عاشت العلاقات بين المغرب والجزائر في 2021 أزمة سياسية ودبلوماسية استثنائية دُقت معها طبول حربٍ محتملة، فسارعت الجارتان إلى سباق محمومٍ لتعزيز ذخيرتيهما السلاحية، وتقوية جيشيهما.
ولا يعتبر التنافس حول التسلح بين المغرب والجزائر وليد متغيرات طارئة؛ إذ تعود جذوره إلى بداية ستينيات القرن الماضي عقب ما يعرف بـ"حرب الرمال"، واستمرار تصاعد التوتر بين البلدين الجارين سّرع وتيرة تسابقهما نحو أسواق الأسلحة.
وبينما تحاول الجزائر تكثيف صفقاتها العسكرية وتنويع تحالفاتها في المنطقة، يسعى المغرب إلى الحصول على التقنيات المتطورة والبحث عن منافذ استخباراتية جديدة.
وعاشت المغرب والجزائر سنة استثنائية؛ إذ عرفت علاقتهما أزمة جديدة أدت إلى إصدار الجزائر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع جارتها الغربية، وسحبت سفيرها من الرباط.
تسلُّح بين المغرب والجزائر في 2021
من أهم مظاهر الشكل الجديد الذي اتخذه الخلاف بين المغرب والجزائر في 2021، زيادة وتيرة السباق المحموم نحو التسلح؛ إذ ارتفعت واردات كلا الطرفين من الأسلحة بشكل ملحوظ خلال السنة، وذلك رغبة من كل جانب في ترجيح كفة ميزان القوى لصالحه.
الأرقام الواردة في هذا الباب توضح الأمر بشكل جليّ، فحسب تقرير موقع "غلوبال فاير باور" الخاص بـ2021، يحتل الجيش الجزائري المرتبة الثانية بين أقوى الجيوش في القارة الإفريقية بعد الجيش المصري، فيما يحتل الجيش المغربي المرتبة الخامسة في نفس التصنيف.
معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) ذكر من جهته عبر تقريره السنوي أن واردات الأسلحة "للخصمين الإقليميين المغرب والجزائر شكلت مجتمعة 70% من إجمالي الواردات الإفريقية من الأسلحة الرئيسية بين 2016-2020".
وأبرز المصدر نفسه أن الجزائر هي أكبر مستورد للأسلحة على مستوى القارة الإفريقية خلال الفترة من 2016 إلى 2020، بنسبة 4.3% من إجمالي واردات الأسلحة العالمية، يليها المغرب بنسبة 0.9%، ثم أنغولا بنسبة 0.5%.
هذا الإنفاق العسكري المهول، حسب الخبير العسكري والمستشار بالمركز الفرنسي للدراسات والاستخبارات عبد الرحمن مكاوي، يمنح الجزائر أفضلية خاصة على مستوى السلاح الجوي؛ إذ اقتنت البلاد دفاعات جوية جد متطورة.
وحدثت الجزائر، حسب ذات المتحدث، أسطولها البحري الذي يضم سفناً بحرية ذات تكنولوجيا متقدمة، فضلاً عن أنها نوّعت أسواقها الدولية، مثل تعاملها مع بيلاروسيا، والصين، وكذلك الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.
في المقابل، يقول مكاوي: "اتجه المغرب نحو القوة الذكية ونحو اقتناء الأسلحة التقليدية المتطورة، فاعتمد بالأساس على الكيف ولم يعتمد على الكم".
وأضاف المتحدث أن الجيش المغربي استطاع تطوير منظومة القيادة والسيطرة، ولعل أبرز مظاهر ذلك الصفقة الأخيرة مع إسرائيل من أجل تصنيع طائرات "الدرون" الانتحارية، وتفاوضه من أجل الحصول على منظومة القبة الحديدية الدفاعية.
ما الذي حققته الجزائر في 2021؟
وفق المعطيات التي قدمها تقرير "غلوبال فاير باور" لسنة 2021، يأتي الجيش الجزائري في المرتبة الـ27 من أصل 140 جيشاً في العالم، بينما يحتل نظيره المغربي المرتبة الـ 53 في الترتيب العالمي.
وحسب الموقع المختص في الشؤون العسكرية، فإن القوات البرية للجيش الجزائري تمتلك 2024 دبابة، و7000 عربة مدرعة، و324 مدفعاً ذاتي الدفع، و396 مدفعاً ميدانياً، و300 قاذفة صواريخ.
