بشكل مفاجئ صعَّدت حركة حماس من لهجتها ضد مصر، في سابقة هي الأولى من نوعها، متهمةً إياها بالتلكؤ في تنفيذ ما تعهدت به أمام الحركة، بالعمل على خطوات من شأنها تحسين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية لسكان القطاع، محذرة من الذهاب للخيار العسكري في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
تعهدات لم تلتزم بها مصر
مصدر قيادي في حركة حماس كشف لـ"عربي بوست" أن "المخابرات المصرية لم تلتزم بما تعهدت به أمام قيادة الحركة ضمن اتفاق مكتوب وضمن جدول زمني محدد ينتهي في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، حول قيام مصر بخطوات عملية على الأرض لتحسين الأوضاع الاقتصادية في غزة، من بينها إعادة تفعيل خط الكهرباء الواصل بين غزة ومصر عبر زيادة كميات الكهرباء الواردة لغزة بـ50 ميغاواط في المرحلة الأولى ورفعها لـ100 ميغاواط حتى العام 2023 لتغطي العجز الذي تعاني منه غزة في ملف الكهرباء".
كان الجانب المصري قد تعهد بإدخال تحسينات عبر معبر رفح، تتعلق برفع عدد المسافرين القادمين والعائدين من وإلى المعبر، وإزالة قوائم المحجوبين من السفر، ووقف العمل بآلية التنسيق الخاصة بالمسافرين التي تكلف الفرد الواحد ما بين 1000 و6000 دولار، وإزالة نقاط التفتيش والحواجز التابعة للجيش، وتوفير نقاط لمبيت المسافرين، نظراً لطول الطريق الدولي الذي يمتد لمسافة 400 كيلومتر بين مدينة العريش والقاهرة.
لكن لم تلتزم مصر بما تعهدت به، بزيادة كميات البضائع عبر بوابة صلاح الدين، لما لهذه الخطوة من تداعيات مباشرة ستُسهم في زيادة الإيرادات المالية والجمركية لحكومة غزة، وإزالة القيود المفروضة على تصدير البضائع والسلع من غزة، خصوصاً المنتجات الزراعية، كما تعهدت مصر بتقليل تكلفة نقل البضائع الواردة لغزة عبر شركة أبناء سيناء للنصف، حيث تزيد تكلفة النقل للشاحنة الواحدة عن ألفي دولار، وهو ما يتسبب في رفع أسعار السلع في أسواق القطاع.
حماس والقلق من الحاضنة الشعبية
اللافت في بيان حماس الإشارة بوضوح إلى أن القيادة السياسية والعسكرية للحركة تستشعر خطورة بقاء الوضع الاقتصادي في غزة على ما هو عليه دون أي تقدم؛ وبذلك لا تخفي حماس خشيتها من أن تؤدي المماطلة الإسرائيلية والمصرية في ملف الإعمار لفقدان الحركة مصداقيتها أمام الشارع والحاضنة الشعبية للمقاومة، بعد تعهد قائدها يحيى السنوار بأن هذا العام لن ينتهي دون كسر الحصار عن غزة.
كما أشارت الحركة، في بيانها، إلى أن المرحلة القادمة ستثبت مصداقية ما تقول، وهو ما تحاول الحركة تأكيده للوسطاء وإسرائيل بأنها لن تتنازل عن استثمار الإنجازات التي حققتها في معركة سيف القدس الأخيرة، وأهمها تثبيت معادلة الهدوء ضمن قواعد اشتباك جديدة، بربط أي توتر في القدس أو الضفة الغربية بتفجير الأوضاع في غزة.
ورغم عودة مصر بقوة كإحدى نتائج حرب غزة الأخيرة لتكون الطرف الأول في المعادلة السياسية بين حماس وإسرائيل، فإن مصر لم تنجح في طيّ أي من الملفات العالقة التي تديرها كوسيط، وأهمها الإعمار وصفقة الأسرى وحصار غزة.
حماس ومعركة الوقت
إياد القرا، صحفي مقرب من حماس، قال لـ"عربي بوست" إن "قيادة حماس تشعر بأن دور مصر لا يلبي تطلعاتها السياسية في هذه المرحلة، وأن على مصر أن تقوم بدور أكبر لإلزام إسرائيل بدفع ما عليها من استحقاقات للتهدئة، لذلك جاءت الرسالة كتهديد مباشر لإسرائيل بأن صبر حماس بدأ ينفد، ولن تقبل الحركة بإعطاء المزيد من الفرص لإسرائيل، وعلى مصر أن تمارس دورها كوسيط نزيه في ملفات تثبيت التهدئة، وصفقة التبادل، وإعمار غزة".
وأضاف: "بيان حماس يأتي كإنذار أخير حتى نهاية العام الحالي، قبل الدخول في مراحل التصعيد المباشر، التي قد تبدأ بالخيارات الشعبية كعودة البالونات الحارقة ووحدات الإرباك الليلي، وخيار الذهاب لجولة عسكرية قصيرة الأمد لعدة أيام مضبوطة الإيقاع، سيكون خياراً مطروحاً على الطاولة ما لم يتغير الواقع في غزة".
وتشهد العلاقات بين مصر وحماس دفئاً على مستوى الاتصالات السياسية بين قيادة المخابرات المصرية وقيادة الحركة بعد سنوات من التوتر، إذ شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة لقاءات بين قيادة الحركة في الداخل والخارج، في حين احتضنت القاهرة أول اجتماع على مستوى القيادة السياسية للحركة بعد انتهاء دورة الانتخابات الأخيرة لحماس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
خلال هذه المرحلة طرحت حماس، في لقاءاتها مع المخابرات المصرية، رؤيتها للمرحلة القادمة، جاءت ضمن سلسلة لقاءات أجرتها وفود سياسية واقتصادية من قطاع غزة، من بينهم مسؤولون حكوميون وممثلو القطاع الخاص، زاروا القاهرة لوضع المسؤولين المصريين في صورة ما تعانيه غزة بعد الحرب، إلا أن أياً من هذه المطالب لم يتم تحقيقه، كما تسير عملية الإعمار ببطء شديد.
أيمن الرفاتي، الباحث المختص في مركز الدراسات الإقليمية بغزة، قال لـ"عربي بوست" إن "حماس تشعر أن السياسة التي تقودها مصر وإسرائيل ضد غزة في المماطلة في عملية الإعمار تهدف إلى تغيير الصورة التي رسختها المقاومة في الحرب الأخيرة، وهدف هذه السياسة هو شراء الوقت والهدوء، على أمل أن يسهم ذلك في تنازل حماس عن بعض الشروط والمحددات، كتحييد ملف القدس عن غزة، وعدم ربط التوتر في مدينة القدس باتخاذ المقاومة لقرار التصعيد".
وأضاف المتحدث: "تدرك حماس أنها منحت مصر دوراً كافياً لإنجاز ملف الإعمار، وأن بقاء الوضع على ما هو عليه سيزيد من معاناة المواطنين مع دخول فصل الشتاء، وبالنظر لوجود أكثر من 100 كيلومتر مربع من البنى التحتية المدمرة، فإن المشاريع الاقتصادية والخدماتية ستبقى معطلة".