حلّ المجلس أو اتهام أعضائه بالفساد.. كيف يسعى قيس سعيّد لإنهاء “حربه” ضد القضاء التونسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/13 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/13 الساعة 15:45 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيّد في استقباله لعبد السلام المهدي قريصيعة، الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية

أغلق الرئيس التونسي قيس سعيّد كلَّ أبواب الحوار بين رئاسة الجمهورية التي تمثل الآن السلطة التنفيذية، وبين المجلس الأعلى للقضاء في تونس، المؤسسة الساهرة على سير المرفق القضائي واستقلاليته وفق دستور 2014.

من المنتظر أن يعلن رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد عن قرارات تخص المجلس الأعلى للقضاء في تونس، بفرض إصلاحات أحادية الجانب، عبر مراسيم رئاسية دون تشاور مع القضاة أو ممثليهم، بهدف تركيع القضاء والسيطرة عليهم.

وأكد الرئيس التونسي اعتزامه المرور بقوة عبر المراسيم لتنظيم المرفق القضائي من جديد بصورة أحادية، إذ قال لدى لقائه رئيس الحكومة نجلاء بودن: "لا يمكن للقضاة أن يتحولوا إلى مشرعين".

ويعطي "الأمر الرئاسي 117″، المتعلق بالتدابير الاستثنائية، الرئيس التونسي قيس سعيّد الحق في ممارسة السلطة التشريعية، وإصدار المراسيم لتنظيم العدالة والقضاء.

الرئيس التونسي قيس سعيّد / صفحة الرئاسة على فيسبوك
الرئيس التونسي قيس سعيّد / صفحة الرئاسة على فيسبوك

أصل الأزمة 

لم تبدأ الأزمة بين القضاء وقيس سعيّد بعد إعلان هذا الأخير عن الإجراءات الاستثنائية، في 25 يوليو/تموز 2021، إذ اعتبر المجلس الأعلى للقضاء في تونس نفسه في منأى عن هذه الأزمة التي جمدت البرلمان وحلّت الحكومة السابقة.

بعد ذلك تغير كل شيء، وبدأت الأزمة تتضح معالمها بين الرئيس والقضاة، إذ استدعى قيس سعيّد إلى قصر قرطاج أكثر من قاضٍ، واجتمع في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، بممثلين عن القضاة، يوجههم في مجموعة من القضايا.

ومن أهم القضايا التي عرضها الرئيس على القضاء، تلك التي المتعلقة بالانتخابات، والتي طلب فيها من القضاء ترتيب النتائج القانونية بخصوص تقرير محكمة الحسابات، والذي يظهر التمويلات الأجنبية التي حصل عليها بعض المرشحين في الانتخابات البرلمانية الماضية.

بعدها بدأت تحركات المجلس الأعلى للقضاء في تونس بعدما اقترب منه الخطر، فأصدر بيانات ضد توجهات الرئيس، رفض من خلالها المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية وحل المجلس في هذه المرحلة الاستثنائية.

مقابل ذلك، لم يفوّت الرئيس أي فرصة لمهاجمة المجلس الأعلى للقضاء في تونس، إذ أعلن بشكل مباشر أنه "يستعد للإعلان قريباً عن مراحل جديدة حتى تستعيد الدولة والقضاء عافيتهما".

وأثار سعيّد غضب القضاة؛ إذ قال إن "القضاء هو وظيفة، وليس سلطة مستقلة عن الدولة، والسلطة والسيادة للشعب، وكلّ البقية وظائف".

وكان المجلس الأعلى للقضاء قد أكد في كل بياناته، وفي جلسته العامة المنعقدة بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2021، رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، وتمسكه بوضع القضاء كسلطة، وبشرعية المجلس الأعلى للقضاء، المستمدة من الدستور والقانون الأساسي المتعلق بإحداثه.

الناشط الحقوقي والسياسي أنور غربي، قال إن "قيس سعيد سيُواصل التحرش بالقضاء، والسعي لاستمالة قضاة لخدمة الملفات التي يحتاجها هو لصراعاته مع كل الجبهات المفتوحة، وسيسهل عليه ابتزاز القضاة الذين لديهم ملفات تدينهم كي يستعملهم".