كما يمتلك الأسطول العسكري الجزائري، وفق المصدر ذاته، 201 وحدة بحرية، بما في ذلك 8 فرقاطات، و10 طرادات، و8 غواصات، و65 زورق دوريات، وكاسحتا ألغام بحريتان.
الخبير العسكري عبد الرحمن مكاوي قال إن "التنافس المحموم بين المغرب والجزائر ليس وليد أحداث ظرفية طارئة ولن ينتهي قريباً، لأن له جذوراً سياسية وإيديولوجية تمتد إلى الحرب الباردة في نهاية الخمسينات".
وأضاف المتحدث أن "من ركائز عقيدة الجيش الوطني الجزائري أن الامتداد الجغرافي للمنطقة يعد جزءاً من الأمن القومي للبلاد، وهو ما يفسر هذا السباق الجنوني نحو التسلح".
ولعل أبرز تجليات الأمر، حسب المتحدث كون الجزائر ما تزال زبوناً وفياً لسوق الأسلحة الروسية بإنفاقها ما يقرب من 150 مليار دولار لشراء العتاد العسكري الروسي منذ بداية الألفية.
تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس في الرباط، يرى أن "الهدف الأساسي لهذا التسلح يدخل في إطار عقيدة المؤسسة العسكرية الجزائرية، والتي تؤمن أن قوتها تكمن في ضعف محيطها، الذي يتمثل أساساً في المغرب".
المغرب.. سلاح استثنائي في 2021
المغرب هو الآخر حقق تقدم أربع مراتب في التصنيف السنوي الصادر عن "غلوبل فاير باور"، خلال سنة 2021 الجارية، مقارنة بسنة 2020، ليحتل بذلك المرتبة الـ53 ضمن أقوى القوى العسكرية من أصل 138 بلداً شملها هذا التصنيف، بعدما كان يحتل في التقرير السنوي لـ2020 المركز الـ 57.
على الجانب الآخر، للمغرب قوة عسكرية قوامها 510 آلاف جندي، منهم 150 ألف جندي من قوات الاحتياط.
وتملك القوات الجوية المغربية 249 طائرة مقاتلة، بما في ذلك 83 مقاتلة اعتراضية، و29 طائرة نقل عسكرية، و67 طائرة تدريب، و4 طائرات مهمة خاصة، وطائرتا إعادة تزويد بالوقود الجوي، و 64 طائرة هليكوبتر.
من جهة أخرى، يضم الجيش المغربي قوة برية قوامها 3033 دبابة، و8000 عربة مدرعة، و510 مدافع ذاتية الدفع، و156 مدفعاً ميدانياً، و144 قاذفة صواريخ.
ويتألف الأسطول العسكري المغربي من 121 وحدة بحرية، بما في ذلك 6 فرقاطات، وقارب كورفيت، و22 زورق دورية.
تعليقاً على هذه الأرقام، يرى مكاوي أن "أثرها الميداني يبقى نسبياً؛ إذ حسب رأيه لا يمكن اتخاذها معياراً لتقييم قوة الجيش"، مشيراً إلى أن "النجاعة تكمن في التكوين البشري، ونوعية السلاح، إضافة إلى طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية".
من جانب آخر، يقول الأستاذ الحسيني في حديث مع "عربي بوست" إن "هناك تفوقاً جزائرياً على مستوى المعدات العسكرية، خاصة المقاتلات، والغواصات والسفن المدمرة".
وأضاف المتحدث أن "المغرب في المقابل يتفوق في سلاح الدبابات وفي طبيعة تكوين ونوعية القوات المسلحة، بالتالي أعتقد أن الاتفاق الذي وقع مع إسرائيل للحصول على نظام القبة الحديدية وصواريخ دفاعية، وكذلك الصفقات المبرمة مع تركيا والولايات المتحدة للحصول على طائرات (الدرون) يمكن أن يخلق نوعاً من التوازن".
المغرب.. ميزانية استثنائية للسلاح 2021
حسب قانون المالية المغربي لسنة 2022، فقد ارتفعت ميزانية الوزارة المنتدبة لدى رئاسة الحكومة المكلفة بالدفاع الوطني من 111 مليار درهم، أي ما يقارب 10.5 مليار يورو، إلى 115 ملياراً و 554 مليون درهم، أي 11 ملياراً و52 مليون يورو، في ميزانية السنة المالية 2022، وذلك بعد أن أقر هذا المبلغ في قانون المالية الحالي الذي صودق عليه مؤخراً.
