عاد الدبلوماسيون الإيرانيون إلى طهران، بعد إعلان توقف مؤقت للمحادثات النووية في فيينا والتي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، أو ما يعرف رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة، كانت قد بدأت الجولة الحالية من المفاوضات يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتعد هذه هي الجولة السابعة، بعد خوض إدارة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني لست جولات، توقف لعدة أشهر، منذ انتخاب رجل الدين المحافظ إبراهيم رئيسي، رئيساً جديداً لإيران فى شهر يونيو/حزيران الماضي.
اتسمت الجولة السابعة الحالية، بالكثير من التوتر والأخبار المتضاربة، ففى الأيام الأولى من بدء الجولة السابعة، اتهمت طهران، الولايات المتحدة والأطراف الغربية المشاركة في المفاوضات والموقعة أيضاً على خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، بالتهرب من مسؤوليتهم عما وصل إليه الاتفاق النووي الإيراني، والإصرار على تهديد إيران، باستخدام عقوبات غير قانونية وغير إنسانية، وهذا ما لن تقبله الجمهورية الإسلامية بأي شكل من الأشكال.
على الجانب الآخر اتهمت واشنطن والدول الغربية الموقعة على الصفقة النووية، أو ما يعرف بالثلاثية الأوروبية (E3)، (ألمانيا، بريطانيا، فرنسا)، مطالب طهران من أجل العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، بالمطالب المتطرفة.
وتجدر الاشارة إلى أن الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية تخوضان مفاوضات غير مباشرة في العاصمة النمساوية فيينا، حيث يقبع كل من الفريق الأمريكي والإيراني في فنادق متباعدة إلى حد ما، ويتولى الدبلوماسيون الأوروبيون ومسؤولو الاتحاد الأوروبي، مهمة التوسط بين الفريقين، ذهاباً وإياباً.
تقدم كبير، وانفراجة شبه مؤكدة
صرح رئيس الوفد المفاوض النووي الإيراني، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، علي باقري كني، لوسائل الإعلام الإيرانية، بأن المفاوضات سوف تتوقف مؤقتاً، وسط ما وصفه بأنه "تقدم كبير".. جاء هذا التصريح الإيجابي بعد أسابيع من التشاؤم تارة من قبل الإيرانيين، وتارة أخرى من جانب الأوروبيين والولايات المتحدة.
فى هذا الصدد، يقول دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، مقرب من السيد باقر كني، كبير المفاوضين الإيرانيين، لـ"عربي بوست"، "بعد أسابيع من الشد والجذب، وتقديم مطالب إيرانية ضخمة، تم إعلام الفريق المفاوض النووي الإيراني في فيينا، بتغيير في الاستراتيجية، وإبلاغهم بالتحرك نحو التوقيع على صفقة سريعة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015".
ووصف الدبلوماسي الإيراني السابق، الأمر بأنه خطوة إيجابية كبيرة، من قبل المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، للانتهاء من أزمة الاتفاق النووي، فيقول لـ"عربي بوست": "أبلغ مكتب السيد خامنئي، الدبلوماسيين الإيرانيين في فيينا، بضرورة الانتهاء من مشكلة الاتفاق النووي قبل نهاية العام الحالي، والتنازل قليلاً عن بعض المطالب للتوصل إلى حل وسط مع جميع الأطراف في فيينا، لعودة طهران وواشنطن إلى الاتفاق النووي".
فى نفس السياق، وفي حديثه لـ"عربي بوست"، صرح النائب البرلماني المتشدد، وعضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية فى البرلمان الإيراني، مجتبي ذو النور، لـ"عربي بوست": "خلال أسابيع قليلة ستقوم بعض الدول الأوروبية بالإفراج عن بعض الأصول المجمدة الإيرانية لديها".
جاءت رحلة مهدي سفاري، نائب وزير الخارجية الإيرانية للشؤون الاقتصادية في الأيام القليلة الماضية، إلى إحدى الدول الاوروبية، كدليل على الحديث السابق ذكره للنائب البرلماني مجتبي ذو النور، وتعليقاً على هذه الرحلة، قال مصدر مقرب من وزارة الخارجية الإيرانية، لـ"عربي بوست": "رحلة السيد سفاري، كانت للتفاوض حول حجم الأموال الإيرانية المجمدة في أوروبا، والتي سيتم الإفراج عنها قريباً، في خطوة لإعلان حسن النية من قبل الأوروبيين تجاه طهران".
اتفاق طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية
في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، كنا قد تناولنا الأزمة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران بشأن أربع كاميرات في منشأة نووية بالقرب من مدينة كرج، لتصنيع أجهزة الطرد المركزي، كانت الكاميرات الأربع قد تم تدميرها في الهجوم السيبراني على مصنع كرج فى شهر يونيو/حزيران 2021، وألقت طهران باللوم فيه على إسرائيل، وطالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الجمهورية الإسلامية بإعادة تركيب كاميرات جديدة.
