نفذ التحالف بقيادة السعودية ضربات جوية متفرقة لمعاقل ومعسكرات الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء، بعد ساعات من ضرب الجماعة أهدافاً داخل الأراضي السعودية والإماراتية.
استهدفت الغارات الجوية للتحالف مواقع بينها محيط الكلية الحربية بمنطقة الروضة، والمنطقة الواقعة خلف مقر وزارة الخارجية بمنطقة الستين.
تصعيد غير مسبوق ذلك الذي قامت بها جماعة الحوثي ضد الإمارات العربية باستخدام طائرات مسيَّرة، في وقت تؤكدّ فيه مصادر خاصة مقربة من "الحوثيين" أنّ تصعيد الجماعة الأخير ضد أهداف إماراتية كان متوقعاً بعد التصعيد العسكري الواسع النطاق من قِبل التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، الذي شهدته العاصمة صنعاء قبل حوالي ثلاثة أسابيع، إضافة إلى التصعيد الإماراتي.
لماذا تم التصعيد الآن؟
ويكشف قريشي لـ"عربي بوست" أنّ الحوثيين لديهم نية في تصعيد آخر ضد الإمارات في حال أنّها صعَّدت مرة أخرى، واستمرت في قصفها إلى الشمال اليمني، مشدداً على أنّ هذا الهجوم لن يكون الأخير.
يؤكدّ المحلل السياسي قيس قريشي والمقرب من وزارة الخارجية الإيرانية أنّ التصعيد الحوثي مرتبط بمشاركة قوات مؤيدة للتحالف تدعمها الإمارات في المعارك الدائرة ضد "الحوثيين" في محافظتي شبوة ومأرب المنتجتين للطاقة والنفط باليمن، وهذا أهم سبب جعل الحوثيين يستهدفون مطار أبوظبي ومناطق أخرى في العمق الإماراتي.
رداً على التصعيد السعودي-الإماراتي
تعدّ معارك مأرب حاسمة من قِبل الطرفين، لكنّ المحلل السياسي الإيراني قيس قريشي يرى أنّ مسألة السيطرة مجدداً على مأرب وتحقيق نصر حاسم فيها تبقى مسألة وقت، فالحوثيون متمسكون جداً بتحقيق الانتصار فيها، مشيراً إلى أنّ السعودية والإمارات تريدان الاحتفاظ بمأرب لأجل المفاوضات القادمة مع إيران، فالمعركة لها بُعد سياسي لتكون وسيلة وورقة ضغط على إيران، بل هي مسألة شراء وقت للمفاوضات السعودية-الإماراتية مع إيران، مؤكداً أنّ هناك تنسيقاً وتعاوناً بين الطرفين (السعودي-الإماراتي) حول مسألة المفاوضات القادمة مع طهران، خاصة في جولتها الخامسة القادمة المزمع عقدها في العاصمة العراقية بغداد.
بالمقابل يؤكدّ قريشي وجود اختلاف سعودي-إماراتي وهو بات اختلافاً معلناً لم يعد خافياً على أحد، مؤكداً أنّ السعوديين كان عندهم ترقب وأمل لأجل زيادة التدخل الإماراتي في المعارك الدائرة في الشمال اليمني، ومنها المعارك الدائرة في شبوة ومأرب مؤخراً، مؤكداً أنّ السعودية تسعى لممارسة ضغوطات متواصلة على الإمارات وتوريطها في نقاط التماس في المعارك مع الحوثيين بالشمال اليمني.
يكشف قريشي عن وجود تواصل سابق بين الإمارات والحوثيين، حين كانت إيران وسيطاً بين الطرفين، وسعت طهران إلى ألا يتم التصعيد بين الإمارات والحوثيين، وعمدت على إدارة الأزمة بين الحوثيين وأبوظبي، منوهاً بأنّ الإماراتيين أعطوا وعوداً للإيرانيين في تقليص تواجدها في جبهات الحرب باليمن، وخاصة بمناطق الشمال اليمني وفي مراحل معينة، وهذا ما يؤكده استيلاء جماعة الحوثي على مناطق في محافظة الحُديدة غربي اليمن قبل عدة أشهر، وذلك بعد انسحاب قوات مدعومة إماراتياً منها بشكل مفاجئ، منوهاً بأنّ ذلك تمّ بتوافق إماراتي-حوثي من خلف الكواليس بدعم وموافقة إيرانية.
تواصل إيراني- إماراتي
كان هناك أكثر من طلب من قِبل الإمارات لضبط وترطيب الأجواء بين أنصار الله والإمارات، لكنّ التصدي الإماراتي أعطى الشرعية للحوثيين لضرب أبوظبي، ويرى خبراء أن معركة مأرب استراتيجية، فلو استطاع الحوثيون السيطرة على جميع مناطق أراضي شمال اليمن، سيعطيهم ذلك إشرافاً أمنياً واستراتيجياً على باقي مناطق اليمن الأخرى غير المسيطر عليها، ومنها الجنوب اليمني.
يكشف المتحدث الإعلامي لتحالف الأحزاب والقوى السياسية المناهضة للعدوان د. عارف العامري، عن أسباب الهجوم الذي تعرضت له العاصمة الإماراتية أبوظبي من قِبَل قوات الحوثي واللجان الشعبية اليمنية، مشدداً على أنّ ما حصل هو ردّ على التصعيد الإماراتي الذي أعلن مسبقاً أنه لم يعد له صلة بالتصعيد في اليمن، منوهاً بأنّ ما حصل بعدما شارفت سيطرة جبهة الحوثيين واللجان الشعبية على السيطرة الكاملة على محافظة مأرب تدخلت الإمارات عبر قوات العمالقة الذي قدموا من الساحل الغربي، وتحديداً من محافظة الحديدة وزجت بهم في معارك جبهات شبوة ومأرب.
