آلاف النازحين لا يزالون يعانون في المخيمات العشوائية، بأرياف حلب وإدلب، شمال غربي سوريا، ظروفاً إنسانية بغاية الصعوبة، في ظل العاصفة الثلجية والمطرية وموجة البرد القارس التي ضربت المنطقة، الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني، وتسببت بانهيار وغرق أكثر 2000 خيمة ضمن مخيمات النازحين، وشردت أصحابها، وسط ظروف إنسانية معقدة.
وتواصل فرق الدفاع المدني "الخوذ البيضاء" وفرق من المتطوعين المدنيين أعمالها، في تجريف الثلوج التي حاصرت عشرات المخيمات، وتقطعت السبل بالنازحين، ومناشدات لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، ووسائل التدفئة والأغطية، التي بللتها مياه الأمطار والثلوج.
الخيام غارقة…
في واحدة من عشرات الخيام التي طالتها مياه الأمطار الغزيرة، وغمرت أجزاء منها، وبللت الأغطية والفرش وأشياء أخرى ضمنها، في مخيم الحنان شمال إدلب، تعيش أسرة أبو محمد (نازح من ريف حلب الجنوبي)، منذ أيام، مع "الدخان المتصاعد من المدفأة البدائية واستعمال بقايا القش وروث المواشي للتدفئة، وتحضير الطعام، وتوفير الدفء لأفراد الأسرة"، ومخاوف من استمرار العاصفة وبردها القارس.
ويقول أبو محمد: "مررت وأسرتي (5 أطفال وزوجتي ووالدتي العجوز) بمواقف صعبة للغاية خلال الأيام الماضية، فكانت البداية مع بدء العاصفة المطرية التي ضربت المنطقة، وعندما اقتحمت السيول عشرات الخيام، من بينها خيمتي، دفعنا ذلك للهرب بأطفالنا منتصف الليل، واللجوء إلى خيام أقاربنا في أماكن مجاورة ومرتفعة قليلاً، وآمنة نسبياً من الغرق، دون أن نتمكن من إنقاذ أي شيء من أثاث خيمتنا المتواضعة (أصلاً) وحتى أي من ملابس أطفالي".
ويضيف: "مع تدهور الوضع بشكل عام، جراء العاصفة المطرية والفقر الذي نعاني منه، قررنا العودة نحن وعائلتي إلى الخيمة بعد أن جفت مياه الأمطار، ونعيش الآن حالة صعبة جداً، لا نملك أياً من مقومات الحياة، سوى بعض القش وكمية قليلة من روث المواشي للتدفئة، بينما ما كان نملكه من طعام (برغل وأرز وبعض الأغذية) كلها تضررت بفعل الغرق الذي تسببت به سيول الأمطار، ما دفع بعض أقاربي إلى تقديم بعض المساعدات، لإطعام عائلتي".
أما أبو خالد وعائلته (7 أشخاص)، في مخيم الأمل بالقرب من مدينة سرمدا شمال سوريا، كانوا قد نزحوا من منطقتهم بريف حماة الشرقي قبل 4 أعوام، فحاصرت مياه الأمطار وتشكل المستنقعات خيمته وعشرات الخيام في المخيم، وقال: "أن تشاهد نفسك وسط مستنقع من المياه وأنت تعيش في خيمة فهذا قمة المعاناة والقهر، حيث لا يمكن للأطفال الخروج من الخيمة، والنساء تذهب لجلب الحطب وأشياء أخرى بأقدام حافية؛ لعبور المياه التي أحاطت بالخيمة".
ويضيف: "هذا الحال من المأساة والمعاناة بغرق المخيمات وتدهور الوضع الإنساني للنازحين، يتكرر كل عام في فصل الشتاء، فكنا قد ناشدنا المنظمات الإنسانية قبل بداية فصل الشتاء، إنشاء مجارٍ وقنوات لتصريف المياه، إلا أننا لم نلقَ آذاناً صاغية لمطالبنا، وحتى أبسطها وهو تبديل الخيام المهترئة".