جدير بالذكر أن البرلمان الإيراني، عقب اغتيال العالم النووي البارز، محسن فخري زادة، قد أقر قانوناً يأمر الحكومة الإيرانية، بالتوقف عن تنفيذ البروتوكول الإضافي، التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تفتيش المنشآت النووية الإيرانية، كما هو منصوص عليه في خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، حتى يتم رفع جميع العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد طهران.
بعد الكثير من رحلات رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي إلى طهران في الأشهر الماضية، تم الاتفاق على مد فترة عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشروط، لكن ظلت أزمة مسألة مصنع كرج أجهزة الطرد المركزي عالقة، في الشهر الماضي، وقبل الذهاب إلى فيينا لاستئناف المفاوضات النووية الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، زار غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، العاصمة الإيرانية طهران، لحل هذه الأزمة (السابق ذكرها)، تجنباً لإلقاء اللوم على إيران، في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن عاد غروسي خالي الوفاض.
لكن أخيراً، ودعماً للتحركات الإيجابية التي أشار إليها الدبلوماسيون الإيرانيون من فيينا، تم التوصل إلى اتفاق بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهيئة الطاقة الذرية الإيرانية، برئاسة محمد سلامي، فى 15 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
علم "عربي بوست"، من مصدر مقرب من هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، أن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أجرى مقابلة عبر الإنترنت مع محمد سلامي رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، في وقت متأخر من يوم 15 ديسمبر/كانون الأول، فيقول المصدر لـ"عربي بوست": "تم الاتفاق على تركيب أربع كاميرات جديدة في مصنع كرج، لتجنب مواجهة وشيكة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأيضاً لدعم مفاوضات فيينا لعقد صفقة سريعة بشأن الاتفاق النووي".
تجدر الإشارة هنا، إلى أن الجمهورية الإسلامية قد المحت إلى أنها تشتبه في أن هجوم يونيو/حزيران 2021 على موقع كرج أجهزة الطرد المركزي، قد تم تسهيله من خلال اختراق كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، هذا الاتهام لم يكن جديداً، فدائماً كان المسؤولون الإيرانيون المتشددون، يرفضون إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية الإيرانية، لنفس السبب، وخوفاً من أن يكون هذا الإشراف جزءاً من الحملات التخريبية للمنشآت النووية، والتي دائماً ما تلقي إيران باللوم فيها على إسرائيل.
لكن الاتفاق بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن كاميرا منشأة كرج، تم ضمن شروط إيرانية خاصة، مصدر مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، قال في حديثه لـ"عربي بوست": "نعم وافقت طهران على تركيب كاميرا جديدة في كرج، لكن بيانات هذه الكاميرات لن يتم تسليمها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا بعد رفع العقوبات الأمريكية".
جدير بالذكر هنا أن حديث المصدر يتماشى مع الاتفاق السابق بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي سمح باستمرار عمل كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن بيانات هذه الكاميرات سيتم تسليمها للوكالة في حال رفع العقوبات، وإن حدث أمر مغاير، ستحتفظ إيران بهذه البيانات ولن يسمح لمفتشي الوكالة بالاطلاع عليها.
كما أشار المصدر المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إلى أن هذا الاتفاق هو محاولة لتجنب إلقاء اللوم على إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيقول لـ"عربي بوست": "قررت إدارة السيد رئيسي عقد اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في محاولة لإظهار حسن النية الإيرانية، في مفاوضات فيينا، والتأكيد على أن طهران سوف تفي بوعودها، إذا تحققت مطالبها المشروعة تجاه الاتفاق النووي".
ما الذي حدث للمطالب الإيرانية الكبيرة؟
فى يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، تم اختتام الجولة المبدئية من المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وجاءت النتائج مخيبة للآمال، فقد قدمت إيران في الجولة السابعة لمفاوضات فيينا، مسودة مقترحات توضح بالتفصيل مواقفها بشأن إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
قدمت إيران وثيقتين، الأولى تتعلق برفع جميع العقوبات النووية (ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني)، وغير النووية (المرتبطة بملفات حقوق الإنسان وتمويل الإرهاب)، التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب على الجمهورية الإسلامية، بعد أن سحب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، في مايو/أيار عام 2018.
أما الوثيقة الإيرانية الثانية، فتتناول القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، وقال مصدر بوزارة الخارجية الإيرانية لـ"عربي بوست"، إن بلاده تنوي تقديم وثيقة أخرى ثالثة، تتناول كيفية التحقق من رفع العقوبات الأمريكية على إيران.
جدير بالذكر أنه لم يتم الإعلان عن محتوى الوثيقتين الأولى والثانية، لأي من وسائل الإعلام، كما رفضت المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، تناول محتوى هذه الوثائق.
حينها اتهمت الدول الأوروبية المشاركة في مفاوضات فيينا، والموقعة على الصفقة النووية الإيرانية لعام 2015، إيران بأنها تقترح مطالب صارمة ومتطرفة، من شأنها أن تضيع فرصة ذهبية لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني.
