الحريري يحسم قراره.. قريباً يعلن الانسحاب من المشهد الانتخابي ولكن ما تأثيره على الانتخابات المقبلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/23 الساعة 16:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/23 الساعة 18:06 بتوقيت غرينتش
المشهد الانتخابي

عاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى لبنان، بعد غياب خمسة أشهر، تلت اعتذاره عن تشكيل الحكومة، لكن هذه المرة حاسماً أمره بشكل نهائي بأنه لن يكون مرشحاً للانتخابات البرلمانية، وعلى الأرجح لن يكون هناك مرشحون باسم تيار المستقبل الذي يقوده الرجل منذ العام 2005، عقب اغتيال والده رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.

وهذا القرار وفقاً لمعظم المطلعين والمحللين لن يكون قراراً سهلاً، لا على مستوى الواقع السياسي اللبناني الذي يمثل الحريري فيه لبنة رئيسية بكونه الممثل الأكبر للطائفة السنية في البلاد منذ 16 عاماً، وانعكاسات اعتزال الحريري العمل السياسي ستكون لها أثرها على السنة في لبنان، الذين يعيشون مرحلة سياسية دقيقة منذ التسوية الرئاسية التي أتت بمرشح حزب الله (ميشال عون) رئيساً للجمهورية.

قرار نهائي

"أنا لا أناور"، هكذا يقول الحريري لأشخاص مقربين منه. ويقول مصدر مقرب من تيار المستقبل لـ"عربي بوست" إن العديد من الأطراف السياسية في لبنان وضعت موقف الحريري في إطار محاولات الحريري للمناورة واستجلاب الاستعطاف السني تجاهه، نتيجة مروره بمجموعة من الأزمات، أهمها فشله في تشكيل الحكومة، بعد نزاعه مع تيار رئيس الجمهورية، والأهم من ذلك إغلاق أبواب السعودية في وجهه منذ سنتين ونصف السنة.

حتى عندما تكاثر الكلام خلال لقاءاته مع مختلف الشخصيات السياسية التي زارته في مقر إقامته الجديد في أبوظبي، كرر أمامهم موقفه الواضح بأنه يفكر جدياً في عدم الترشح، وتضيف مصادر المستقبل أن الحريري وعقب عودته من أبوظبي لم يبلغ موقفه النهائي بعد سوى لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والمفتي عبد اللطيف دريان، وهو سيعلن الإثنين المقبل الساعة الرابعة عصراً موقفه من داره في بيت الوسط.

وإذ تؤكد المصادر أن الحريري، الذي التقى كتلته البرلمانية، وجرى نقاش موسع تخلله اعتراض من بعض نوابه وقيادات تياره السياسي حول قراره بالعزوف والانسحاب من المشهد، لا سيما أنه لا بديل عن تيار المستقبل داخل الساحة السنّية، وأن الانسحاب يتنافى مع حقيقة وجدان الشارع والجمهور، لكن الحريري ناقشهم بأن الفوز بالأكثرية لن يؤدي إلى أي تغيير، في ظل الصراعات الإقليمية التي يعيشها لبنان وانعكاساتها. 

وبالتالي، هو سيتحمل مسؤولية الانهيار كالآخرين، ولذلك يفضل عدم الدخول في مثل هذه التجارب مجدداً. وهو مقتنع أيضاً بأنه حتى لو عقد تحالفات مع قوى سياسية، فإن كل طرف سيكون مركزاً على مصالحه بعيداً عن المصلحة العامة.

وخلال الاجتماع صارح بعض النواب الحريري بأن غيابه وعزوفه يعني أن السنة المحسوبين على حزب الله والقوى الأخرى المخاصمة للحريري سيستفيدون من هذا الانكفاء، ليرد الحريري بأن تياره السياسي حصل منذ 2005 وحتى اليوم مع القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي وأحزاب 14 آذار على أكثرية برلمانية، لكن هذه الأكثرية لم تكن فاعلة، فالأرقام والتحالفات والمعسكرات شيء والقدرة على الحكم شيء آخر بوجود حزب الله وتوازنات إقليمية وصواريخ باليستية ومشروع نووي ومشاركة بأزمات المنطقة.

ميثاقية سنية.. تأجيل الانتخابات؟

وعليه، يقول مرجع سني رفيع المستوى لـ"عربي بوست"، إن ما يجري مؤشر واضح على رغبة أطراف بتأجيل الاستحقاق الانتخابي عبر دفع كل القوى السنية للعزوف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

 ويؤكد المرجع أن قرار رئيس الحكومة السابق تمام سلام وإعلانه عدم ترشحه في بيروت هو ملاقاة للحريري، وهذا الموقف نفسه سيعلنه الرئيس نجيب ميقاتي، ويجري الضغط على الرئيس فؤاد السنيورة للقيام بنفس الخطوة، وإحاطة هذه المواقف بدعم من دار الفتوى والعائلات السنية الكبيرة، ما يفتح النقاش أمام "تطيير الانتخابات" بحجة غياب الميثاقية الوطنية، نتيجة مقاطعة السنة في لبنان، ويؤكد المرجع أن هذا الموقف اتخذه رؤساء الحكومات السابقون خلال اجتماع جرى في دارة ميقاتي، حضره الرؤساء الحريري والسنيورة وسلام.

