قالت صحيفة Washington Post الأمريكية، في تقرير نشرته الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2021، إن شوارع بيروت تشهد نشاطاً واضحاً لنبّاشي القمامة الذين يُفتشون في الصناديق بحثاً عن أي خردةٍ يمكن بيعها، بسبب الوضع الاقتصادي المتردي.
الصحيفة ذهبت إلى أن النفايات في شوارع بيروت قد تحوّلت إلى سلعةٍ يتقاتل الناس عليها داخل لبنان، الغارق في واحدةٍ من أسوأ الأزمات المالية بالتاريخ المعاصر.
لجوء لبنانيين إلى نبش القمامة
إذ تقول هدى (57 عاماً)، وهي أمٌ لبنانية اضطرتها الظروف إلى نبش القمامة: "هناك كثير من الفقراء مثلي".
في حين يُظهر القتال من أجل القمامة مدى الانحدار السريع في جودة الحياة داخل بيروت، التي كانت تُعرف ذات يوم بروحها الريادية وقطاعها المصرفي الحر وحياتها الليلية النشيطة. وبدلاً من أن تتسبب حربٌ أهلية جديدة في إحداث الفوضى، اشتعل فتيل الكارثة على مدار العامين الماضيين، بسبب فساد وسوء إدارة النخب التي تحكم لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية.
يُذكر أنّ مشكلة النفايات كانت موجودةً حتى قبل اندلاع الأزمة، حيث شهدت الأعوام الماضية احتجاجات كبرى ضد إهمال السلطات الذي تسبب أحياناً في تراكم النفايات بالشوارع. والآن، أصبح المراهقون يحملون أكياساً بلاستيكية عملاقة فوق ظهورهم، بينما يجوبون الشوارع لنبش حاويات القمامة؛ بحثاً عن أي خردة يمكن بيعها.

تجارة مقتصرة على السوريين
فيما كانت هذه التجارة في يومٍ من الأيام، مقصورةً على السوريين، الذين فروا من بلادهم نتيجة الحرب الطاحنة.
إذ قال أحد السوريين، والذي تحدث شرط السرية؛ لخوفه من الانتقام: "في هذه الأيام، نذهب إلى مكب النفايات الذي نبيع فيه ما جمعناه من خردة، لنجد اللبنانيين يخرجون من سياراتهم لبيع المواد القابلة للتدوير الخاصة بهم. كما بدأ العاملون بالمطاعم وحراس البنايات أيضاً في تقسيم القمامة من أجل بيعها، قبل أن يتخلصوا من بقية النفايات".
أما هدى، التي أفصحت عن اسمها الأول فقط؛ خوفاً من الوقوع في مشكلةٍ مع السلطات، فقد لجأت إلى نبش القمامة، من أجل دعم بناتها الست وحفيديها، وقد اعتادت هدى في الماضي بيع الخضراوات على عربة، لكن الشرطة صادرت بضاعتها في ست مناسبات مختلفة. كما كانت تبيع علب المناديل الورقية، لكن انهيار العملة جعلها غير قادرةٍ على تحمّل تكلفة المناديل.
بعدها، طلب منها ابنها محمد أن تنضم إليه في نبش القمامة. ومنذ ذلك الحين، بدأت هدى تتردد بشكلٍ يومي على منطقتها في شارع الحمرا الراقي نسبياً ببيروت. وهي تعمل أحياناً حتى الثانية صباحاً في جمع البلاستيك والعلب المعدنية، وأي شيء آخر يمكنها بيعه أو استخدامه.
ثم يقوم محمد بأخذ كل ما جمعوه وبيعه للتجار المتخصصين في هذا المجال مرةً واحدة كل الأسبوع، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام من الأكياس البلاستيكية 20 سنتاً أمريكياً، وفيما تُباع المنتجات البلاستيكية الأخرى مقابل 30 سنتاً، يُباع كل كيلوغرام من الألومنيوم مقابل دولارٍ واحد. وقد لا تبدو الأرقام كبيرة، لكن انهيار الليرة اللبنانية يمنح الدولار الأمريكي الواحد قيمةً أكبر.

مخاطر العمل في نبش القمامة
كما أن تسعير النفايات بالدولار يزيد خطورة العمل في نبش القمامة الآن. إذ قال محمد إنّه تعرض للضرب ذات مرة؛ لتعديه على منطقة نباشٍ آخر، وجمعه القمامة من حاويةٍ تحمل شعار أحدهم، وأوضح: "من الأسباب التي دفعتني لأطلب من أمي أن تشاركني في هذا العمل، أملي ألا أتعرض للضرب حين يكتشفون أنّ والدتي بجواري".
بينما يجوب البلطجية في الشوارع على متن الدراجات النارية، ويستهدفون نباشي القمامة أحياناً في نهاية اليوم؛ لسرقة ما جمعوه، حيث قال محمد: "إنّهم مستعدون لقتل أي شخص من أجل كيسٍ بلاستيكي".
كذلك، فليست المواد القابلة للتدوير هي الأشياء الوحيدة التي تجمعها هدى. إذ تعيش في غرفةٍ مظلمة بدون نوافذ أو كهرباء، وتحتفظ في الداخل بالسلع التي نبشتها مكوّمةً بعضها فوق بعض على الأرض. إلى جانب دلوٍ من الطلاء الأبيض الذي ربما تستخدمه لطلاء غرفتها ذات يوم. إضافة إلى مصباح تأمل استخدامه إذا عادت الكهرباء لمنزلها في يومٍ من الأيام.
حيث قالت هدى بوجهٍ تُبلله الدموع: "حلمي الوحيد هو امتلاك منزلٍ لي ولعائلتي، حيث يمكنني أن أعيش كأم، وأعيش مثل البشر".
كما أن أغلى ما تملكه هدى في غرفتها هو خيمة حصلت عليها هديةً من المحتجين في أثناء احتجاجات عام 2019 بلبنان. وهي تأمل أن تتمكن من استخدامها في الاحتجاجات المستقبلية ضد حكام البلاد.
إذ أوضحت: "الساسة الذين يحكموننا يستحقون الحرق، فهم سبب وصولنا إلى هذه الحالة. هم يأكلون بملاعق من الذهب، بينما نبحث نحن عن كسرة خبزٍ من الأرض لنأكلها!".