وأشار المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن "البعد الخارجي سيلعب دوراً كبيراً في كبح جماحه، من أجل ثنيه عن السيطرة على المؤسسة القضائية، التي باستسلامها تنتهي دولة القانون، وتونس تربطها اتفاقات ومعاهدات دولية، والقضاء المستقل جزء رئيسي وأساسي فيها.

وأضاف المتحدث "ليس من مصلحة أحد انهيار المنظومة القضائية، وقيس سعيد نفسه لديه مصلحة كبيرة في بقاء المنظومة القضائية بعيدة عن التوجيه السياسي، لأنه هو نفسه سيُواجه القضاء بعد انتهاء مهامه والحصانة التي تحميه اليوم.

السيناريوهات الممكنة

المنحى التصاعدي للأزمة بين رئاسة الجمهورية في تونس والمجلس الأعلى للقضاء في تونس طرح سيناريوهات أمام الخيارات التي أمام قيس سعيّد لاحتكار آخر سلطة في البلاد.

ولعل أهم هذه السيناريوهات، حسب ما أكد مصدر لـ"عربي بوست"، هو أن الرئيس يدرس خيار حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس في الأيام القليلة المقبلة.

وأشار المتحدث إلى أن "الرئيس التونسي يقتفي أثر انقلاب مصر، ولذلك سيحاول الرئيس تركيع السلطة القضائية بنفس وسائل سلطة الانقلاب في مصر، وهي آلية العزل والإحالة على التقاعد لجملة من القضاة، بعد حملة تشويه مستمرة، وسيكون للإعلام دور في ذلك".

أما السيناريو الثاني، حسب المحامي طارق العبيدي، العضو السابق بالمجلس الوطني التأسيسي، فيتجلّى في الإعلان عن حركة قضائية استثنائية تُفضي إلى إبعاد القضاة الذين تعلقت بهم شبهات الفساد في تونس.

وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "الرئيس لن يغامر بحل المجلس الأعلى للقضاء في تونس، ولكن سيذهب إلى وضعية شبيهة بالتجميد، كما حصل مع البرلمان، وسيُغير الأعضاء المعينين بالصفة".

وأما السيناريو الثالث، حسب أستاذ القانون الدستوري، رابح الخرايفي، فيتمثل في إصدار مراسيم جديدة لتنظيم المجلس، باعتبار أن الرئيس يحتكر السلطة التشريعية لنفسه.

ويستبعد الخرايفي في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "الرئيس لن يذهب إلى حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس، لكنه سينظمه، وهناك فرق بين الحذف والتنظيم".

وأشار المتحدث إلى أن "الحذف سيُحدث فراغاً في القطاع، وسيضطر الرئيس إلى إحداث هيكل آخر لتسيير المرفق، وهذا غير واردٍ".

من جهته، يرى المحامي والباحث في القانون رشاد المشرقي، أن "الرئيس يخشى ردود الأفعال الممكنة إذا تم حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس، فهو قد يجد نفسه أمام إضراب عام للقضاة، وغضب دولي، ما يزيد تضييق الخناق عليه".

وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست، أن "حل المجلس سيكون صعباً جداً على قيس سعيد، ومخاطرة لا يستطيع القيام بها".

الرئيس التونسي قيس سعيّد في استقباله لعبد السلام المهدي قريصيعة، الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية / صفحة الرئاسة
الرئيس التونسي قيس سعيّد في استقباله لعبد السلام المهدي قريصيعة، الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية / صفحة الرئاسة

القضاء شوكة في حلق رئيس الانقلاب 

تندرج حملة التشويه والتشهير التي يقودها قيس سعيد للمؤسسة القضائية ضمن مشروع، غايته المسّ باستقلالية القضاء، لإخضاعه للسلطة السياسية. 