مأساة كل عام.. دون حل
"وكانت النتيجة كما هي الآن (كارثية)، فالمياه تحاصر عشرات الخيام، فضلاً عن غرق عدد منها وتسرب المياه من سقفها، ويعاني الناس هنا معاناة شديدة، وذلك عدا البرد القارس الذي لا يسمح للأطفال بالخروج من تحت الأغطية لساعات؛ خشية تعرضهم للبرد القارس وإصابتهم بأمراض"، ويخشى أبو محمد من استمرار العاصفة المطرية في الوقت الذي لا يملك فيه مالاً أو طعاماً كافياً لعائلته.
محمد العموري، وهو متطوع في منظمة الدفاع المدني "الخوذ البيضاء" شمال سوريا، قال: "وردتنا بعد ليل الثلاثاء 18 يناير/كانون الثاني، مناشدات مكثفة من قاطني المخيمات بمحيط مناطق راجو وعفرين، عن كمية الثلوج التي تراكمت على أسقف خيامهم، وبدأت بعض الخيام بالانهيار على رؤوس أصحابها، وبادرنا إلى الوصول بالآليات إلى المخيمات، فكان مشهداً محزناً عندما شاهدنا الجميع (النازحين) في مخيم راجو، قد ضاقت بهم السبل وأحاطت الثلوج بهم من كل مكان، حتى الطرق الداخلية ضمن المخيم تراكمت فيها الثلوج بسُمك تجاوز 60 سنتمتراً".
ويضيف: "مع هذه المشاهد تولدت لدينا طاقة كبيرة في العمل لإنقاذ أهلنا من هذه المأساة التي ألمت بهم، وبدأنا نعمل لأكثر من 10 ساعات، في مساعدة النازحين بتجريف الثلوج من أسقف الخيام، والطرق الفرعية والرئيسية المؤدية إلى المخيم، وقمنا بإنقاذ أكثر من 40 عائلة من تحت الخيام التي تساقطت عليهم ونقلهم إلى أماكن أخرى في المدينة وتقديم العون والمساعدة لهم من غذاء وتدفئة، فيما نعمل الآن على مدار اليوم، على تجريف الثلوج من الطرق المؤدية إلى المخيمات، وإجلاء العائلات المتضررة إلى أماكن ومبانٍ مؤقتة ريثما يتوافر لهم حل".
فيما قال سعيد الحسن، وهو نازح من ريف حمص ويقيم في مخيم شران بريف عفرين: "حاولنا بكل ما نملك من قوة، التأقلم مع ظروف حياة النزوح، إلا أن العيش في الموطن الأصلي يبقى الحلم الذي لا يفارق أي نازح هُجّر من منزله وبلده قسراً، ومع تفاقم وضع النازحين في ظل الأزمات المعيشية التي تترافق مع العواصف الثلجية والمطرية، تزداد معاناة النازحين، إلى حد لايمكن تحمله. أما عن النازحين الذين يقيمون في مخيمات جبلية، فتتقطع بهم السبل وتغلق أمامهم كل الطرق مع تراكم الثلوج، وتتوقف هنا الحياة الطبيعية ربما لأيام وأسابيع، كما هو حالنا اليوم أمام العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة قبل أيام".
الطرق المؤدية للبلدات مغلقة
ويضيف: "مع انسداد الطرق المؤدية إلى المدن والبلدات القريبة، بسبب تراكم الثلوج، بدأت المؤن (القليلة) التي يمتلكها النازحون بالنفاد، وبدأ البعض بالاعتماد على حياة التقشف الاقتصادي بالطعام واختصار عدد الوجبات من 3 إلى 2، حيث لا عمل ولا مردود مادياً يؤمّن ثمن الطعام، في ظل تراكم الثلوج وتعاقب العواصف والبرد القارس، في الوقت الذي يعتمد فيه النازحون على أعمالهم الحرة وأجورها، ولا حل لهذه المآسي إلا بتأمين عودة آمنة للنازحين إلى ديارهم ومدنهم".
