ظروف قاسية تلك التي خضع لها الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية المحظورة في إسرائيل بالسجون الإسرائيلية، إذ عاش معزولاً، ينتقل من عزل إلى آخر، قبل أن يعانق الحرية بعد 17 شهراً من الاعتقال.
عانق صلاح الحرية بعد أن عاش أياماً طويلة من التنكيل والعزل عن العالم الخارجي، إذ كان يتواصل مع الأسرى بتبادل الكلمات من وراء زنزانته الموصدة، التي تفصله عن أقسام العزل بالسجون التي مكث فيها.
كان لنا معه هذا اللقاء، ليحكي لنا عن ظروف حبسه، وكيف كان يقضي وقته أثناء فترة اعتقاله، وعن أسرى نفق الحرية.
بماذا تفسر إصرار الاحتلال على عزلك انفرادياً طيلة فترة الاعتقال؟
لو نظرنا إلى تاريخ الأسرى السياسيين لوجدنا أنني الوحيد، أو قد أكون من القلائل النادرين جداً الذي عومل معاملة غريبة عن كل طبيعة معاملة الأسرى السياسيين، الأصل في الأسير السياسي أن يدخل إلى قسم عام مهما كانت مدة محكوميته أو خلفية الاعتقال، ثم إذا كانت هناك بعض المشاكل قد يعاقب بأن يُنقل إلى سجن عزل انفرادي.
أنا الوحيد الذي دخل منذ أول يوم إلى سجن انفرادي، إلى عزل مع سبق إصرار، منذ أول يوم وهم يرفضون أن أنتقل إلى سجن ولو مع أسير سياسي واحد، أبعد من ذلك ولو مع أسير جنائي واحد، أصروا أن أبقى فقط في دائرة السجن الانفرادي، كان واضحاً جداً الهدف، أنا في نظري كان هناك كيد خبيث، تدبير ماكر، كانوا يهدفون من خلاله إلى تحطيم شخصيتي وأن أخرج من السجن ليس كما دخلت إلى السجن.
ما تعليقك على موضوع النطف المهربة والإساءة للأسرى من خلال فيلم "أميرة"؟
الهدف ما وراء السطور من وراء هذا الإنتاج الفني المرفوض والخاطئ، كان من وراء ذلك من يحاولون تشكيك الأسير بامتداده الشرعي بميلاد طفل له رغم أسره، بامتداد أسرته من بعده، وحمل رسالته، رغم أنه في حكم مؤبد داخل السجن.
هذا الفيلم كان يهدف إلى صناعة تشكيك في هذا الكبرياء الذي يتحلى به الأسير السياسي، وأقولها لكل من شارك في هذ الفيلم، إما منتج أو مخرج أو ممثل، أقول لهم يا حيف! يا حيف يا حيف! إذا قررتم ألا تكونوا معنا على الأقل لا تكونوا علينا.
كيف كنت تقضي وقتك في السجن؟
منذ أول لحظة في يقظتي وحتى لحظة نومي لم يكن فيها ثانية فراغ، ثانية واحدة لم يكن لدي فراغ، كان عندي برنامج عمل طويل دائم كل يوم، يشمل الصلاة والقراءة، كتابة مؤلفات، ورسم لوحات، ونظم الشعر، وبطبيعة الحال أعطيت قسطاً كبيراً من يومي للدعاء والأذكار واللجوء إلى الله تعالى بالتضرع الدائم، لأنني فعلاً كنت في ظروف فيها تحدٍّ كبير لي، أن أكون أو لا أكون، ووجدت أن الملجأ الوحيد الذي يعينني أن أكون بصمود وثبات، وأن أخرج على هذا الحال، فقط من الله سبحانه وتعالى.
ما ظروف الأسرى، خصوصاً بعد عملية نفق الحرية، وهل شعرت بأن هناك تشديداً أو تعاملاً مختلفاً بعد هذه العملية؟
طبعاً شعرت بذلك في ظروف أسري، وفي حياة من كان يحيط بي من الأسرى السياسيين الذين كانوا معزولين مثلي.
فبعد حادث النفق مباشرة فُرضت إجراءات جديدة على كل الأسرى السياسيين بما فيهم أنا، مُنعت من الزيارات، أول أيام من الحدث مُنعنا من الخروج إلى الساحة للتريّض، وكثُرت التفتيشات.
كانوا يحيلون الغرف إلى فوضى عارمة، كل يوم مُطالب هذا الأسير بأن ينظم غرفته مرة أو مرتين، مُطالب في بعض الأحيان أن يغسل الغرفة، أن يمسح الغرفة، لأن أثر التفتيش كان مؤذياً جداً.
كان التفتيش يتعرض في بعض الأحيان إلى مس القرآن الكريم، أو إلى مس كتب إسلامية في العقيدة، في الفقه، في التفسير. لا شك أن هذا كان يؤذي قلب الأسير، لأن لها مكانتها الخاصة.
وبطبيعة الحال كانت هناك عقوبات أخرى، فبعض الفصائل الفلسطينية تم تشتيتهم على بقية السجون، وفرض العزل على كثير منهم، وأصبحوا مشتتين في أكثر من قسم عزل في السجون.
حقيقة أنا أقولها جملة أخيرة في هذا السؤال، وإن كان يحتاج إلى حديث طويل: كان من جيراني من هو محكوم مؤبد، من مضى عليه قرابة العشرين عاماً من حكم المؤبد، كانوا يتمتعون بمعنويات كما لو حُكم بالسجن البارحة، وكما أنه سيخرج من السجن غداً إن شاء الله تعالى، كانت هكذا معنوياتهم، الحمد لله.
ما أكثر ما كنت تفتقده في المعتقل؟
أفتقد حياة البيت، أفتقد اللقاء المبارك مع الوالدة، حياتي في بلدتي، تواصلي مع أهلي، تواصلي مع شعبي، تواصلي مع بعدي الإسلامي العروبي، هذا كان من حيث الجانب المادي كان مفتقداً، وإن كنت على اطمئنان ويقين بأن كل هذه الدوائر كانت تدعو لي بالخير والثبات بحمد الله.
ما نتاجك الفكري في الاعتقال الأخير؟
11 كتاباً ما بين كتب فكرية ذات دلالات سياسية، أو كتب في مجالات الفقه الإسلامي، والعقيدة، والتهذيب، والروحانيات.
أستطيع أن أقول كان من أشهر هذه الكتب "قراءة سياسية في القرآن الكريم"، "قراءة سياسية في إنجيل برنابا"، "قراءة سياسية في العهد الجديد"، ورسائل وكتب أخرى -الحمد لله رب العالمين- مع وضع قاعدة مهمة جداً أريد أن أؤكدها الآن، لن أصدر أي كتاب منها أو كتيب إلا بعد أن يطلع عليه العلماء ويجيزوا كل كلمة فيه، ولو قالوا لي احذف كل الكتاب سأحذفه -بحمد الله- حتى أكون بإذن الله مطمئناً وواثقاً بأنني أوافق القرآن والسنة.
رسالتك للشعب الفلسطيني..
نحن بحمد الله رب العالمين عشنا مرحلة الربيع العربي، ونحن مقبلون على الربيع النبوي بإذن الله تعالى، نحمل العدل والقسط والسلام لكل العالم دون استثناء، لأن هذه ثمار ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، هي أقوى من كل محاولات تشويهها، هذا هو الذي نحمله للعالم، والعالم سيسعد بنا وسنسعد به إن شاء الله، تحت ظلال الربيع النبوي القادم الذي بشر به القرآن الكريم والسنة النبوية الكريمة.