محمد العفيف الجعيدي، المستشار بمحكمة التعقيب، قال إن "حملات شيطنة القضاء، وحدّة انتقاد السلطة السياسية له، ليست إلا نتيجة لافتقاد من هم في موقع السلطة للقاضي الموالي للنظام والخادم، واصطدامهم بالقاضي الحامي للحقوق والحريات، الذي يتمسك بخدمة قيم المجتمع الديمقراطي". 

وأشار المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن "المجلس الأعلى للقضاء في تونس أكد في أكثر من بيان رفضه المبدئي المسّ بضمانات استقلالية القضاء خلال المرحلة الاستثنائية، كما كشف عن استياء قضائي يتعاظم من حملات التشويه والتشهير التي تطال المؤسسة القضائية".

وقال المتحدث: "ما نلاحظه خلال هذه الفترة في أداء مؤسسات القضاء من تمسك بالاستقلالية كان واضحاً في عمل النيابة العمومية بتونس، وفي عدد من المواقف القضائية لم يكن ليتحقق لولا تطور ضمانات استقلالية القضاء، والتي يعد المجلس الأعلى للقضاء في تونس من أهم دعائمها".

من جهته، قال الناشط الحقوقي والسياسي أنور غربي، إن "الدستور التونسي يحجر على كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يجب أن يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط".

وأشار المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أنه "كان أمراً مخيفاً وغير مقبول تركيز قيس سعيد على القضاء، وتوجيه الأوامر لوزيرة العدل واختيار الملفات، وأحياناً الأشخاص، وحتى النصوص القانونية التي يجب اعتمادها، إضافة إلى ذكر عينات تُبين فساد القضاة لتشويه المرفق برمته، وإخافة القائمين على الشأن القضائي".

هل سيصمد المجلس الأعلى للقضاء في تونس؟

المجلس الأعلى للقضاء في تونس مكسب من مكاسب الثورة ودستورها، وهو مؤسسة دستورية تمثل السلطة القضائية بكل ما تتمتع به دستوراً وقانوناً من استقلالية وحتى سلطة رقابية على بقية السلطات، بما فيها السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس ورئيسة الحكومة. 

رشاد المشرقي، المحامي والباحث في القانون، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "المجلس الأعلى للقضاء في تونس لن يقبل بأي شكل من أشكال التدخل في السلطة القضائية، وسيكون شوكة في حلق الانقلاب، وسيُقاوم كل محاولات التشويه، وسيصمد ضدها، ما قد يضطر سلطة الانقلاب إلى التصعيد". 

وأضاف المتحدث أن "المجلس الأعلى للقضاء في تونس هو الحصن الأخير تقريباً للثورة والحياة الديمقراطية في تونس، وهو يعي ذلك جيداً، ويتوقع مساندة كبيرة من الطبقة السياسية والمجتمع المدني، رغم الأداء الباهت والتردد الذي يشوب بعض مكونات المجتمع المدني، كالاتحاد العام التونسي للشغل، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان".

من جهته، قال محمد العفيف الجعيدي، المستشار بمحكمة التعقيب في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "أعداء استقلالية القضاء ومن يدفعون إلى إرساء قضاء منسجم مع سياسات رئيس الجمهورية يشنون حملات تشهير وتحقير غير مسبوقة للقضاء، وهم بذلك يريدون عزل القضاء لتسهيل الاستحواذ عليه، والتصدي لهذا المخطط الخطير لا يمكن أن يتحقق إلا بتطور الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على مكتسب القضاء- السلطة".

وأشار المتحدث إلى أن "بقاء قيم هذا القضاء وتطورها، وتجاوز القضاء لما كان من مكامن خلل في أدائه ليس مسؤولية القضاء فقط، بل هو كذلك رهين تطور وعي جماعي بأهمية الحفاظ على استقلالية القضاء".

وأضاف المتحدث أن "هناك هنّات في عمل القضاء، ومن الثابت أن القضاء الذي نحلم به جميعاً لم نصل بعد لإرسائه، لكن من المهم في هذه المرحلة من تاريخ تونس التنبه لكون الإصلاح لا يعني بتاتاً هدم المؤسسات والتضحية بالمكتسبات، وإنما يفرض علينا الدفاع عنها وطلب مزيد تطويرها".

تحميل المزيد