لماذا تعرضت الإمارات للعدوان؟
ويؤكدّ العامري في تصريحات لـ"عربي بوست" أنّه حتى لا تتم السيطرة على مأرب وتحريرها من سلطة صنعاء الممثلة بالحوثيين واللجان الشعبية عمدت الإمارات على دعم قوات العمالة والزج بهم في معارك محور شبوة-مأرب في محاولة لعدم سقوط ما تبقى من محافظة مأرب المكونة من 14 مديرية، حيث تخضع 12 مديرية لسيطرة سلطة صنعاء، حيث تبقى مديرتان تمثلتا في مديرية مأرب ومديرية العبدية الواقعتين تحت سيطرة قوات الشرعية.
وشدد على أنّ التدخل والتصعيد الإماراتي جاءا عبر إيعاز أمريكي للحفاظ على آبار النفط التي تُنهب بشكل يومي من محافظة مأرب وشبوة أدخلت قوات العمالقة في المعركة لأجل الحفاظ على السيطرة على منابع وثروات النفط والغاز في مأرب وشبوة وأجواء من محافظة حضرموت.
ويكشف العامري عن حقيقية المعارك الدائرة حالياً في محور مأرب-شبوة، مشيراً إلى أن جماعة الحوثيين واللجان الشعبية تمكنت من سحب واستدراج قوات العمالقة التابعة للإمارات إلى أماكن معينة غير مكشوفة، لأنّ قوتهم تتمثل بالآليات العسكرية والطيران الحربي.
وتمت محاصرة قوات العمالقة في مناطق معينة في محور شبوة-مأرب، مؤكداً مقتل أربعة من قادة ألوية العمالقة وتكبد جنودهم وكتائبهم خسائر فادحة خلال معارك العشرة الأيام الماضية، وهذا ما تمّ عندما حاولت قوات العمالقة استعادة ثلاث مديرات في بيحان وعسيلان وعين التابعة لمحافظة شبوة، وذلك لكي لا تسقط مجدداً بيد سلطة صنعاء التابعة للحوثيين.
الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي العميد ركن المتقاعد حسن بن ظافر الشهري يرى في حديث لـ"عربي بوست" أنّ التصعيد العسكري السعودي-الإماراتي باليمن مؤخراً ليس تصعيداً بقدر ما هو إلا استجابة للتهديد الحوثي، مشيراً إلى أنّ الرياض قدمت مبادرة سلام كاملة وصالحة للزمان والمكان ورفضتها إيران وميليشياتها في اليمن واختارت الحرب بديلاً عن سلام يرضي كافة المكونات في اليمن.
وأشار إلى أنّ تحرير محافظة شبوة من قِبل ألوية العمالقة يعدّ نقطة تحول لتوحيد جهود الشرعية اليمنية وتوجيه الحرب لميليشيات إيران، معتبراً أنّ السعودية تمتلك زمام المبادرة في كل الأوقات ومع كافة الأطراف، مشدداً على أنّ المطلوب من طهران هو التخلي عن زعزعة الاستقرار والكف عن دعم الطائفية والإرهاب في منطقتنا العربية والالتزام بالقانون الدولي والأعراف الدولية والعودة لشكل الدولة بدل الثورة وهي مطالب إقليمية ودولية.
وفي سياق متصل، يقول المحلل السياسي الإيراني مصطفی فقیهي، لـ"عربي بوست"، إنّ اليمن تعدّ من أهم القضايا العالقة على طاولة محادثات إيران والسعودية وأحد المحاور الرئيسية المختلف عليها في المفاوضات بين الجانبين في الجولات السابقة التي انعقدت في العاصمة العراقية بغداد.
وأشار إلى أنّ السعودية طالبت في المفاوضات بعدم وجود دور للحوثيين في هيكل السلطة في اليمن، بينما تريد إيران مشاركة جميع الجماعات -بما في ذلك الحوثيون- في العملية السياسية والانتخابات في البلاد، وهذا ما يفسر التصعيد الكبير من قِبل الحوثيين ضد الإمارات مؤخراً، بالإضافة إلى السعودية التي أصبحت هجمات الحوثيين عليها أكبر مما عليه سابقاً بعد أكثر تدميراً، وأصبحت السعودية معرضة بشدة لهجمات الجماعة، بما في ذلك استنفاد مخزونها من الصواريخ الاعتراضية، وهذا يأتي بعد التصعيد العسكري الواسع النطاق من قِبَل التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في صنعاء ومأرب وشبوة.
فمعظم الأطراف تحاول الحصول على الأوراق الرابحة في المحادثات، التي وعلى الرغم من أنّ الحوثيين لا يستمعون بشكل كامل لتوجهيات إيران، فإنّ لطهران تأثيراً كبيراً عليها، معتبراً أنّ السعودية لا تريد إنهاء الحرب في اليمن في حالة ضعف كامل، وتسعى لتحقيق انتصار كبير لنفسها وهزيمة مهمة للحوثيين، الأمر الذي يمكن أن يكسب المزيد من الأوراق الضاغطة في المفاوضات مع الحوثيين، إضافة إلى أن المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 4+1 إذا لم تنجح، فستضيق دائرة نجاح المفاوضات الإيرانية- السعودية هي الأخرى.