إلى نقطة الصفر عادت العلاقات المغربية الإسبانية، إذ عكست الأيام القليلة الماضية تبادل "شرارات" بين الرباط ومدريد، لم ترتقِ إلى مستوى التصعيد الذي وقع في أبريل/نيسان من السنة الماضية، تاريخ دخول زعيم جبهة البوليساريو إلى إسبانيا لتلقي العلاج.
ولقد كشفت حفلات استقبال السفراء التي أجراها العاهل الإسباني، والأخرى التي عقدها العاهل المغربي، كل على حدة، أن العلاقة بين الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، تمر بأزمة جديدة، أو لم تغادر الأولى، رغم تبدل النبرة والخطاب وحتى المسؤولين.
حضور رغم الغياب
يوم الإثنين، 17 يناير/كانون الثاني، ترأّس العاهل الإسباني، الملك فيليبي السادس، حفل الاستقبال السنوي الذي تُخصصه مدريد للسفراء المعتمدين بالبلاد، تميز بغياب ممثل الرباط، وبحضور المغرب في كلمة الملك الإسباني.
العاهل الإسباني وفق ما نقلته عنه جريدة "الإسبانيول"، أعلن أن "البلدين يجب أن يسيرا معاً للبدء في تجسيد هذه العلاقة الثنائية الجديدة، التي تقول الحكومتان إنهما تعملان من أجلها لترك الأزمة الدبلوماسية الحالية وراءهما، لأن الأمر يتعلق بإيجاد حلول للمشاكل التي تهم شعوبنا".
وأكد العاهل الإسباني "الطبيعة الاستراتيجية للعلاقة مع المغرب بالنسبة لإسبانيا، والاعتماد المتبادل الموجود في هذه البلدان، وأشار الملك إلى أن كلتا الحكومتين اتفقت على إعادة تحديد العلاقة بشكل مشترك للقرن الحادي والعشرين، على أعمدة أقوى وأكثر صلابة".
ووفق مصادر "عربي بوست" الخاصة، فإنه بالرغم من غياب السفير أو السفيرة المغربية في مدريد عن الاستقبال، فإن الرباط كانت حاضرة، من خلال القائم بأعمال الرباط في إسبانيا.
وفي 18 مايو/أيار من السنة الماضية، استدعت الرباط سفيرتها في مدريد كريمة بن يعيش، بعد التصريحات الإسبانية التي أعقبت تدفقاً غير مسبوق للمهاجرين غير الشرعيين إلى مدينة سبتة المحتلة.
وتابعت المصادر أن كلمات العاهل الإسباني، التي تعتبر أول حديث علني عن الأزمة مع الرباط، جاءت لتقلل من حدة التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الإسباني، الذي استبق الحفل السنوي لاستقبال السفراء لإعلان عدم عودة السفيرة المغربية إلى مدريد.
وكان وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، قد أعلن في تصريحات صحفية، أن "مسألة عودة سفيرة المملكة المغربية إلى مدريد تتطلب بعض الوقت، ذلك أن الحوار الدبلوماسي يستغرق الصبر في الكثير من الأحيان، لكنه يكون ناجحاً في نهاية المطاف، فالعلاقات أحادية الجانب أصبحت منبوذة؛ لأن الأساس هو التعاون المشترك".
رسائل الرباط
علم "عربي بوست" أن الأزمة المغربية- الإسبانية تُراوح مكانها، وأنها رغم الخطابات الودية والدبلوماسية بين الجانبين لم تتجاوز نقاط الاختلاف والتبايُن بين الرباط ومدريد.
وسجلت المصادر، أن الحوار بين الرباط وإسبانيا رغم جدية الطرفين لم يستطع تجاوز الملفات العالقة، فالطرفان يريدان حسم ملفات الصحراء، والحدود البحرية، والهجرة، والتسلح، لكن كل طرف يملك رؤية تخالف الآخر.
وشدّدت على أن الخلاف بدا واضحاً في الحفل السنوي لاستقبال العاهل الإسباني سفراء الدول المعتمدين لدى مدريد، والذي تميز هذه السنة بغياب السفير المغربي/السفيرة المغربية.
وأوضحت أن الرباط لم تجد بُداً من الرد على موقف الحكومة الإسبانية من خلال حفل الاستقبال الملكي للسفراء المعتمدين في الرباط، الذي عرف غياب سفير إسبانيا.
وتابعت مصادر "عربي بوست" أن الرباط تريد عودة سريعة للعلاقات مع إسبانيا وعودة السفيرة كريمة بن يعيش، للإشراف على الاتصالات المباشرة مع مدريد، باعتبارها متخصصة في الشأن الإسباني، وثانياً لكونها تملك ثقة العاهل المغربي (نشأت وترعرعت مع الأمراء داخل القصر الملكي).
ووفق مصادر أخرى، كشفت لـ"عربي بوست" أن المغرب لم يتوقف عند حد استثناء إسبانيا من استقبال السفراء، بل أرسل رسالة لإسبانيا تمثلت في "إغماض العين" عن الأفارقة الراغبين في التسلل إلى سبتة المحتلة، كما جرى الأربعاء الماضي، 19 يناير/كانون الثاني، حيث تمكن العشرات من الفرار، قبل أن يجري توقيفهم.
وتابعت أن الرسالة الثالثة تمثلت في رسالة موجَّهة من إدارة الأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية المغربية، تعلن فيها تعويض كلمة "حدود" مع كل من سبتة ومليلية المحتلتين، حيث شمل التغيير الجديد حذف كلمة "حدودية"، حيث تحولت "مفوضية (الشرطة) الحدودية بباب سبتة"، إلى "مفوضية باب سبتة"، وانتقلت "المفوضية الحدودية بباب مليلية" إلى "مفوضية باب مليلية"، بحسب ما نشرته "الإسبانيول".
دبلوماسي سابق، وخبير علاقات بين المغرب وإسبانيا، كشف لـ"عربي بوست" أن الخطوات المغربية الثلاث، تعني أن الرباط تريد إنهاء هذا الملف بسرعة، لذلك فهي تمارس من جهة ضغطاً على مدريد، وفي مستوى تقول إنها لا تزال ترغب في الطيّ الحبي للخلافات بين البلدين الجارين.
خلافات ثلاثة
في خطاب ثورة الملك والشعب، 20 أغسطس/آب 2021، وجَّه العاهل المغربي رسالة واضحة إلى الحكومة الإسبانية التي أشاد برئيسها، معلناً أن المغرب حريص على تعزيز العلاقات مع إسبانيا ويحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، خاصة مع دول الجوار.
هذه الرسالة اعتبرتها كثير من القراءات بداية النهاية لأزمة هي الأعنف بين الرباط ومدريد، وسرت التوقعات بأن الخلافات أصبحت من الماضي، وأن عودة السفراء والتطبيع النهائي للعلاقات أصبحت مسألة وقت لا أكثر.
ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، لم يشارك المغرب في اللقاء الأخير لمنتدى وزراء خارجية الاتحاد من أجل المتوسط، الذي احتضنته برشلونة الإسبانية، إذ اعتذر وزير الخارجية والتعاون ناصر بوريطة لنظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس.
وكان هذا أكبر مؤشر على دخول العلاقة بين الطرفين مطباً جديداً، والأسباب كما سبق لـ"عربي بوست" نشرها تتمثل في السلاح، والصحراء والحدود البحرية، وملف المهاجرين.
ووفق ما حصل عليه "عربي بوست" من معطيات، فإن الرباط سجلت وجود جدية في إسبانيا لطيّ الخلافات السابقة، وبناء علاقة قوية تليق بدور البلدين في المنطقة.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”