وفاقت ميزانية وزارة الدفاع الوطني ميزانية جميع الوزارات والمؤسسات؛ إذ حلت وزارة الداخلية ثانية بـ6544 منصباً مالياً، تليها وزارة الصحة والخدمات الاجتماعية بـ5500 منصب، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بـ800 منصب، ثم وزارة الاقتصاد والمالية والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بـ 500 منصب لكل منهما.
أما بخصوص ميزانية إدارة الدفاع الوطني فانتقلت من 42.29 مليار درهم، أي ما يقارب 4 مليارات يورو في قانون مالية 2021، إلى 45.17 مليار درهم 4.5 مليار يورو في مشروع قانون مالية 2022، منها 37.78 مليار درهم ما يعادل 4 مليار يورو مخصصة للموظفين والأعوان، و7.39 مليار درهم، أي مليار يورو للمعدات والنفقات المختلفة، وهو ما يعني أن رواتب العسكريين وموظفي القوات المسلحة الملكية ستعرف ارتفاعاً خلال السنة المالية الجديدة.
ومن ضمن 26 ألفاً و860 منصباً مالياً نص عليها المشروع الحالي، تصدرت إدارة الدفاع الوطني جميع القطاعات الحكومية بـ10 آلاف و800 منصب، وهو رقم أكبر مما قرره قانون مالية 2021 بـ 4200 منصب، في حين حدد قانون مالية سنة 2020 نحو 5000 منصب.
الجزائر.. تجديد العتاد في 2021
في المقابل، لم تحِد الجزائر عن تقليدها المعمول به منذ عقود، والمتمثل في ضخ المزيد من الأموال في ميزانية الدفاع، فأعلنت في قانون ماليتها لسنة 2022 عن زيادة ميزانيتها العسكرية بقيمة 700 مليون يورو لعام 2022. وهو ما يعادل زيادة بنسبة 7.8٪ مقارنة بعام 2021، لتصل إلى أكثر من 9700 مليون يورو.
كما المغرب، تتعدى ميزانية الجيش الجزائري ميزانية كل القطاعات الأخرى بما فيها التربية والتعليم والصحة، وقد صنَّف تقرير معهد استوكهولم الدولي الأخير الجزائر في خانة الدول الأكثر استيراداً للسلاح في السنوات الخمس الأخيرة.
واحتلت الجزائر المرتبة السادسة عالمياً والثانية إفريقياً بعد مصر، ومن أبرز مموّني سلاحها، روسيا بنسبة 67%، والصين بنسبة 13%، ثم ألمانيا بنسبة تقدر بـ 11%.
وحسب مراقبين، فقد تنامى اهتمام الجزائر بنوعية الأسلحة في الآونة الأخيرة، وهو ما يدل عليه ما أشارت إليه صحيفة "ديفنسا" الإسبانية المتخصصة في السلاح.
وذكرت الصحيفة أن قدرات الجيش الجزائري تعززت بأسلحة هجومية استراتيجية كصواريخ "إسكندر" التي تعتبر أقوى صاروخ تكتيكي في العالم، إضافة إلى دبابات "تي- 90″، ومنظومة صواريخ "بانتسير" من الأسلحة المتطورة والحديثة التي دخلت الخدمة في الجيش الروسي فقط منذ عام 2020، كذلك اقتنت الجزائر غواصات قادرة على الضرب من قاع البحر.
المغرب والجزائر في 2021.. ضريبة التسلح
لم تُثن الأزمات الاقتصادية والهشاشة الاجتماعية في كل من المغرب والجزائر عن وقف التسلح، فرغم التقارير الرسمية المحلية والدولية التي تتحدث عن ارتفاع نسب البطالة والفقر وتردي جودة التنمية، يستمر البلدان في إنفاق مليارات الدولارات على حساب قطاعات أخرى حيوية.
يقول الأستاذ الحسيني: "للأسف، فإن هذا التهافت نحو التسلح يتحقق على حساب الحاجيات الأولية للشعبين، وهذا أمر خطير، يمكن أن يزداد خطورة في حال اندلاع حرب، لأنها ستكون شاملة قد تؤدي إلى ما يسمى التحطيم المتبادل المضمون، المعروف فقط في الحروب النووية".
وأشار المتحدث إلى أن الأمثلة التاريخية تؤكد أن الحرب ستكون مدمرة؛ لذلك فإن المسار المسلوك إلى اليوم، معقد للغاية، يُطرح فيه كثير من الأسئلة؛ من سيوقف الحرب؟ بل من سيحول دون نشوبها؟ أعتقد أنه أمر يجب على العسكريين والسياسيين والنخب التفكير فيه بجدية وواقعية".