خلافاً لجارتها الشرقية، اختارت الرباط الصمت وتجنب التصعيد الإعلامي مع الجزائر، لكنها بالمقابل وميدانياً تأخذ التهديدات الجزائرية الأخيرة على محمل الجد، وتتوقع الأسوأ في مسار الخلاف الجديد بين البلدين الجارين.
علمت "عربي بوست" من مصادر خاصة أن المغرب شرع في نشر وحدات من الدرك الحربي على طول الحدود الشرقية مع الجزائر، بعد التصعيد الأخير مع المغرب.
ووفق المصادر ذاتها، فإن الرباط قررت في الأيام القليلة الماضية نشر وحدات الدرك الحربي انطلاقاً من شمال المحبس، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.
وذهبت المصادر إلى أن نشر الدرك الحربي جاء بعد صدور بلاغ الرئاسة الجزائرية، والذي هددت من خلاله بالرد على حادث مقتل ثلاثة مواطنيها داخل الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة البوليساريو الانفصالية.
وفي أقوى هجوم جزائري، أعلنت الرئاسة الجزائرية الشهر الماضي "مقتل 3 مواطنين جزائريين من طرف المغرب، كانوا بصدد نقل شحنات في إطار معاملات تجارية"، وأن "اغتيالهم لن يمر دون عقاب".
لأول مرة الدرك الحربي
كشفت المصادر أن ظهور الدرك الحربي المغربي يعد بمثابة الخطوة الأولى لنشر وحدات الجيش؛ إذ يُعد الدرك الحربي بمثابة طلائع متقدمة للجيش، وأن الرباط أصبحت أكثر توقعاً لأي هجوم جزائري.
ويعد الدرك الحربي بمثابة جهاز أمني واستخباراتي يهدف إلى مراقبة الجيش كما يشرف على تحركاته.
وأفادت المصادر ذاتها أن الرباط ستقوم لأول مرة في تاريخ علاقاتها مع الجزائر بنشر هذا النوع من القوات، لا في منطقة الصحراء المتنازع عليها، بل على الحدود المغربية الجزائرية.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن "المغرب دأب على نشر وحدات من الدرك الحربي على حدود إقليم الصحراء كلما كانت هناك توترات في المنطقة، ولم يسبق للرباط أن نشرتها على حدود الجزائر".
مصادر "عربي بوست" ذهبت إلى أن قرار نشر وحدات الدرك الحربي على الحدود مع الجزائر لم يتخذ رد فعل على تصريحات مسؤولين في "المرادية"، بل تفاعلاً مع تحركات على الأرض من بينها نشر صواريخ جزائرية على حدودها مع المغرب.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كشفت وسائل إعلام إسبانية أن الجيش الجزائري قام بنشر مجموعة من منصات الصواريخ قرب الحدود مع المغرب، وذلك بعد اتهام الجزائر للمملكة باستهداف شاحنتين كانتا في طريقهما إلى موريتانيا ما أدى لمقتل 3 جزائريين.
ونشرت صحيفة "لاراثون" الخميس، 3 نوفمبر/تشرين الثاني صوراً تُظهر نشر الجزائر عدداً من منصات الصواريخ قرب الحدود مع المغرب، ولكنها لم تذكر من أين حصلت عليها.
وبالرغم من أنه لم يتسن التأكد مما ذكرته الصحيفة الإسبانية حتى الآن، فإن الخبر صادف صمتاً رسمياً جزائرياً، فيما أعادت وسائل إعلام جزائرية نشر الخبر.
وقالت "لاراثون" إن الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية تظهر نشر الجيش الجزائري لـ 7 منصات متنقلة لإطلاق الصواريخ، لم يتم تحديد مداها.
وأضافت الصحيفة أن حادث استهداف الشاحنات ومقتل 3 سائقين جزائريين تسبب في حالة من "أقصى درجات التوتر بين البلدين، متساءلة عن حدوث حرب وشيكة على أبواب إسبانيا".
