قالت وسائل إعلامية إثيوبية إن أديس أبابا تستعد للمرة الأولى لتوليد الطاقة الكهرومائية من سد النهضة الإثيوبي، وذلك في خطوةٍ ستزيد على الأرجح التوترات القائمة مع دولتي مصر والسودان، طبقاً لما أورده موقع Al-Monitor الأمريكي، الجمعة 7 يناير/كانون الثاني 2022.
كانت إثيوبيا قد أعلنت أنها أكملت بناء أكثر من 80% من السد المثير للجدل، والذي قامت ببنائه على النيل الأزرق، وتسعى حالياً لإنتاج 700 ميغاواط بتشغيل أول زوج من توربينات السد؛ مما سيغطي 20% من احتياجاتها بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين.
نتيجة لذلك، باتت إثيوبيا جاهزةً للبدء في تجربة توليد الطاقة من السد، بحسب تقارير محلية.
يشار إلى أنه في الـ19 من يوليو/تموز عام 2021، أعلنت إثيوبيا إنهاء الملء الثاني لخزان السد. مما سيكفي لتوليد الطاقة الكهرومائية، رغم رفض مصر والسودان لذلك القرار الأحادي.
جاءت تلك الخطوة الإثيوبية بعد شهورٍ من التصعيد الدبلوماسي، الذي وصل إلى حد التهديدات المصرية المتكررة بالتدخل العسكري لهدم السد في حال شرعت أديس أبابا في هذه الخطوة.
رغم تراجع المؤشرات على تحرك مصر عسكرياً مؤخراً، لكن التصريحات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين لا تزال تُشير إلى إمكانية نشوب الصراع في أي لحظة، مع تداعياتٍ من المرجح أن تؤثر على المنطقة المتقلبة بالفعل.
"تعنّت مستمر"
من جهته، قال عباس شراكي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إنّ إصرار إثيوبيا على تشغيل زوج التوربينات وتوليد الكهرباء دون التوصل لاتفاقٍ مع مصر والسودان هو خير دليلٍ على تعنّت أديس أبابا المستمر، مما يزيد تعقيد المفاوضات.
فيما يتطلّب توليد الكهرباء القيام بتمرير ثلاثة مليارات متر مكعب من الماء الذي تم تخزينه العام الماضي، ليصل في النهاية إلى مصر والسودان، لكنّها بحسب شراكي "تظل خطوةً تُحاول من خلالها إثيوبيا فرض الأمر الواقع".
كان رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، عقد اجتماعاً موسعاً لمجلس الوزراء في الخامس من يناير/كانون الثاني داخل موقع إنشاء السد في منطقة بنى شنقول، التي تقع على بعد 900 كيلومتر شمال غرب العاصمة أديس أبابا.
هذا الاجتماع وصفه شراكي بأنه يحمل في طياته رسالتين. الأولى للإثيوبيين، وفحواها أنّ الحكومة عازمةٌ على استكمال المشروع في أقرب وقتٍ ممكن. بينما تقول الرسالة الثانية لمصر والسودان إنّ "الحكومة الإثيوبية عازمةٌ على المضي قدماً في المشروع رغم الفشل في التوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد مع دول مصب النيل".
جدل استئناف المفاوضات
يذكر أن مجلس الأمن كان قد أصدر منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، بياناً رئاسياً يدعو الدول الثلاث لاستئناف المفاوضات بطريقةٍ تعاونية وبنّاءة تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، "وذلك من أجل التوصل سريعاً إلى نص اتفاقٍ مُلزِم ومقبول من جميع الأطراف حول ملء وتشغيل السد".
يأتي ذلك بينما تحاول جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تترأس الاتحاد الإفريقي حالياً، منذ ذلك الحين دفع الدول الثلاث لاستئناف المفاوضات، ولكن دون جدوى.
كما تعقَّدت إمكانية استئناف المفاوضات أكثر بسبب الاضطرابات التي ضربت السودان، وانشغال إثيوبيا بالحرب الأهلية ضد متمردي تيغراي.
بدورها، ضغطت الولايات المتحدة من أجل استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث والتوصل لاتفاقٍ قبل الملء الثالث لخزانات السد، الذي من المقرر أن يبدأ في يونيو/حزيران المقبل. وترى واشنطن أنّ حرب تيغراي قد أثّرت بشكلٍ سلبي على المفاوضات، لكنها تأمل أن يُسهم إنهاء تلك الحرب في إعادة إحياء المفاوضات الثلاثية.
"تسوية آبي أحمد"
لكن السفير الأمريكي السابق في إثيوبيا ديفيد شين يرى أنّ تسوية آبي أحمد لحربه مع تيغراي لن تكون في صالح مصر.
إذ أكد شين أن "من مصلحة مصر أن تظل الحكومة المركزية الإثيوبية في حالةٍ من الفوضى، لأن استعادة آبي أحمد للسيطرة ستُقوّي موقف الحكومة الإثيوبية وتزيد قدرتها على الوقوف في وجه مصر".
شين ذكر أنّ استمرار ما وصفها بحالة عدم اليقين السياسي في السودان يُعزز موقف آبي أحمد (في نزاع السد)، حيث إنّ السودان تحالفت مع مصر في قضية سد النهضة وصارت الآن غارقةً بالكامل في مشكلاتها السياسية الداخلية.
كذلك شدّد شراكي على أنّ استئناف المفاوضات حول أزمة السد سيكون صعباً في الوقت الراهن بسبب تدهور الوضع السياسي في السودان. لكنّه توقع أنّ ديفيد ساترفيلد، المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي المُعيّن حديثاً، سيجري جولةً حول البلدان الثلاث، مما قد يُسهم في كسر حالة تأزّم المفاوضات.
جدير بالذكر أن أديس أبابا قالت سابقاً إنّها أكملت الملء الثاني للسد بنجاح، مع سعةٍ تصل إلى 13.5 مليار متر مكعب من المياه كما هو مخطط، لكن خبراء المياه من مصر والسودان يقولون إنّها لم تنجح سوى في تخزين ثلاثة مليارات متر مكعب فقط بالإضافة إلى 4.9 مليار متر مكعب من مرحلة الملء الأول للسد في يوليو/تموز 2020.