعلان وزارة الخارجية عن خطط المعونات، وهي الجزء المتبقي من شريحة مثيرة للجدل بقيمة 300 مليون دولار من المساعدات، تم تقسيمها في سبتمبر/أيلول، مع إعطاء ما يزيد قليلاً على النصف إلى مصر في ذلك الوقت، والمبلغ المتبقي محتجز حتى الآن، بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
من جهته، ذكر مصدر مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأمريكية، لشبكة CNN، أن "المكان الأخير الذي يحتاج إلى 130 مليون دولار هو مصر"، لافتاً إلى أنه تم إبلاغ الكونغرس، وهناك "إجماع كامل" داخل وزارة الخارجية على توصية بأن بلينكن لن يسمح لمصر بتسلم الأموال التي سيتم تخصيصها الآن لدول أخرى.
كما أكد مصدران في الكونغرس أنه تم إطلاعهما، الأربعاء 26 يناير/كانون الثاني، على خطط وزارة الخارجية، كما تم إبلاغ نشطاء حقوق الإنسان الذين تحدثوا مع شبكة CNN.
رسالة مهمة للخارج
بينما لم ترد السفارة المصرية في واشنطن، على الفور على طلب للتعليق، لكن المصدر المسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية أكد أنه تم إبلاغهم أنهم لن يتلقوا الأموال، وقال: "المصريون ليسوا سعداء".
فيما رحب السيناتور الأمريكي كريس ميرفي، وهو ديمقراطي وحليف للرئيس بايدن، بالقرار، وقال إن السيسي فشل في تلبية "شروط الإدارة الصغيرة المتعلقة بحقوق الإنسان، وهي شروط قابلة للتحقيق بالكامل".
ميرفي تابع، في بيان: "هذا يبعث برسالة مهمة للخارج، مفادها أننا سنعزز التزامنا بحقوق الإنسان من خلال العمل، وأن الأيام التي يتلقى فيها الحكام الديكتاتوريون شيكات على بياض من أمريكا قد ولَّت".
يشار إلى أن بايدن كان قد تعهد في حملته الانتخابية بإنهاء "الشيكات المفتوحة لديكتاتور ترامب المفضل"، في إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قد قالت، يوم الثلاثاء 25 يناير/كانون الثاني 2022، إن وزارة الخارجية وافقت على صفقة محتملة لبيع رادارات الدفاع الجوي وطائرات سي-130 سوبر هيركوليس لمصر بقيمة إجمالية تزيد على 2.5 مليار دولار.
"توحش الانتهاكات"
بدوره، قال "اتحاد القوى الوطنية المصرية" إنه يتفهم قرار الإدارة الأمريكية حجب جزء من المساعدات لنظام السيسي؛ لـ "توحش انتهاكاته لحقوق الإنسان"، مضيفاً: "هذا القرار يعكس حالة الإحباط التي أصابت المجتمع الحقوقي الدولي من توحش الانتهاكات وتردي الوضع الحقوقي في مصر، وهو مؤشر على أنه قد يكون مقدمة لمواقف دولية أخرى تترجم ما سبق التعبير عنه من قلق واحتجاج في مناسبات دولية مختلفة".
في حين رأى الاتحاد، في بيان، أن هذا الموقف يعد "خطوة رمزية بالاتجاه الصحيح يجب أن تتبعها خطوات أخرى على الصعيد الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة؛ للتعبير بشكل عملي عن رفض المجتمع الدولي اتساع ومنهجية الانتهاكات الخطيرة التي تُمارَس بشكل يومي، في ظل حالة الإنكار التي يمارسها النظام، وسياسة الإفلات المستمر من المحاسبة".
الاتحاد لفت إلى "ضلوع أجهزة الأمن المختلفة بشكل منهجي، في عمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء والمحاكمات الجماعية التعسفية التي تنتهك أبسط معايير المحاكمات العادلة، وغياب أي ضمانات قانونية، في ظل الانتهاك المستمر للقانون وللشرعة الدولية لحقوق الإنسان".
بينما ذكر اتحاد القوى الوطنية المصرية أن "ملف حقوق الإنسان في مصر كان يمكن أن يجد طريقه للانفراج والحل في إطار الجماعة الوطنية المصرية، إذا ما أعاد نظام السيسي الاعتبار للحقوق والحريات وحكم القانون المنصوص عليها في الدستور، وأنهى حالة الانتقام والفوضى التي تجاوزت كل الحدود، وأوقف الممارسات الوحشية لأجهزة الأمن، وأخلى سبيل عشرات الآلاف من السجناء السياسيين".
وختم بيانه بالقول: "يؤكد الاتحاد أن التأخر في الاستجابة لهذه الحقوق والمطالب العاجلة هو الذي يفتح الباب أمام تدويل هذا الملف، فلا يمكن أن يلتزم الشعب المصري، وهو جزء من الأسرة الدولية، الصمت أو غض الطرف عن هذه الممارسات المرتكبة ضد بعض أبنائه، والحل يكمن في القاهرة".
علاقات "وثيقة واستراتيجية"
يُذكر أن العلاقات المصرية الأمريكية عادةً ما توصف بـ"الوثيقة والاستراتيجية"، خاصة على المستوى العسكري، حيث تقدم واشنطن لمصر نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية، منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.
مراراً، تعرضت المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر إلى التخفيض، كما حدث عام 1999، حين تم الاتفاق على تخفيضها من نحو 800 مليون دولار إلى نحو 400 مليون، ثم أصبحت منذ عام 2009 قرابة 250 مليون دولار فقط، دون تغيير في الشق العسكري، لتبقى نحو 1.5 مليار دولار مساعدات سنوية.
أما عقب الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي صيف عام 2013، فجمدت واشنطن جزءاً من مساعداتها العسكرية المقدمة لمصر، قبل أن تتراجع عن القرار أوائل عام 2014.
كما أن الإدارة الأمريكية قررت، في أغسطس/آب 2017، تأجيل صرف 195 مليون دولار إلى مصر؛ "لعدم إحرازها تقدماً على صعيد حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية"، وهو ما وصفته الخارجية المصرية بـ"الحكم غير العادل".
بينما أعلنت واشنطن الإفراج عن تلك المساعدات خلال شهر يناير/كانون الثاني 2018.
"أسوأ أزمة حقوقية"
بحسب منظمات حقوقية دولية، تشهد مصر في ظل حكومة الرئيس السيسي، أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود؛ فلايزال عشرات الآلاف من منتقدي الحكومة، ومن بينهم صحفيون ومدافعون حقوقيون، مسجونين بتهم ذات دوافع سياسية، والعديد منهم في الحجز المطول قبل المحاكمة.
كما تستخدم السلطات غالباً تهم الإرهاب ونشر أخبار كاذبة ضد النشطاء السلميين، وضايقت واعتقلت أقارب معارضين في الخارج.
في حين أدى تفشي فيروس كورونا المستجد إلى تفاقم الأوضاع المزرية بالسجون المكتظة.
غير أن القاهرة عادةً ما تنفي صحة الانتقادات الموجهة إلى سجلها الحقوقي، وتؤكد احترامها الكامل للحريات والحقوق باستمرار، معتبرةً أن بعض المنظمات الحقوقية الدولية تروِّجها في إطار "حملة أكاذيب" ضدها.
كان السيسي قد أعلن، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول، إلغاء تمديد حالة الطوارئ التي كانت سارية في البلاد منذ سنوات، مؤكداً أن بلاده أصبحت "بفضل شعبها ورجالها المخلصين، واحةً للأمن والاستقرار في المنطقة".