لم يقتصر الجدل والصراع السياسي الذي أنتجته الانتخابات البرلمانية في العراق على النخب الشيعية فقط في العاصمة العراقية بغداد، بل امتد إلى إقليم كردستان العراق، المتمتع بحكم شبه مستقل.
إذ يحاول الحزبان المهيمنان على الحكم في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة عائلة بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة طالباني، التوصل إلى تسوية مقبولة لكلا الطرفين فيما يخص منصب رئيس العراق.
يذكر أن النظام السياسي الذي تم إرساء قواعده بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في عام 2003، للإطاحة بنظام البعث بزعامة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، قسَّم السلطة في عراق ما بعد 2003، على أسس طائفية وعرقية.
فانطلاقاً من قانون تقاسم السلطة غير المكتوب، فإن الرئاسات العراقية الثلاث يتم تقاسمها بين المكونات الطائفية والعرقية في العراق، فيذهب منصب رئيس الوزراء إلى الطائفة الشيعية، ومنصب رئيس البرلمان إلى الطائفة السنية، أما منصب رئيس جمهورية العراق فهو محجوز للأكراد العراقيين.
جدل كردي حول إعادة ترشيح برهم صالح
فى البداية يجب توضيح تقاسم المناصب داخل إقليم كردستان العراق، فمنذ إعداد الدستوري العراقي الجديد في عام 2005، اتفق الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني)، على توزيع المناصب السياسية داخل الإقليم وفي الحكومة المركزية في بغداد، فيما بينهما.
فعلى سبيل المثال، يتولى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة عائلة بارزاني والذي يتخذ من مدينة أربيل مقراً له، رئاسة الإقليم بشكل كامل. بينما يتولى الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة طالباني والذي يتخذ من مدينة السليمانية مقراً له بحسب التقسيم الذي تم إعداده بعد سنوات الاقتتال الداخلي بين الحزبين في التسعينات، منصب نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، كما يتولى منصب رئيس البرلمان الإقليمي داخل إقليم كردستان العراق.
أما بالنسبة إلى تقاسم المناصب في الحكومة المركزية في بغداد، فمنصب نائب رئيس الوزراء (رئيس الوزراء العراقي له نائبان، الأول كردي والثاني سني)، ووزارة الخارجية ونائب رئيس البرلمان (له أيضاً نائبان الأول كردي والثاني شيعي)، فتذهب جميعها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني.
جدير بالذكر هنا، أن الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الحزب الأكثر هيمنة ونفوذاً في إقليم كردستان العراق.
أما مناصب رئيس جمهورية العراق، وبعض المناصب الوزارية الأخرى داخل الحكومة المركزية ببغداد، فتكون من نصيب الاتحاد الوطني الكردستاني.
برهم صالح، عضو الاتحاد الوطني الكردستاني هو الذى يتولى منصب الرئاسة العراقية منذ عام 2018، وجاء بإجماع الأصوات داخل الاتحاد الوطني الكردستاني بعد أن عاد مرة ثانية لحزبه، فقد كان انشق عن الاتحاد الوطني الكردستاني مؤسساً حزباً معارضاً باسم "الائتلاف من أجل العدالة والديمقراطية"، لكن لم يكتب له النجاح.
يقول مسؤول سياسي كردي في الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست"، إنه قبل الانتخابات البرلمانية كان الاتحاد الوطني الكردستاني، شبه متفق على إعادة تسمية برهم صالح لمنصب رئاسة العراق، لكن حدثت بعض الأمور الداخلية التى جعلت قادة الحزب يعيدون النظر في هذا الأمر.
وعلى ذكر المشاكل الداخلية داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، فمنذ أشهر قليلة، يعاني الاتحاد الوطني الكردستاني من اقتتال داخلي بين القيادات الذين هم أبناء عمومة.
بافل طالباني، نجل جلال طالباني، الرئيس العراقي السابق ورئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي توفي في عام 2017، الذي كان يترأس الحزب بالشراكة مع ابن عمه، لاهور طالباني، لكن أراد بافل طالباني الانفراد برئاسة الاتحاد الوطني الكردستاني، فاتهم لاهور طالباني بمحاولات تسميمه هو وعائلته، كما اتهم الأخير، بافل طالباني بزرع جواسيس داخل منزله.
انتهى هذا الصراع بالإطاحة بلاهور طالباني من الرئاسة المشتركة للاتحاد الوطني الكردستاني، والإطاحة به، خاصة بعد أن اتهم لاهور أبناء عمه بتسببهم في خسارة الانتخابات البرلمانية العراقية التى أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، فقد حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على حوالي 18 مقعداً، بينما حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 32 مقعداً.