وتعليقاً على هذا الأمر، يقول دبلوماسي إيراني سابق لـ"عربي بوست"، فضل عدم الكشف عن هويته: "إدارة إبراهيم رئيسي، أصرت على الذهاب إلى جولة جديدة من المفاوضات النووية باستراتيجية جديدة، صارمة وقوية، فقدم الفريق المفاوض الإيراني مطالب كبيرة وهائلة".
وسط أيام المفاوضات النووية في فيينا، تضاربت الأنباء بشأن التوصل إلى حل، أعربت الولايات المتحدة عن إحباطها بشأن المطالب الإيرانية الصارمة، كما فعلت الأمر نفسه الدول الأوروبية، مما دفع إيران إلى انتقاد الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا)، من موقفها السلبي تجاه إيران.
مسؤول حكومي إيراني رفيع المستوى، مطلع على سير المفاوضات النووية الحالية في فيينا، قال لـ"عربي بوست"، "الدول الأوروبية الثلاث، كان موقفها متعنتاً للغاية تجاه إيران في بداية الجولة السابعة من المفاوضات، ولا أبالغ إذا قلت إن دولة من الثلاث كانت تحرض واشنطن على عدم تنفيذ المطالب الإيرانية"، رفض المصدر الإفصاح عن هوية الدولة التي اتهمها بالتحريض ضد طهران.
لكن في نفس الوقت، كان هناك من يدعم طهران في مفاوضات فيينا، يقول المصدر ذاته، لـ"عربي بوست": "الصين وروسيا، تدعمان بقوة موقف إيران في المفاوضات، وتدعمان مطالبنا، على عكس ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، في مواقفها غير الموحدة في المفاوضات".
وبجانب تقديم إيران لمطالب صارمة، وانتقاد الغرب لها، على ما يبدو أنه تم التراجع عن بعض من هذه المطالب قبل إعلان التوقف المؤقت لمفاوضات فيينا.
تخفيف المطالب الإيرانية؟
في الوقت الذي أصرت فيه إيران على أن مطالبها لن يتم التراجع عنها، ويجب تنفيذها بالكامل من قبل الولايات المتحدة والغرب، للعودة الإيرانية الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، إلا أن إشارة رئيس المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، إلى "التقدم الكبير"، قبل مغادرته فيينا، وفي طريقة عودته إلى طهران، يشير إلى استخدام الدبلوماسيين الإيرانيين لبعض المرونة في المفاوضات.
دبلوماسي إيراني بارز، ومقرب من السيد باقر كني قال لـ"عربي بوست": "بالنسبة للوثيقة المرتبطة بالعقوبات، فقد وافق الأمريكان والأوروبيون على وجهات نظر إيران، كما سيتم وضع وثيقة جديدة كأساس للمحادثات حول العقوبات، والتي تختلف عن الوثيقة السابقة"، في إشارة إلى تخفيف الفريق الإيراني المفاوض لبعض مطالبه المتعلقة بالعقوبات الأمريكية على إيران.
يضيف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "عاد الدبلوماسيون الإيرانيون إلى طهران، لمناقشة العديد من الأمور المستجدة مع القيادة الإيرانية العليا، وسيتم طرح مقترح من قبل وزارة الخارجية على المسؤولين الإيرانيين، خاص بمسألة العقوبات الأمريكية، وأتوقع أن تكون النتائج إيجابية".
هل سيتم التوصل إلى صفقة بشأن الاتفاق النووي الإيراني، قبل نهاية العام الحالي؟
لم تحدد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، موعداً دقيقاً لعودة فريقها المفاوض إلى فيينا لاستئناف المحادثات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة، لكن مصادر إيرانية كانت قد تحدثت لـ"عربي بوست"، قالت إن من الاحتمال عودة الدبلوماسيين الإيرانيين إلى فيينا قبل نهاية الشهر الجاري.
وهذا أيضاً ما تمناه إنريكي مورا، المسؤول الكبير بالاتحاد الأوروبي، ومنسق المحادثات النووية في فيينا، فقد صرح قائلاً: "ليس لدينا شهور، بل لدينا أسابيع للتوصل إلى اتفاق، ونأمل أن تستأنف المفاوضات بحلول نهاية العام الجاري".
وعلى ما يبدو أن الجمهورية الإسلامية عازمة على إنجاز تقدم ملموس بشأن إحياء الاتفاق النووي قبل نهاية العام الجاري، ففي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول دبلوماسي إيراني بارز، ومطلع على سير المفاوضات النووية في فيينا: "هناك رغبة إيرانية حقيقية في إنجاز صفقة بشأن الاتفاق النووي قبل العام المقبل، التوقف مؤقت فقط، لمناقشة بعض الأمور المهمة الملحة، لكنه لا يعني انعدام الرغبة في استكمال المفاوضات".