من جهته قال الناشط بكار حميدي، إنه "مع بدء العاصفة المطرية والثلجية التي ضربت مناطق شمال سوريا، بدأت معاناة النازحين التي تهدد حياتهم، في عشرات المخيمات الواقعة شمال إدلب وأخرى في ريف عفرين شمال حلب، فالأمطار الغزيرة والثلوج تسببت بغرق وهدم نحو 1320 خيمة، وأجبرت أكثر من 2000 عائلة على التشرد والنزوح، وسط ظروف إنسانية في غاية الصعوبة".
ويستطرد: "مع تدني درجات الحرارة في ظل هذه العاصفة والفقر الشديد الذي يعانيه النازحون، لجأ البعض إلى استخدام وسائل تدفئة غير صحية وسليمة كالفحم الحجري (سيئ الصيت)، للحصول على الدفء، ما أدى إلى اشتعال 4 خيام في منطقة سرمدا وكلبيت وسلقين شمال إدلب، وأسفرت الحرائق عن وفاة طفل رضيع وإصابة والديه بحروق، وإصابة رجل وامرأة آخرَين وطفلتين بحروق شديدة، فضلاً عن بدء تزايد أعداد المصابين بالأمراض التنفسية خصوصاً الأطفال، نتيجة استنشاقهم الهواء المشبّع بالغازات السامة المنبعثة من المدافئ والفحم والبلاستيك المستعمل".
وأشار إلى أن "هذه المعاناة تتكرر كل عام، ولم يجد المسؤولون ولا المنظمات الإنسانية حلاً لها حتى الآن، وأسبابها تكمن بإنشاء المخيمات على أرضٍ مسطحة قريبة من السفوح الجبلية التي تشكل مياه الأمطار فيها سيولاً تتدفق باتجاه المخيمات، وأيضاً لم تساهم المنظمات في استبدال الخيام المهترئة وانتهاء عمرها الافتراضي، فضلاً عن عدم توفير قنوات ومجارٍ تؤمّن مرور المياه بشكل آمن دون أن تُحدث غرقاً في مخيمات النازحين".
ولفت إلى أنه لا حل لهذه المعاناة المتكررة التي يعانيها النازحون كل عام، إلا بنقلهم إلى مساكن إسمنتية وإيوائهم في مساكن تقيهم برد الشتاء وثلوجه وحر الصيف، أو إجبار النظام من قِبل المجتمع الدولي على تقديم تنازلات وتوفير حل سياسي يضمن إزالة النظام ومحاسبة المجرمين الذين تسببوا بمأساة ومعاناة الشعب السوري، وتأمين عودة النازحين إلى ديارهم وإكمال حياتهم بعيداً عن الظروف المعيشية المتردية والعواصف والجوع والفقر.
ضباع تهاجم مدينة بريف حلب
قال ناشطون في مدينة دارة عزة غربي حلب (35 كم)، إن "مجموعة مؤلفة من 7 ضباع هاجمت الأحياء السكنية في المدينة ليلة الجمعة، ما أثار حالة خوف ورعب شديد في أوساط المواطنين، وظهرت عليها علامة التوحش والبحث عن الطعام في حاويات القمامة، بعد أن غطت الثلوج المنطقة، ودفعتها إلى مهاجمة المناطق المأهولة بالسكان"، الأمر الذي يعتبره المواطنون بظاهرة خطيرة، في منطقة تكثر فيها المخيمات العشوائية للنازحين.
ونشر ناشطون مقطعاً مصوراً ظهر فيه عدد من الضباع وهي تتجول وتُحدث أصواتاً مرعبة، في وسط مدينة دارة عزة بعد منتصف الليلة الماضية.