كشفت منظمة حقوق إنسان سورية أنها استعانت بأنظمة متطورة من الذكاء الاصطناعي لكشف وتوثيق انتهاكات وجرائم نظام بشار الأسد في سوريا على مدار الأعوام العشرة الماضية، حسبما نقلت صحيفة Financial Times البريطانية، الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول 2021.
تعود المشكلة التي واجهها الباحثون بمنظمة "Mnemonic"، إلى ضخامة المكتبة المرئية التي بحوزتهم، إذ كان بين أيديهم قرابة 350 ألف ساعة من مقاطع الفيديو التي تحوي أدلةً على جرائم حرب، تتراوح بين هجمات كيماوية واستخدام الذخائر المحظورة، لكنهم لم يكونوا قادرين على فحصها يدوياً بالكامل.
إثر ذلك حاولت المنظمة استخدام الذكاء الاصطناعي لتفتيش مقاطع الفيديو الموجودة تحديداً في موقع "الأرشيف السوري"، وهو مستودعٌ لسجلات الحرب على الإنترنت، بحثاً عن أدلة على استخدام قنبلةٍ "عنقودية" بعينها ضد المدنيين.
القنبلة التي رغبت المنظمة في توثيق استخدامها هي "آر بي كي-250″، وهي عبارة عن قذيفة معدنية تحوي مئات المتفجرات الصغيرة، ولا تنفجر قذائف "آر بي كي-250" عادةً، لذا يظل خطرها قائماً لعقود بعد نهاية الصراع.
لكن المشكلة التي واجهت المنظمة تكمن في أنّ برنامج الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى آلاف من صور "آر بي كي-250" حتى يتدرّب على التعرّف على القنبلة، من كل زاوية وفي كل موقف، سواءً كانت مدمرة أو مغطاةً بالحطام، وهذه الصور لا وجود لها.
جهد مبتكر
بناء على ذلك، لجأت المنظمة إلى آدم هارفي، عالم الحاسوب المقيم في برلين، من أجل تجربة آلية صارت واسعة الانتشار مؤخراً مع تقدم الذكاء الاصطناعي، وهي استخدام البيانات الاصطناعية بدلاً من الصور الحقيقية.
قضى هارفي عامين مع الباحثين لإنشاء 10 آلاف صورة تمت محاكاتها بالحاسوب لقنابل "آر بي كي-250″، واستخدموا تلك الصور الاصطناعية لتدريب برنامج الذكاء الاصطناعي.
وفي تجربةٍ استغرقت ثلاثة أيام، تمكّن البرنامج الذي تدرّب على الصور الاصطناعية، من رصد استخدام قنابل "آر بي كي-250" أكثر من 200 مرة بعد فحص ما لا يقل عن 100 ألف مقطع فيديو، وبنسبة نجاح بلغت 99%.
يقول هارفي، الذي أتاح الأداة على منصة VFRAME مفتوحة المصدر لمساعدة تحقيقات وقضايا حقوق الإنسان: "قدّمت هذه الأداة أدلةً على الاستخدام غير الشرعي للذخائر خلال الصراع السوري. وكلما عثرنا على أدلةٍ أكثر، زادت دقة الحجة القانونية في وصف الأمر بأنّه انتهاكٌ واسع النطاق لحقوق الإنسان، أي جريمة حرب".
في حين قالت أليكس كوينغ، المديرة التنفيذية لمركز حقوق الإنسان بجامعة كاليفورنيا بيركلي: "إنها طريقةٌ ذكية لحل مشكلة عدم وجود بيانات تدريب كافية، إذ يُمثّل هذا الأمر تحدياً فيما يتعلّق بجرائم الحرب خصوصاً. وتكمُن العقبة الأساسية في أنّ سرعة وحجم اللقطات المصورة للفظائع المرئية تجعل من شبه المستحيل فحصها يدوياً للعثور على علامات وسط كل الضوضاء المحيطة بالمشهد. وجعل مجموعات البيانات هذه قابلةً للمراجعة البشرية سيكون إضافةً هائلة".
وقد طوّرت كبرى الشركات التقنية، مثل Nvidia وTesla وApple وGoogle وFacebook وAmazon، مجموعات البيانات الاصطناعية الخاصة بها خلال السنوات الأخيرة. واستخدمت تلك البيانات الاصطناعية لأغراضٍ تتراوح بين القيادة الذاتية والتشخيصات الطبية.
ويرى الباحثون أنّ الميزة الأكثر ابتكاراً في البيانات الاصطناعية هي قدرتها على حل مشكلات كانت لا تزال عالقة، مثل التحدّي الذي فرضه الأرشيف السوري. وعلى حد تعبير جيف دويتش، باحث الأرشيف السوري الذي تعاون مع هارفي في المشروع: "الأمر مثيرٌ للغاية، لأنّنا بلغنا مرحلةً يُمكن خلالها لفرقٍ صغيرة للغاية مثل فريقنا أن تستخدم الأدوات نفسها التي تستخدمها الشركات متعددة الجنسيات، ولأغراض مختلفة تماماً".