يقول المسؤول السياسي داخل الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست"، إن الصراع بين لاهور وبافل، أثر على تماسك الاتحاد الوطني الكردستاني، وهذه مسألة يتم استغلالها من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل جيد، لذلك سيؤثر هذا الأمر على إعادة تسمية برهم صالح مرة ثانية، خاصة أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يتمتع بعلاقة جيدة مع صالح.
وبحسب مصادر سياسية كردية داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، كانت قد تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني، استغل رغبة بافل طالباني في الانفراد برئاسة الاتحاد الوطني الكردستاني، وساعده في الإطاحة بابن عمه، لاهور طالباني الذي لا يتمتع بعلاقة جيدة مع عائلة بارزاني الذي يتزعم الحزب الديمقراطي الكردستاني.
برهم صالح.. الأنسب لرئاسة العراق؟
بالرغم من أن منصب رئيس جمهورية العراق، منصب شرفي وفقاً للدستور العراقي، ولا يتمتع بصلاحيات سياسية وإدارية واسعة، إلا أن برهم صالح لعب دوراً هاماً في التوترات الأخيرة التي دارت في العراق، خاصة التصعيد الخطير بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، على الأراضي العراقية.
يقول مسؤول حكومي مقرب من برهم صالح لـ"عربي بوست": "عمل صالح مع رئيس الوزراء الكاظمي على تجنيب العراق الكثير من المخاطر، فصالح اتخذ خطوات جادة للتحدث والتفاوض مع الإيرانيين والأمريكيين في أوقات ذروة الصراع بينهما، لعدم تعريض العراق للخطر".
ويضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "كما عمل السيد صالح على تهدئة التوترات التي ارتفعت وتيرتها في بداية هذا العام، بين الكاظمي والفصائل المسلحة الموالية لإيران، فلعب دور الوساطة بين الطرفين لتهدئة الأمور وعدم تصعيد الصراع".
وعلى ما يبدو فالرئيس العراقي، برهم صالح، يسعى إلى الاحتفاظ بمنصبه، ففي حديثه لـ"عربي بوست"، قال أحد مستشاري السيد صالح: "برهم صالح لديه رغبة قوية في الحصول على فترة رئاسية ثانية، ويرى أنه بذل أقصى جهده في منع العراق من الانزلاق إلى الخلافات الداخلية السياسية والأمنية".
وبحسب المصدر السابق، فإن برهم صالح سافر في الأيام القليلة الماضية، إلى مدينة السليمانية للقاء أحد القيادات البارزة في الاتحاد الوطني الكردستاني لمناقشة مسألة إعادة تسميته لرئاسة العراق، فيقول المصدر لـ"عربي بوست": "هناك جدل كبير داخل الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن إعادة تسمية السيد صالح، وزيارته الأخيرة للسليمانية لم تحسم هذا الجدل إلى الآن".
الحزب الديمقراطي الكردستاني.. رغبة في رئاسة العراق
إلى الآن، لم تتوصل قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني في إقليم كردستان العراق، إلى اتفاق بشأن الاسم الذي سيتم ترشيحه من داخل الاتحاد الوطني الكردستاني لرئاسة العراق، كما هو متعارف عليه.
يرجع هذا التأخير في طرح اسم المرشح إلى ما وصفته مصادر سياسية كردية في إقليم كردستان العراق، تحدثت لـ"عربي بوست"، برغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة عائلة بارزاني في انتزاع منصب رئيس العراق من منافسه الاتحاد الوطني الكردستاني.
في حديثه لـ"عربي بوست"، يقول مسؤول في اللجنة السياسية بالحزب الديمقراطي الكردستاني، إن منصب رئاسة العراق محجوز للأكراد؛ وهذا أمر طبيعي ومتفق عليه منذ سنوات طويلة، لكننا في الحزب الديمقراطي الكردستاني لا نرى أي سبب مقنع لاحتفاظ الاتحاد الوطني الكردستاني بهذا المنصب، لذلك ناقشت القيادات مسألة ترشيح مرشح من الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب رئيس العراق هذا العام.
وبحسب المسؤول السياسي الكردي، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني طرح عدداً من الأسماء بالفعل لتولي منصب رئيس جمهورية العراق، فيقول لـ"عربي بوست": "لدينا مرشحون جديرون بهذا المنصب، أمثال فؤاد حسين، وهوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقية الحالي، ووزير الخارجية والمالية الأسبق، على التوالي.
جدير بالذكر هنا أن هوشيار زيباري الذي تولى وزارة الخارجية من عام 2004 إلى 2014، كما شغل منصب وزير المالية من عام 2014 حتى عام 2016، وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام، صوَّت البرلمان العراقي في بغداد، على سحب الثقة منه بعد استجوابه على خلفية اتهامات بالفساد وسوء الإدارة، في جلسة سرية بموافقة 217 نائباً.
