قطعت العلاقات بين ألمانيا والمغرب شوطاً مهماً على طريق التجاوب مع مطالب الرباط، ومن ثم التخفيف من التوتر بين الجانبين، حينما أعلنت حكومتها الجديدة أن مبادرة المغرب للحكم الذاتي بالصحراء "مساهمة مهمة" في تسوية النزاع بين الرباط وجبهة البوليساريو.
الموقف الألماني المتفهم لخطة الحكم الذاتي التي عرضها المغرب، أثار جدلاً لكونه يعد سابقة في موقف برلين التي ظلت على الحياد، رغم أن المغرب يلوّح بهذه الخطة منذ 2007، وثانياً توقيت صدور الموقف الذي جاء بعد سنة من الخلافات غير المسبوقة بين البلدين.
ألمانيا والمغرب.. الحل في الأفق
بدون مقدمات أعلنت وزارة الخارجية الألمانية، في بيان، الإثنين 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب لإنهاء ملف الصحراء "مساهمة مهمة" في المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة.
ويعد هذا أول إشارة إيجابية تصدرها ألمانيا تجاه مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب إلى الأمم المتحدة منذ 2007، والذي يهدف إلى منح سكان الصحراء وضعاً متقدماً في تدبير الشأن المحلي، داخل السيادة المغربية.
هذا الأمر ترفضه جبهة البوليساريو التي تأسست في 1973، والتي تريد فصل إقليم الصحراء عن السيادة المغربية، وخاضت لأجل ذلك حرباً طاحنة مع المغرب امتدت إلى 1991، سنة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين.
ومضت الخارجية الألمانية تقول إن "برلين تدعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول على أساس القرار 2602، وإن هذا هو موقفها الذي بقي من دون تغيير لعقود من الزمن".
وذكرت الخارجية الألمانية في بيان نشرته على موقعها الرسمي، أنه "وفي هذا الإطار تسجل أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية في 2007، مساهمة مهمة من أجل طي هذا النزاع".
المغرب: لا رد!
خلافاً لكثير من التوقعات، التي راهنت على ترحيب الرباط بالرسالة، لم يصدر عن المغرب الرسمي أدنى رد فعل على الرسالة الألمانية، رغم مرور أكثر من أسبوع على إرسالها.
وكان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، قد قال في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في برلمان المغرب) وفي الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، إن علاقة بلاده مع ألمانيا يجب أن "تراعي الوضوح والمعاملة بالمثل".
الوزير أكد في حديثه، أن "علاقات المغرب الحالية مع ألمانيا تحتاج عملاً ومجهوداً، وفق منطق يراعي الوضوح والمعاملة بالمثل".
مصادر مغربية قالت لـ"عربي بوست"، إن الموقف الألماني تعبير عن موقف الحكومة الجديدة وتقديرها لطبيعة الحلول الممكنة لإخراج العلاقة بين الجانبين من حالة الأزمة التي دخلتها قبل سنة.
وعن سر الصمت المغربي، أفادت المصادر بأن هذا الموقف صادر عن الخارجية الألمانية، واتُّخذ داخل مؤسسات ألمانيا وهو يهم حكومة برلين، لذلك فالرباط مهتمة به لكنها في الوقت نفسه تعتبره موقفاً خاصاً بالحكومة الألمانية.
وتابعت المصادر أن الرباط تنتظر خطوات عملية من الجانب الألماني لطي صفحة الخلافات السابقة، فالرباط بالنظر إلى علاقاتها التاريخية مع ألمانيا كانت تتوقع منها دعماً للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء لكنها فوجئت بدعوة برلين مجلس الأمن للانعقاد.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 2020، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً مغلقاً، بطلب من ألمانيا، بهدف مناقشة قضية الصحراء، وذلك بعد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسيادة المغرب على المنطقة المتنازع عليها.
وأفادت المصادر بأن الرباط تريد وضوحاً أكبر من ألمانيا باعتبارها دولة محورية في الاتحاد الأوروبي ولا سبيل إلى ذلك إلا عبر الحوار المباشر.
وكان المغرب قد أعلن مطلع مارس/آذار 2021، قطع علاقاته مع السفارة الألمانية بالعاصمة الرباط، إثر "خلافات عميقة بشأن قضايا مصيرية".
شهران بعد ذلك، وفي 6 مايو/أيار الماضي، استدعى المغرب سفيرته في برلين زهور العلوي، للتشاور بسبب ما وصفه بموقف ألمانيا "السلبي" بشأن "قضية إقليم الصحراء ومحاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا".
"الصحراء" قبل التعاون
في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني، قال العاهل المغربي محمد السادس، إنّ "المغرب لا يتفاوض على صحرائه، ومغربية الصحراء لم تكن يوماً ولن تكون أبداً مطروحة فوق طاولة المفاوضات، ولكن نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي لهذا النزاع الإقليمي المُفتعل".
وفي رسالة لا تخطئها عين، تابع العاهل المغربي: "نقول لأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، إن المغرب لن يقوم معهم، بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية".
واعتبرت أن المغرب بعد خطاب الملك سيُعيد ضبط علاقاته مع الاتحاد الأوروبي ودوله، بناءً على درجة تفاعلها مع المطالب المغربية في ملف الصحراء وواقع الاعتراف الأمريكي.
ويسود اعتقاد لدى كثير من المراقبين أن العلاقة بين البلدين تتحكم فيها ملفات متشعبة، فيها السياسي والاقتصادي والأمني، وأن أي تقدم في العلاقة بينهما يمر عبر حل جميع هذه الملفات.