ودخلت العلاقة بين المغرب والجزائر دائرة الاضطراب الشديد بعد تأمين الرباط حركة المرور عبر منطقة الگرگرات، والاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.
ما هو الدرك الحربي؟
وتنتمي وحدات الدرك الحربي إلى مؤسسة الدرك الملكي، وهي خاضعة لقيادة القيادة العامة للدرك الملكي، المؤسسة الأمنية والعسكرية في المغرب.
ويشمل عمل الدرك الحربي المجالين الحضري والقروي، ويتركز أساساً في المجال غير الحضري، ويضم إضافة للدرك الحربي وحدات مراقبة حركة السير خارج المدن، ووحدات خاصة للتدخل السريع ومكافحة الجرائم والمخدرات والهجرة السرية، ووحدات أخرى لمراقبة الشواطئ والغابات والمطارات.
وتم إحداث الدرك الحربي في 1973 بعد المحاولات الانقلابية التي تعرض لها الملك السابق الحسن الثاني، وتورطت فيها وحدات من الجيش، ليتولى في مرحلة أولى مهمة رصد أي خرق لقانون العدل العسكري داخل الثكنات، أو في القواعد العسكرية المنتشرة في الصحراء.
كما يتولى الدرك الحربي المهام المسندة إلى الدرك الملكي من مرافقة الوحدات العسكرية في تنقلاتها في الصحراء أو إلى مدن الشمال، وإنجاز تقارير يومية عن الجيش ورفعها إلى قيادة الدرك التي تحيلها بدورها إلى المكتب الأول للقوات المسلحة الملكية.
وفي حالة وقوع حرب، يتولى الدرك الحربي قيادة فيالق ووحدات الجيش، نظراً إلى الخبرة والتكوين اللذين يتميز بهما أفراده، وفي حالة وقوع سرقة أسلحة من ثكنات يتولى الإشراف على التحقيق في الملف والاستماع حتى إلى قائد القاعدة العسكرية كيفما كانت رتبته بتنسيق مع مدير العدل العسكري في إدارة الدفاع الوطني.
يُقدر عدد عناصر الدرك الحربي في الصحراء بأزيد من 3200 عنصر لهم خبرة، وسبق أن شاركوا في مناورات عسكرية سواء داخل المغرب أو خارجه.
يرأس الدرك الحربي في كل ثكنة عسكرية في الصحراء ضابط برتبة ملازم، ويتولى قبطان قيادة الدرك الحربي في كل قاعدة عسكرية، بينما يقود هذه الوحدات على صعيد كل منطقة في الصحراء كولونيل من الدرك.
يتميز الدرك الحربي عن الوحدات الأخرى التابعة له بالشارة الحمراء على كتفهم الأيسر، ولا يتجاوز نفوذهم الثكنات القواعد، والمناطق العسكرية في الصحراء.
وفي 2017 ومع احتدام احتجاجات منطقة الريف (شمال) خلال ما يطلق عليه بـ"حراك الريف" اشتكى قادة الاحتجاج من انتشار الدرك الحربي، واعتبروه مؤشراً على الرغبة في نشر وحدات الجيش في المنطقة لخَّصه شعار "لا للعسكرة".
في 2019، أحدث المفتش العام للقوات المسلحة الملكية فرقاً خاصة تابعة للجيش خاصة بالأزمات، تتكون من ضباط صف وضباط من فرق مختلفة، منها المشاة والبحرية والدرك الحربي، وستعمل بالخطوط الأمامية.
هذه الفرق العسكرية التي تقدمها الدرك الحربي، عملت بمنطقة الجنوب، وشكلت فرقاً متنقلة تعمل بالحزام الأمني بالصحراء، وتنتقل إلى المنطقة العازلة؛ إذ تلقت تدريباً خاصاً من أجل تكوين وحدة إنقاذ في القوات المسلحة الملكية في المنطقة المفترضة للاشتباك.