ويضيف أن السنيورة لا يزال غير مقتنع بهذا الموقف، وعرض سابقاً على الحريري أن يقوم مرحلياً بإدارة غيابه وقيادة تيار المستقبل حتى جلاء غبار الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، وانتهاء عهد الرئيس ميشال عون، لكن الحريري لم يوافق، وهو حريص على أخذ كل زملائه في نادي رؤساء الحكومات إلى نفس الخيار.

ويؤكد المرجع أن نقاش التمديد للبرلمان بدأ بشكل كبير لدى معظم القوى، وقد تكون مناسبة لتأجيل الانتخابات ريثما تعيد القوى السياسية توازنها وتموضعها من جديد، بعد النتائج الكارثية والأرقام الصادمة حول تراجع حجم القوى السياسية التقليدية.

 بالمقابل يرى الرجل أن نزع الميثاقية عن الاستحقاق الانتخابي وتأجيله قد يعيد الحريري مستقبلاً للساحة السنية كزعيم أقوى من قبل، لكنه يرى أنه وبحال عدم نزعها والإصرار على إجراء الانتخابات، فإن ذلك سيؤدي إلى تشتت في الساحة السنية، ما دام أنه لم يتم الاتفاق بين الحريري وآخرين على آلية لقيادة الساحة السنية، وذلك سيقود إلى تمثيل جديد من شخصيات وتوجّهات عديدة، إما مقربة من حزب الله أو في فلك قوى ذات طابع "إسلامي متطرف"، وهذا سيكون أحد أكبر الجرائم المرتكبة بحق المكون السني والمؤسس للكيان اللبناني.

بين جنبلاط وبري

يقول مصدر تيار المستقبل إن النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، التقى أمس الحريري في دارته، بعيداً عن الإعلام، وأكد له انزعاج بري من هذا الخيار، وأنه سبق أن حذّره منه، إلى جانب رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وأكد خليل للحريري تقدير بري له ومعرفته المسبقة بأنّه لن يستطيع أن يغيّر في موقفه الذي اتّخذه بالفعل، يجب إيجاد المخارج والحلول، لأن غياب تيار المستقبل عن المشهد سيفتح الباب إلى غياب الاعتدال السني الذي يمثله آل الحريري في السياسة اللبنانية.

بالمقابل، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ما إن حطت طائرته في بيروت عائداً من موسكو بعد رحلة سياسية دامت لعدة أيام، حتى حط رحاله في دار الحريري، ليل أمس، وجرى في هذا اللقاء نقاش مستفيض، حيث أكد جنبلاط للحريري أنه فاتح الروس بضرورة أن يقوموا بالحديث مع الدول العربية، وتحديداً السعودية، بأنه لا يمكن التفريط بالسنّة في لبنان، ولا يمكن السماح بضرب السنة فيها كما ضُربوا في سوريا والعراق، وأن الاعتدال السنّي يشكل مظلة استراتيجية للمنطقة ككل، ولا يمكن اعتماد سياسات من شأنها إعادة إنتاج قوى التطرف في ظل إعادة إحياء داعش.

وأكد جنبلاط للحريري أنه أجرى جولة أفق حول هذا الملف مع الفرنسيين وهم يتفهمون موقفه، وسيسعون مع بعض شركائهم الأوروبيين للحديث مع دول الخليج حول نتائج واقع سياسي كهذا، وأنه سيتحدث مع الكويتيين والقطريين، والدفع باتجاه الحفاظ على الحريري في المشهد السني، وتأمين عودة سياسية له من جديد.

امتحان صعب

وحول واقع الحريري السياسي ومستقبله، يؤكد المرجع أن الرجل أمام امتحان صعب، وهناك مساعٍ بُذلت من دول عديدة، أبرزها مصر والكويت وقطر وتركيا، للتوسط بين قيادة المملكة والحريري، لإعادة دعمه واستقباله، لكنها وُوجهت بالرفض من هذه الدول.

 ويختم المرجع أنه وحتى هذه اللحظة لا قرار سعودياً بالعودة للبنان، على الرغم من أن العديد من الإحصاءات تشير لتصدر السعودية أرقام الشعبية لدى السنة، حيث تقوم السعودية وفق إحصاء لشركة أوروبية، بتمثيل 39% من السنة، تليها تركيا 26%، وباقي الدول العربية بين 10 إلى 6% لدى السنة، ما قد يفتح شهية دول أخرى لملء فراغ السعودية في البلاد.

تحميل المزيد