خلافاً لكل التوقعات الأزمة لازالت مستمرة بين المغرب وإسبانيا، إذ إن المغرب لم يشارك في اللقاء الأخير لمنتدى وزراء خارجية الاتحاد من أجل المتوسط، الذي احتضنته برشلونة الإسبانية الإثنين الماضي، إذ اعتذر وزير الخارجية والتعاون ناصر بوريطة، لنظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، بحسب ما أفادت به جريدة "الباييس" الإسبانية.
غياب وزير الخارجية المغربي عن اللقاء، جاء في سياق عادت فيه غيوم الخلاف لتسود أجواء العلاقات بين الرباط ومدريد، رغم حرص الطرفين على عدم التصعيد رسمياً وعلنياً على الأقل.
الأزمة مستمرة بين الجارتين
وبحسب مصادر خاصة لـ"عربي بوست" فإن العلاقات بين المغرب وإسبانيا، تعرّضت لانتكاسة في الفترة الأخيرة، وعاد الجمود ليحكم الأجواء بين الرباط ومدريد، بعدما تلقى الجميع إشارات جد إيجابية، عقب الخطاب الملكي في أغسطس/آب 2021، وردود إسبانيا الإيجابية عليها.
وسجلت المصادر أن العلاقة بين الجانبين تحسنت كثيراً قبل خطاب الملك في أغسطس/آب الماضي، وبدأ الحديث عن ترتيب زيارة عالية المستوى بين الجانبين، وصارت التكهنات بقرب تبادل زيارات وزراء خارجية الطرفين، تمهيداً لعقد قمة عليا بين رئيس حكومة مدريد والعاهل المغربي.
وتابعت المصادر أن خطاب العاهل المغربي في أغسطس، ضخ جرعة أمل إضافية بأن الخلاف بين الدولتين أصبح من الماضي، غير أن ما وصفتها بـ"التناقضات الموضوعية" بين الجانبين، دفعت بكتلة هواء باردة إلى سماء العلاقة بين الرباط ومدريد.
العلاقات بين الطرفين صحيح تعيش اضطراباً جديداً، لكنها لم تصل إلى درجة التصعيد الذي بلغته في الصيف الماضي، تقول مصادر "عربي بوست".
وكان المغرب قد فجّر أزمة كبيرة مع إسبانيا ومن خلفها الاتحاد الأوروبي في مايو/أيام 2021 حينما تخلى عن حراسة بوابات مدينة سبتة (المحتلة) ما سمح بعبور حوالي 15 ألف إنسان إلى إسبانيا في أقل من 24 ساعة، ما أشعل أزمة تجاوزت مدريد، وأنتجت توتراً بين الرباط وبروكسيل.
المصادر التي تؤكد أن العلاقة بين الطرفين لم تصل لمستوى الصيف، تشدد في الوقت ذاته أن هناك ملفات خلافية جوهرية تسبب تعثراً في العلاقة بين الجانبين في الوقت الحالي.
غاز شواطئ الصحراء
ورغم حرص الرباط ومدريد على الظهور متفقتين في تدبير أزمة نقل الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر المغرب، فإن واحداً من أسباب هذا البرود الجديد -تكشف مصادر متخصصة في الطاقة لـ"عربي بوست"- راجع بالأساس إلى اتفاقيات التنقيب عن الغاز التي أبرمها المغرب بين شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الأخيرين، والتي فتحت من جديد جرح الحدود البحرية بين البلدين في الصحراء.
مصادر قريبة من ملف العلاقات المغربية الإسبانية، قالت لـ"عربي بوست" إن تفويت المغرب لشركات أجنبية صفقات التنقيب على الغاز في المناطق المحاذية لجزر الكناري التابعة للحكم الذاتي الإسباني أثارت مخاوف مدريد.
وتابعت المصادر أن المسعى المغربي أعاد إلى الواجهة الخلاف الذي تفجّر بين مدريد والرباط بعد سعي الرباط إلى ترسيم حدودها البحرية في 2019، والذي أوصل العلاقة بينهما إلى أزمة يحاول الجانبان طيّ صفحاتها.
الغضب الإسباني جاء بعد سماح المغرب لشركة إيني الإيطالية ومؤسسة قطر للبترول، بالانتقال إلى الفترة الإضافية الأولى لما يسمى رخصة استكشاف الهيدروكربونات، في المنطقة الضحلة من شاطئ طرفاية المقابلة لجزر الكناري الخاضعة لحكم مدريد.