يقول سياسي عراقي شيعي بارز، لـ"عربي بوست"، معلقاً على هذا الأمر: "الحزب الديمقراطي الكردستاني يريد فرض سيطرته وتوسيع نطاق نفوذه بشكل كبير بانتزاعه لمنصب رئاسة العراق من الاتحاد الوطني الكردستاني".
وفيما يخص مسألة طرح اسم هوشيار زيباري كرئيس للعراق، يقول المصدر ذاته: "هذا أمر مستحيل، تم طرده من منصبه بتهم فساد، فرص الحزب الديمقراطي الكردستاني في تولي منصب الرئاسة تعتبر قليلة مقارنة بأسماء المرشحين من الاتحاد الوطني الكردستاني".
وبحسب مصادر سياسية داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، فإنه بالإضافة إلى ترشيح برهم صالح للمرة الثانية، هناك أيضاً أسماء سياسية أخرى تتمتع بوزن سياسي كبير في المشهد السياسي الكردي العراقي، على سبيل المثال: عدنان المفتي (الرئيس الأسبق لبرلمان كردستان العراق)، ملا بختيار (عضو المجلس السياسي في الاتحاد الوطني الكردستاني، وواحد من أبرز السياسيين الأكراد).
صفقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني
على ما يبدو فإن رغبة الحزب الديمقراطي الكردستاني في ترشيح أحد أعضائه لتولي منصب رئاسة العراق، لم تأتِ من فراغ. فبحسب المصادر الكردية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، يجري الحديث عن وجود صفقة بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق.
يقول سياسي كردي بارز ومقرب من الاتحاد الوطني الكردستاني، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: "الحزب الديمقراطي الكردستاني ساعد بافل طالباني في الاستحواذ على رئاسة الاتحاد الوطني الكردستاني، ويريد المقابل، وهو منصب رئاسة العراق"، في الاشارة إلى الصراع الداخلي داخل الاتحاد الوطني الكردستاني السابق ذكره.
يضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "هناك نقاشات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وبالتحديد بافل طالباني، تنازل الأخير عن منصب رئاسة العراق، مقابل منح الاتحاد الوطني الكردستاني منصب نائب رئيس البرلمان العراقي، ونائب رئيس الوزراء، ومنح المؤسسات السياسية والإدارية في السليمانية حوالي 100 مليار دولار أمريكي لاستكمال أعمال التنمية".
تجدر الإشارة هنا إلى أمرين: الأول أن منصب نائب رئيس البرلمان العراقي، ونائب رئيس الوزراء يتولاهما الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ عام 2006. والأمر الثاني، فيما يخص مسألة منح السليمانية- التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني- الأموال من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على جزء كبير من ميزانية إقليم كردستان العراق، وهو مبلغ تشتد الحاجة إليه في مدينة السليمانية التي انتشرت بها الاحتجاجات الاجتماعية في الآونة الأخيرة، اعتراضاً على تدني مستويات المعيشة وغياب الخدمات العامة.
لكن إلى الآن وبحسب المصدر السابق، فإنه لم يتم الاتفاق على قبول هذه الصفقة من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني، وهذا لا يعني رفضها في نفس الوقت.
يقول السياسي الكردي المقرب من الاتحاد الوطني الكردستاني لـ"عربي بوست": "حتى وإن لم تثمر المناقشات بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني عن التوصل إلى صفقة بشأن منصب رئاسة العراق، فإن من الصعب توقع إعادة ترشيح برهم صالح مرة أخرى".
ويضيف المصدر السابق قائلاً: "الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يريد ترشيح برهم صالح مرة ثانية، وناقشت قيادات الحزب هذا الأمر مع بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وإلى الآن يبدو أنهما متفقان على عدم ترشيح صالح مرة أخرى".
كان برهم صالح الرئيس العراقي الحالي، قد تم تعيينه رئيساً للبلاد بعد حصوله على أكبر عدد من الأصوات داخل البرلمان العراقي في 2 أكتوبر/تشرين الأول عام 2018. وُلد برهم صالح في مدينة السليمانية عام 1960، واعتُقل في عام 1979 من قبل حكومة صدام حسين بتهمة المشاركة في التمرد الكردي ضد الرئيس العراقي السابق.
بعد ذلك، هاجر صالح إلى المملكة المتحدة، وانضم إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، وأصبح عضواً في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، بعد أن انتزع إقليم كردستان العراق، الحكم شبه المستقل عن الحكومة المركزية في بغداد عام 1993، بدعم من الولايات المتحدة.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، عاد صالح إلى العراق وتولى منصب وزير التخطيط في الحكومة العراقية الانتقالية عام 2005، وفي عام 2006، تولى منصب نائب رئيس الوزراء حينها، نوري المالكي.