أعمال التنقيب هاته، التي انطلقت قبل شهرين، تشمل التنقيب عن النفط في المنطقة المقابلة لجزيرتي "فويرتي فنتورا" و"لانزاروت"، التابعتين للكناري.
وبحسب مصادر متطابقة، تبلغ مساحة مجال الاستكشاف البحري للمياه الضحلة في مدينة طرفاية حوالي 23 ألفاً و900 كيلومتر مربع في مياه يصل عمقها إلى 1000 متر تحت سطح البحر.
كما يشمل مجال الاستكشاف اثنتي عشرة كتلة في المحيط الأطلسي، تقع أمام المدن المغربية انطلاقاً من مدينة سيدي إفني مروراً بمدينة طانطان، ووصولاً إلى طرفاية.
الاتفاق المغربي الإيطالي القطري يعد الأكثر إثارة، لكنه ليس الوحيد الذي أحيى مخاوف مدريد، بل هناك سبب آخر للخوف الإسباني، من خلال اتفاق المغرب مع شركة إسرائيلية للتنقيب عن الغاز في شواطئ مدينة الداخلة في الصحراء.
الاتفاق الذي جرى توقيعه في أكتوبر/تشرين الأول 2021 يقضي بالبحث عن النفط والغاز في المياه العميقة لشواطئ الصحراء المتنازع عليها مع جزر الكناري، ويشمل مجال التنقيب مساحة تصل إلى 109 آلاف كيلومتر مربع مع ترخيص استكشاف الأسطح للمياه الضحلة والعميقة حتى 3 آلاف متر.
التسلح يزعج إسبانيا
مصادر قريبة من ملف العلاقات المغربية الإسبانية، أفادت لـ"عربي بوست" بأن ملف الغاز ليس وحده هو سبب هذا البرود الجديد، بل كذلك مساعي الرباط للتسلح، التي تعتبره إسبانيا خطاً أحمر.
وشددت المصادر على أن إسبانيا تنطلق من كونها متفوقة على المغرب في مجال السلاح، وبالتالي تعتبر أن أي تهديد بهذا التقدم يعتبر مساساً بالأمن القومي الإسباني.
وتابعت المصادر أنه من الناحية التاريخية كلما قام المغرب بعقد صفقات شراء أسلحة، أو حتى إصلاح وتطوير ترسانته العسكرية القديمة، تعتبر مدريد الأمر تهديداً مباشراً، هذا جرى مع اقتناء المغرب قمرين صناعيين لمراقبة الحدود قبل سنوات.
وسجلت المصادر أن مدريد تنطلق من أن مساعي الرباط للتسلح تهدد تفوقها، وبالتالي تتحول إلى القضية إلى سبب لتأزيم العلاقة بين البلدين أو التوتر بينهما على الأقل.
وأكدت المصادر أن الأمر لا علاقة له باتفاق التعاون العسكري والاستخباري بين المغرب وإسرائيل فقط، بل هو متعلق بـ"الامتيازات الجديدة" التي منحها الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء.
وسجلت أن المغرب يبحث الحصول على أسلحة متطورة من أمريكا وحلفائها، فرنسا، تركيا، إسرائيل وغيرها، ثم إنه شرع في بحث التعاون من أجل تصنيع أسلحة محلية، وهذه كلها تهدد التفوق الإسباني عسكرياً، وبالتالي تثير مخاوف مدريد.
وشددت المصادر على أن الصفقات الأخيرة التي عقدها المغرب سواء لتعزيز الترسانة، أو الحرص على إنشاء صناعة وطنية للسلاح، دفعت عدداً من المؤسسات الأمنية الرسمية أو الخاصة إلى تعزيز مخاوف مدريد من الرباط.
سباق التسلح الذي دخله المغرب بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة الرباط على الصحراء، كان موضوع تقرير مفروض أنه "سري" للمخابرات الإسبانية تم تسريبه للصحافة، لكن السلطات الإسبانية سمحت بـ"تسريب" عناصر من هذا التقرير، تقول المصادر.
وزادت أن نشر عناصر من التقرير على الرأي العام، وتصريحات قائد الأركان الإسباني بأن لا خوف من تسلح المغرب لأن مدريد تملك الردع، لا يمكن اعتبارها إلا مؤشرات حاسمة على وجود تباين حاد في وجهات نظر البلدين، على الأقل، قد تنتج بروداً في العلاقة بينهما.
وبالرغم من أن الخلاف بين الجانبين في الغاز والسلاح هو الأكثر خطورة، فإن الطرفين فضّلا معاً عدم إثارتها إعلامياً مكتفين بتصريف الخلاف في مسألة ثالثة، وهي حقول زراعة السمك شمال المغرب.